في لحظات الغضب الضرب عقاب على أخطاء ومخالفات طفولية أم مواجهة بين الأهل والضغوط الاجتماعية وأعباء الحياة؟!
“العصا لمن عصا”، و”الله يرحم الي بكونا”، بهذه الأمثال الشعبية برر أبو وائل الأساليب التي يتبعها في معظم الأحيان مع ولديه: وائل “12 سنة”، وزين “10 سنوات”، حين يسيئان التصرف أو الأدب في تعاملهما مع العائلة، أو ضمن المجتمع، ففي آخر مرة استخدم الرجل عصا خيزران رفيعة حين ثار غضبه من تصرف سيىء لولديه عندما ألقيا كيس القمامة بحديقة الجيران، وقال إنه يحتفظ بها خصيصاً لمثل تلك الحالات، ولم تشفع الصرخات المتتالية للطفلين، ولا استعطاف الأم الملوعة على ولديها، في تخفيف العقاب الشديد للوالد، أو ثنيه عن ترك آثار العصا على جسدي ولديه، وإيصال الرسالة إلى الجيران المتضررين على لسانهما بصوت مرتفع جهوري اختلط مع البكاء: “والله ما بقى نعيدا”!.
أبو وائل أكد أنه لابد من العقاب القاسي حتى يشعر الطفل بفعله، ويفهم خطأه، ويعتقد جازماً أن الطريقة التي نشأ عليها جيله تصلح لولديه أيضاً، وتصلح لهذا الجيل الذي قلّت فيه التربية على حد قوله، وتصلح كذلك لكل زمان ومكان أيضاً، وهي الطريقة الأنجح في التنشئة والتربية، ولكن هل أصاب الرجل فعلاً؟ وهل ما يفعله وما يقوم به كذلك هو وغيره من الآباء والأهل طريقة مثالية في تربية الأطفال وتنشئتهم في المجتمع؟ وماذا عن الآثار الجسدية والنفسية التي يمكن أن تتركها مثل تلك الأساليب عند الطفل؟ وماذا سينجم عنها؟!.
إرضاء للمجتمع
الملفت أن تصرفات بعض الأهل في تعاملهم مع أطفالهم تأتي في كثير من الأحيان لتعبّر عن ردات فعل تجاه المجتمع، ففي المثال الأول كان واضحاً من حديث الوالد أنه حريص أشد الحرص على الظهور بصورة مثالية أمام جيرانه، وفي حالات أخرى مشابهة تحدثنا عنها كان الظهور بحالة نموذجية هاجساً في إجابات الأهل، وكذلك في استخدام طرق التربية القاسية مع أطفالهم: “أطفالي قدوة”، “أولادي مربايين أحسن تربية”، وإضافة لذلك تبدو الضغوط الاجتماعية سبباً مباشراً لضرب الأهل للأطفال، وتتحدث أم ياسر، وهي ربة منزل، عن قيام زوجها في الكثير من الأحيان بتعنيف الأطفال وضربهم، لا لأخطاء جسيمة يرتكبونها، ولكن بسبب ضغوط معينة قد تحدث في يومه في العمل، أو مع الجيران، فتكون الأخطاء البسيطة ذات عواقب وخيمة، ويكون العقاب غير منسجم مع الفعل الذي يقوم به أحد الأطفال، وتضيف: حتى أنا كذلك أبالغ في بعض الأحيان في عقاب أطفالي، وأستخدم الضرب البسيط لثنيهم عن التصرفات السيئة، وتختم بالقول: للأسف في هذا الزمن أصبحت السيطرة على الطفل أو تربيته بالطريقة التي نريدها صعبة جداً، خاصة بوجود وسائل كثيرة تدخل مع الأهل في التربية، أو السيطرة على أطفالهم!.
أخطاء غير مقصودة
يبدو أن ضرب الأطفال من قبل الأهل يمكن أن ينتهي في بعض الأحيان بعواقب وخيمة ونتائج كارثية، وهو ما حدث فعلاً مع إحدى الأمهات التي تحول غضبها الشديد من ابنتها إلى خوف وهلع شديد، فعندما ظهرت نتائج الفتاة، ابنة الصف السادس، في نهاية الفصل الدراسي، وأظهرت تراجعاً شديداً وتدنياً في المستوى، اعترى الأم غضب شديد، ما جعلها تفقد صوابها وتضرب ابنتها بقسوة، وما كان من الفتاة الصغيرة التي حاولت تجنب ضربات الأم إلا الهروب مسرعة إلى غرفتها، فتعثرت وسقطت أرضاً وكسرت أحد أسنانها الأمامية، لتتحول مشاعر الوالدة الغاضبة بسرعة إلى الخوف والهلع والحزن على ما أصاب ابنتها، والندم على ما قامت به من تصرف مبالغ به، كذلك يؤكد بعض الأهالي أنهم يضربون أولادهم في لحظات غضب، ثم يندمون أشد الندم على تصرفاتهم، وما قاموا به من فعل بحقهم، في المقابل يؤكد بعض الأهالي أن هناك أطفالاً يتصفون بعناد شديد يجبر الأهل على التصرف بقسوة، والملفت أن قلة فقط من الأسر تعتمد طرق التربية الحديثة في التحدث إلى الطفل، ومحاولة فهمه واستيعابه، فحتى في غياب الضرب، هناك وسائل سلبية أخرى تترك آثاراً جسيمة عند الطفل كالشتم والصراخ، وهو ما اشتكى منه أطفال كثيرون دون التعبير عن الكره أو السخط من آبائهم!.
علاج مؤقت
اللجوء إلى الضرب قد يتحول في حد ذاته إلى مشكلة كبيرة يمكن أن تتفاقم آثارها بصورة مخيفة عند الأطفال، هذا ما أكده الدكتور مهند إبراهيم، اختصاصي علم نفس نمو الطفل في كلية التربية بجامعة البعث، فأوضح أن الضرب لا يمكنه في حال من الأحوال تقويم سلوك الطفل، أو المساعدة في عملية التربية، لأنه سلوك يعالج المشكلة بصورة مؤقتة، وسرعان ما يعود الطفل للسلوك الخاطئ الذي قام به منذ البداية، إلى جانب الأخطار الطبية والنفسية التي تتشكّل لدى الطفل، حيث يمكن أن يتولّد الخوف داخل الطفل، ويختفي لديه تدريجياً شعور الرهبة والاحترام والتقدير لأهله، خاصة حين يفقد الطفل بتكرار الضرب إحساسه بالأمان والراحة النفسية، ومن ناحية أخرى يسبب الضرب مشكلة اجتماعية عند الطفل تتمثّل في عدم اندماجه في الحياة الاجتماعية مع الأطفال الآخرين أو المجتمع لخوفه الدائم منهم، كذلك يصبح الطفل أكثر عناداً، وفي المستقبل يمكن للضرب الذي تعرّض له الطفل من أحد الوالدين أو كليهما أن يخلق شخصية ضعيفة غير قادرة على اتخاذ القرار، ومهزوزة اجتماعياً.
أساليب بديلة
ويؤكد الدكتور إبراهيم أن على الأهل دائماً أن يتجنبوا ضرب الأطفال، والاستعانة بأساليب ووسائل بديلة يمكن من خلالها التعامل مع الطفل، وتحويل سلوكه تدريجياً لتعليمه وتأديبه، ويجب عليهم دائماً الصبر والتروي للحصول على النتائج، فالمطلوب العلاج الدائم للمشكلة، وليس الحلول المؤقتة التي يمكن أن تتفاقم، ويوضح د. إبراهيم أن على الأهل دائماً تعويد الطفل منذ الصغر على المناقشة والإقناع، وعليهم تقديم البدائل دوماً، خاصة في السن الصغير، فمثلاً إذا أراد الطفل اللعب بشيء ممنوع، لا يجب الصراخ عليه أو الغضب منه، وإنما يجب أن نقوم بالحديث إليه بهدوء، ثم نعرض مثلاً لعبة أخرى مقبولة، كذلك ينبغي دائماً السيطرة على الأعصاب، وردود الأفعال، والتعامل من خلالها مع الطفل، ومن الأساليب التربوية المفيدة عدم إهمال مكافأة الطفل عند قيامه بسلوك إيجابي، أو التزامه بأي اتفاق تم بينه وبين أبويه، وفي الوقت نفسه لابد من وضع قواعد واضحة وصريحة لكل ما هو ممنوع، وأن يكون مدركاً لعواقب القيام بذلك، ويجب على الأهل كذلك الانتباه من البرامج التي يشاهدها الطفل، وألا تحتوي على صراخ أو ضرب أو تهديد أو قتل، خشية أن تصبح تلك المشاهد جزءاً من سلوكه مع الآخرين، وختم الدكتور إبراهيم بأنه من المفيد دائماً بالنسبة للأهل سؤال المختصين في هذا الجانب في حال فشلت محاولات تقويم السلوك عند الطفل، فالجانب النفسي لا يقل أهمية عن الجانب الجسدي، ويتطلب في كثير من الأحيان النصيحة والمشاورة دون اللجوء للعنف بأي شكل، فالعنف غالباً ما يزيد المشكلة تعقيداً.
محمد محمود