دمشقيات..عالم من الذكريات
“أحب دمشق وأهل دمشق..
موئل الأجداد والآباء والأطفال أهل الوفاء..
بها ولدت وبها نشأت وعرفت بها الأمجاد”
بهذه العبارات بدأ الباحث منير كيال كتابه “دمشقيات..عالم من الذكريات” حيث غدت معالم دمشق الأثرية مقصداً ومزاراً لزوار هذه المدينة من الوفود السياحية القادمة من شتى أنحاء العالم لقضاء الساعات الطوال في رحاب أحيائها وأسواقها، ومتحف التقاليد الشعبية بقصر أسعد باشا العظم، والمتحف الوطني سوق المهن اليدوية والوقوف بإجلال أمام مشيدات دمشق التاريخية من خانات ومدارس وقيساريّات. ذلك أن أهل دمشق لم يتوانوا عبر التاريخ عن طبع مدينتهم بطابع الخير والإيثار فكان لهم أيادٍ بيضاء بإعطاء هذه المدينة طابعاً لا مثيل له في كثير من مدن العالم. ومن أعمال البر المعروفة في دمشق ما كان على شكل مشيّدات ذات نفع عام، تلك المشيدات التي وقف لها أهل الخير موارد مالية أو عينية للإنفاق عليها وعلى القائمين عليها. ومن أوجه الخير التي أولاها الدماشقة عنايتهم بمنطقة “المرجة” التي تحولت فيما بعد إلى الملعب البلدي ثم أقيمت عليها أجنحة معرض دمشق الدولي، هذه المنطقة كانت مرجاً أخضر تتخذ منه الخيول والسوائم الأخرى العاجزة المتهالكة مكاناً آمناً يتوافر فيه العشب والماء مادامت على قيد الحياة.
دمشق تستحق أن يكون أهلها على ذلك النحو من العطاء، لأنها مدينة البركة والجمال، وقد تحدث عنها الرحالة ابن جُبير الأندلسي عندما زار دمشق في القرن السادس الهجري في سياق رحلته إلى بلاد الحجاز بقوله: “دمشق جنة الله في أرضه، حباها الله الموقع والمياه، فأتى أهلها وتوجوها بالأزاهير وكحلوها بالرياحين وفرشوا أرضها بالسندس النّضير. ظل ظليل وماء سلسبيل تنساب انسياب الأراقم بكل سبيل. ملّت أرضها الماء حتى اشتاقت للظمأ فتكاد تناديك الصم الصلاب: اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب”.
وأفاض الباحث الفرنسي روبين جيرار في وصف دمشق ودورها في بحثه عن بيوت دمشق وقصورها في القرن الثامن عشر بقوله: “عندما تقترب من دمشق، تتسع أمامك بساتين الغوطة، فتعطي دمشق رداء متلألئاً يضفي عليها السحر، فمن قمة جبل قاسيون يستمتع المرء بمنظر رائع تتراءى به دمشق رشيقة بيضاء بأسطحها المستوية، ومآذنها الممشوقة وسط الأشجار المحيطة بدمشق، كالبحر الصغير بلونها المائل إلى الزرقة، كما تعطيها أشعة الشمس لوناً قرمزياً يأخذ بالألباب..”.
قدم مدينة دمشق
أجمع المؤرخون على اعتبار مدينة دمشق أقدم مدينة مأهولة بالسكان عبر التاريخ ومن يتجول بأزقة دمشق وحاراتها يلحظ دورها المتلاصقة المتراكبة المتعانقة المتآلفة، تعانق وتآلف أهل دمشق محبة وإخاء ويتنفس المرء أريج تاريخ هذه المدينة مالئاً حنايا أوابدها التاريخية العريقة.
جمان بركات