غسان مسعود مكرّماً في ندوة أماسي
“ياقدس إننا عائدون” مقولة صلاح الدين الأيوبي التي ارتبطت بالفنان العالمي غسان مسعود الذي جسد شخصيته في الفيلم العالمي مملكة السماء مع المخرج ريدلي سكوت، حينما دخل عوالم هوليوود وأوصل صوت الفنان السوري إلى العالمية، فكانت مقولته بوصلة الشباب في الجولان المحتل الذين يرون حلمهم وقدوتهم ومنارة طريقهم بالفنان غسان مسعود، فباحت دموعه بأمنيته بعودة الجولان المحتل إلى الوطن وهو على منبر أماسي في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة-بإدارة الإعلامي، م. ملهم الصالح في حوار لايخلو من الشجن والعتب الخفي والحديث عن بعض السلبيات التي تطال الإعلام والنقد لاسيما النقد المسرحي.
وغسان مسعود بطل” بانتظار الياسمين” الشاهد على فواجع الإرهاب، والذي يرفض أيّ عمل يمس هويته وعروبته، والذي يصف نفسه بالكلاسيكي، فوجئ بتكريم وزارة الثقافة وبتسليم د.علي المبيض معاون وزير الثقافة درع الوزارة له مع شهادة التكريم، ولم يقبل التكريم من المؤسسة العامة للسينما بقوله” لا أستحق التكريم لأنني خلال ثلاثين عاماً لم أشارك إلا بفيلم واحد هو “الاعتراف”، وكذلك من قبل التلفزيون العربي السوري –القطاع العام- فما قدمه يعد خمسة بالمئة من مجمل إنتاجه الدرامي العربي، وقبل تكريمه عن المسرح الذي يمثل روحه وسنوات عمره شاكراً وزارة الثقافة والحضور الكبير.
من المحلية إلى العالمية
واختصر د. علي المبيض إنجازات الفنان بالاسم الكبير غسان مسعود، وتوقف عند تجربته الهامة بالسينما العالمية والسينما الإيرانية، وبيّن المبيض بأن إغراق مسعود بتفاصيل المحلية أوصله إلى العالمية، ليصل إلى مقاربته بتجربة الشاعر نزار قباني الذي غرق بمفردات البيت الدمشقي والحارة، وبوجه آخر من أوجه الثقافة حقق غسان مسعود حضوراً عالمياً وانتشاراً دولياً واسعاً بقوة شخصيته وثقافته وثقته بالنجاح، كما أثنى على دوره الكبير بتخريج عدد من المسرحيين من خلال تدريسه بالمعهد العالي للفنون المسرحية.
مواقفه الصريحة
وأوضح الصالح أنه مزج بين التنظير والفعل الأكاديمي ونتاجه الإبداعي المنوع، ففي التلفزيون شارك بستين عملاً وبالمسرح له ما يقارب عشرين عملاً وصولاً إلى إسهاماته بالسينما العالمية التي بلغت عشرين فيلماً، من أشهرها مملكة السماء وقراصنة الكاريبي ج3، إضافة إلى السينما الإيرانية والفرنسية المشتركة، منوّهاً إلى مواقف مسعود الصريحة والتزامه بمبادئه مما جعله يدفع ضرائب مقابل ذلك.
إيجاد مدرسة سورية
وعاد الصالح مع مسعود إلى مرحلة الطفولة التي أثرت بشخصيته ففي قرية فجليت انطبعت بذاكرته التنويعات اللونية والطبيعة الجبلية فكانت المخزون الأساسي الذي جعله يميل إلى اللون، كما أنه ينتمي إلى أسرة فقيرة مكونة من عشرة أولاد، بزغ نبوغه بعلوم اللغة العربية واللغة الإنكليزية، وبعد أن أتم دراسته في الدريكيش التحق بكلية الآداب قسم اللغة العربية، إلا أن الأقدار غيّرت مسار حياته فدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية وتتلمذ على خبرات من المدارس الغربية والشرقية، فالتقى بفواز الساجر الذي ارتبط معه بعلاقة حميمة ومع طلال الحجلي وعبد المسيح نعمة، ومحمد إدريس التونسي القادم من فرنسا والأستاذة نائلة الأطرش وأسعد فضة، ليتوقف مسعود عند أمر هام بقوله”دمجنا بين الخبرات واجتهدنا لإيجاد مدرسة سورية”، وأشاد بإسهامات د. نجاح العطار حينما كانت وزيرة للثقافة بإرسال الطلاب المتميزين أثناء الدراسة في بعثات خارجية للاطلاع على تدريب الممثل، ليتابع بأن الطلاب اليوم نتيجة الحصار لايخرجون خارج سورية والمسرح ذاكرة بصرية.
وتوقف الصالح عند المرحلة التي عُين بها معيداً ودرّس طلاب المعهد فقدم مسرحية سكان الكهف آخر عمل قام بإخراجه فواز الساجر وجسد فيها مسعود دور الملك، إلى تقاسيم على العنبر والتي كانت ثلاثية تشاركية بينه وبين جواد الأسدي وفايز قزق، والعروض الجماهيرية الكبيرة في مسرح بيروت، ليتوقف عند مسرحية كسور التي شكّلت منعطفاً في تاريخ مسعود.
مسرح صادق وإلا
ويسأله الصالح عن المشهد المسرحي اليوم، فيجيب مسعود بأن الحرب الإرهابية لابد أن تنتج ثقافتها كما حدث بعد الحرب العالمية الثانية التي أنتجت مسرح العبث، مشيراً إلى ضرورة إيجاد خطاب مسرحي صادق وإلا سينصرف الناس عن المسرح، منوّهاً بتجربة جيل الشباب الذين وجدوا أن الأمة العربية قبائل وعشائر تتذابح بوحشية، وفي هذه المرحلة الصعبة لابد أن يعود المبدع إلى شكل من أشكال التعبير التي تخصّه وتخصّ أبناء حارته، مستعرضاً تجربة لوتس مسعود بـ”كأنه مسرح” الذي يحكي عن الواقع بصدق، عن وجع الناس، عن أسرة الشهيد، ليحتد مسعود مع الصالح إثر إثارته ببعض الانتقادات التي وجهت إلى العمل والتي رفضها مسعود ووصفها بالسلبية، والفنية المباشرة ليوضح أنه قدم لغة المسرح للمتفرج وفق مسرح داخل مسرح، وحول اعتماده على نجوم التلفزيون لإنجاح العمل، بيّن أن تاريخه بكل مسرحياته كان حالة جماهيرية، ليقول: سأكون خائناً مرتين إذا جاملت لوتس وإذا خنت تاريخي الفني.
وتحدث مسعود عن صعوبة الوصول إلى جيل الشباب في ظل الفضائيات لاسيما أن بعضها موجه من أصحابها، إلا أنه بالتأكيد أثر بجيل الشباب الذين أصبحوا نجوماً اليوم وبآخرين، ثم قدم الصالح رسائل مصوّرة لعدد من الشباب في الجولان المحتل وجدوا في شخصية غسان مسعود حلمهم ومنارة طريقهم خاصة لمن يعملون في المسرح، والأهم أنه أحيا الأمل في داخلهم بتحقيق حلم عودة الجولان المحتل إلى الوطن، وطالبوا بالتواصل الثقافي بين أبناء الجولان المحتل والوطن، لتنساب دموعه، ثم عرض الصالح بورتريه لغسان مسعود بشخصية البطل صلاح الدين الأيوبي لم يرها مسعود سابقاً محملة بالرموز والدلالات الموحية بالصليب والهلال على العمامة، مع رسالة مصوّرة من الفنان التي رسمها خالد النجاد يشيد فيها بما قدمه مسعود.
مشروع تنويري
وتحدث الفنان فايز قزق صديق مسعود من أيام المعهد عن مشروعهم الإنساني المشترك تجاه شعبنا، ليصل إلى المسرح السوري الذي يمثل اجتماعاً حراً يلتقي فيه الجمهور من مختلف الشرائح. وتميّزت شهادة عضو مجلس الشعب نبيل صالح صديق مسعود الذي تحدث عن مرحلة بداية مسعود بالمسرح الجامعي وبأنه صاحب مشروع تنويري سوري حقيقي، وبأن العمارة المسرحية التي بناها مسعود ستنهض بعد الحرب من جديد.
واعترف المخرج محمد ملص بأنه يتحمل جزءاً من اللوم لعدم حضور قامة بهذه الموهبة والقدرة الفائقة في السينما السورية. وأثنى المخرج جواد الأسدي عبْر رسالة مصوّرة على عمل مسعود واصفاً إياه بصاحب مشروع، لأنه يبحث عن أوجاع ومسرات سورية العظيمة.
وكانت هناك عدة شهادات منها شهادة الشاعر حسن بعيتي، وشهادة الفنان غسان عزب، ليتوقف مع الشهادات العائلية الوجدانية من ابنته لوتس وابنه سدير وزوجته سعاد مسعود، لينهي مسعود لقاءه مع جمهوره بتوجيه رسالة إلى جيل الشباب بالمثابرة على الحلم وبتحضيره لشخصية الحلاج والمطران كابوتشي.
ملده شويكاني