دراساتصحيفة البعث

رضوخ أردوغان

 

 

ترجمة: هيفاء علي

عن ريزو انترناسيونال 3/9/ 2018

غدت معركة إدلب المرتقبة، التي سيطلقها الجيش السوري وحلفاؤه خلال ساعات أو ربما أيام معدودة، هذه الأيام حديث الساعة، وباتت تتصدّر صفحات الجرائد وعناوين الأخبار في مختلف وسائل الإعلام العربية والأجنبية. وقد وصفت بأنها “أم المعارك”، لجهة أنها المعركة الأخيرة في مسار الحرب السورية، وكونها آخر بقعة تخضع لسيطرة المسلحين الذين تكدسوا فيها بعدما طردتهم الحكومة السورية من المناطق التي كانت خاضعة لسيطرتهم، وعلى رأسهم إرهابيو “جبهة النصرة”.
وجاء إعلان تركيا وضع “هيئة تحرير الشام”، والذي تشكّل “جبهة النصرة” المكوّن الرئيسي لها، على قائمتها السوداء، حدث بحدّ ذاته كونه يعتبر بمثابة موافقة الحكومة التركية على انطلاق المعركة لقطع أي صلة صريحة أو ضمنية مع “جبهة النصرة” من أجل تبديد أي غموض في هذا الصدد، وإعطاء الضوء الأخضر للتحالف الروسي السوري الذي يستعد لشنّ هجومه الواسع في إدلب لتطهيرها من وجود الإرهابيين.
يبدو أن أردوغان أدرك أخيراً أن روسيا عاقدة العزم على مساعدة الحكومة السورية على تحرير إدلب ووضع كل ثقلها السياسي والعسكري هناك، حتى لو أدى هذا الهجوم إلى مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة. بهذه المبادرة، ترسل تركيا رسالة قوية إلى حليفها الأمريكي وحلفائها في الناتو: لقد اختارت طرفها في سورية، وغيّرت موقفها لصالح روسيا.
في الواقع، لا يستطيع أردوغان قطع علاقاته السياسية والاقتصادية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومعارضة خططه في إدلب. علاوة على ذلك، من دون تركيا، ستكون حرب إدلب أكثر تكلفة بشكل غير محدود بالنسبة لدمشق وموسكو. من المؤكد أنه كان هناك حل وسط خلف الكواليس بين تركيا وروسيا، ولا نعرف تفاصيله إلا في وقت لاحق، لكن هناك أمراً واحداً مؤكداً: تدهور العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة دفع أردوغان إلى حدّ كبير للتراجع وإفساح الطريق أمام الجيش السوري لدخول إدلب. فقد أدّت الحرب الاقتصادية الشرسة التي شنّها الرئيس دونالد ترامب ضد تركيا مع انهيار الجنيه إلى القضاء على أردوغان وإذعانه للضغوط السورية الروسية.
لكن العكس صحيح أيضاً: فلولا التقارب التركي الروسي، ما كانت هناك حرب اقتصادية أمريكية ضد تركيا، وقد أخطأت أيضاً بنظر واشنطن من خلال توقيع اتفاقيات التجارة لزيادة مستوى التبادل التجاري مع روسيا إلى 100 مليار دولار سنوياً، بناءً على خطوط الأنابيب الروسية، وعن طريق شراء صواريخ (S- 400)، كما تعهدت تركيا بالبقاء مع إيران في مواجهة العقوبات الاقتصادية الأمريكية، كل هذه الأمور اعتبرتها واشنطن جريمة لا تُغتفر ولن تستطيع غضّ الطرف عنها أو تجاهلها. ومع ذلك، لهذه الدينامية الجديدة مكاسب من المرجح أن تتجاوز إطار علاقات أنقرة- واشنطن.
في سياق متصل، ستعقد قمة طهران في 7 أيلول، وستجمع رؤساء إيران وروسيا وتركيا لوضع اللمسات الأخيرة على خارطة الطريق الخاصة بـ “سورية الموحدة الجديدة” وإطلاق عملية المصالحة الوطنية. وهذا اللقاء الثلاثي سيكون بمثابة رسم خريطة “تحالف جديد في الشرق الأوسط”، وهو تحالف غير طائفي سيقف ضد محور “الاعتدال العربي” الذي مضى على نحو سيئ، حتى لو كان الرئيس الأمريكي يستعد لإطلاقه في تشرين الأول المقبل بحضور ست دول من دول الخليج وكذلك الأردن ومصر و”إسرائيل”.
مما لاشك فيه أن القنبلة التي فجّرها الرئيس التركي بوضع “جبهة النصرة” على القائمة السوداء سيكون لها تداعيات مهمّة في جميع أنحاء المنطقة التي ستشهد مصالحات كبيرة، وقد تكون هذه بداية نهاية أحد أكثر الفصول دموية في تاريخ الشرق الأوسط.