رسول حمزاتوف.. عاشق جماليات الحياة
-أعظم الأشياء هو أبسطها
-الشعر يأتي على غير توقّع، كهديّة! وملكوت الشاعر لا يخضع للمشاريع المحكمة
-على الكاتب أن يُصغي إلى نبضات قلبه قبل أن يقترن بموضوعه
-اُكتب عمّا تعرف و تستطيع. أمَّا مالا تعرفه فاقرأه في كتب غيرك
في الذكرى الـ 95 لولادة رسول حمزتوف الشاعر الذي كتب حول الجمال والبشاعة، عن فرح الحياة الساحر، وألوان أحذية الشهداء، والأنهار الهادرة المياه لأماني بلاده، وسواقي خيباتها، وأيضا عن مآسي الحرب، والخيانة، ومرارة الكذب، وبشاعة الدمار، وبؤس الفقر، كما تغنى بالجمال والأمل.. يكشف عن عبقريته بأبسط عباراته ليشير لحكمة عميقة، لم يكن يهتم بالجوائز ويرى أنها ليست القيمة الحقيقية للكاتب الحقيقي خاصة إذا كان شاعرا.
ولد حمزاتوف في 8 أيلول عام 1923 في قرية تسادا الآفارية في شمال شرق القوقاز، والده جمزات تساداسا شاعر مشهور ورث التقليد القديم للغناء على أنغام القيثار الحي حتى الآن، يقول حمزاتوف عن والده أنه أول من علمه فن الشعر وكان يلفه في معطفه الفضفاض المصنوع من جلد الغنم وينشد قصائده، لذلك فقد حفظت هذه القصائد عن ظهر قلب قبل أن أركب الحصان أو ألبس حزاما، وفي عام 1950 أنهى الدراسة في معهد جوركي للآداب في موسكو، وعمل نائبا في مجلس السوفيات الأعلى ورئيسا لاتحاد كتاب داغستان، وحصل على لقب شاعر الشعب عام 1958 ثم جائزة لينين وجائزة لوتس الأفروآسيوية وجائزة نهرو- وقد أضاف حمزاتوف لروسيا جزءا جميلا من التقاليد للتراث اليومي المتداول من الأمثال الشعبية والحكم استطاعت أن تعوض قليلا عن رحيل يسنن ومايكوفسكي وغوميلوف وبلوك وتسفتايفا وأخماتوفا. وقد منحته نشأته الجبلية مجموعة من الصفات الجامحة والقوة الروحية الهائلة فهو شاعر ومحارب وحكيم، ولم يكتب رسول حمزاتوف شعره بالروسية لكن جميع دواوينه ترجمت إليها ماعدا الدواوين الثلاثة الأخيرة، وهو القائل بأنه لا يثق بالمترجمين لأنهم يعملون بشكل سيء، كتب ذات يوم ردا على كاتب شاب يطلب أن يمده الآخرون بمواضيع ملحة ليكتب عنها. يُدهشني دائمًا أولئك الذين يُحاصرون الكاتب بالطلب إليه أن يُحدثهم عن مشاريع الإبداع لديه للسنوات القادمة، الكاتب يعرف بالطبع الاتجاه العام لعمله، وربما كان بالإمكان التخطيط لكتابة رواية أو ثلاثية، أما الشّعر فلا.
بين ديوان الحب الحار والكراهية الحارقة عام 1943، حتى ديوانه الأخير عام 1994 بعنوان “المهد والوجاق” قدم لنا 30 ديوانا شعريا، موسكو كانت مسرح وفاته في عام 2003، هو الذي كان أصيب، بعد تجاوزه سن الثمانين، بمرض عصبي سبّب له رعاشاً ملحوظاً، رافقه حتى آخر يوم من حياته، التي تمنّاها حمزاتوف أن تطول بعض الشيء، «كي لا أدع الكلمة يتيمة من بعدي/ ولا أدع من أحبهم بلا حب».
“أنا سيد كلمتي، أقف عندها إن شئت وأنكص عنها إن أردت/أحمل شوقي وحنيني حيثما ارتحلت”.
بلاد الجبال
داغستان التي تغنى بها رسول حمزاتوف في كتابه «داغستان بلدي» الذي ينضح بشعرية خصوصيّة، بلد الجبال، ومنها تنبع أنهار داغستان العديدة التي يبلغ عددها 6 آلاف نهر. وتشتهر بمعالمها الطبيعية المميزة- يقول حمزاتوف في كتابه “قصائد مختارة” صفحة 8- 9: “كنت في طفولتي أتشاجر مع أترابي، دفاعا عن شرف العائلة، ثم كبرت، فصرت أقاتل من أجل قريتي، ثم جمهوريتي داغستان، ثم من أجل روسيا الاتحادية كلها، واليوم أرى نفسي مسؤولاً عن كرتنا الأرضية كلها، وعن مصير البشرية جمعاء، فالشعر بلا نضال، هو شعر بلا حب.” وعن الشعر وحب الجمال يقول:
“الحب وجمال المرأة، لا يستغني عنهما شاعر”.
في دفاعه عن السلام في بلاده، عندما دخلت مجموعة إرهابيين من الشيشان إلى داغستان، لم ينزو الشاعر حمزاتوف بعيداً، بل قال “هؤلاء ليسوا رجالاً” بل وحوشا:
“كثيراً ما أفكر/أن الأرض كل الأرض/كلها وطني.. وبيتي/أينما وجدت المعارك والنار والمدافع/يحترق بيتي”.
في مثل هذا اليوم ولد رسول حمزتوف وهو يعي باستمرار أنه شاعر، وأن الشعر هو دوماً غذاء كينونته، ونار نفسه، وهدف عينه، وطابع صوته، ومجرى دمه وروحه.
سمر محفوض