مرايا التطبيع مجدداً
ما المغزى الذي تنطوي عليه سرقة أعمال 45 كاتبة عربية، بوساطة ترجمة مختارات من قصصهن ومن مختلف الدول العربية، ومن خلال مؤسسة تابعة للاحتلال الصهيوني، ونشرها في كتاب جاء بعنوان ملتبس (حرية) دون علمهن؟.
قد يبدو الأمر على أنه قرصنة درج عليها الصهاينة، ولهم في ذلك سلوك أصبح معروفاً من سرقة الأزياء والمأكولات والعادات والتقاليد، أي سرقة الذاكرة الجمعية للعرب والفلسطينيين، وربما امتد ذلك إلى سرقة تراث الشعوب في غفلة من التاريخ والأقلام.
وكلمة (حرية) هنا الملتبسة في ملفوظها ودلالاتها، تحيلنا إلى (السلام الموارب) الذي يتشدق به الاحتلال الصهيوني، ويحاول استنباته في الذهنية والمخيلة العربية، مثلما تساءل شاعر ذات يوم: ماذا لو يلتقي شاعران عربي وصهيوني في ندوة شعرية، والأدل في هذا السياق من محاولات التطبيع قسراً ومحاولات الاختراق الجديدة القديمة، وبأساليب متعددة، كيف تتم محاولات كي الوعي والتغلغل داخل الأنساق والمرجعيات الثقافية والفكرية، فضلاً عن الاجتماعية، وبالتالي نحن في ما هو أبعد من قرصنة محتملة وناجزة، إلى مخاطر صياغات وعي شقي مزدوج عند دعاة التطبيع من جهة، ومن جهة أخرى عند ما سموا بمثقفي الكيان الصهيوني، ذلك أن اختراق الأنساق الإبداعية هو اختراق للذاكرة الثقافية العربية والفلسطينية، وهذا ما يستوجب في لحظتنا –هذه- العودة إلى تعضيد مفهوم الأمن الثقافي العربي، واقعاً وممارسةً، وأن يخرج من حيز التنظير إلى حيز الفعل، ولا يتأتى ذلك إلا بسياق ثقافة وفكر المقاومة المؤسستين على استنهاض الوعي وتكامل أدوات المعرفة بالكيان الصهيوني، الذي بات يستهدف كل شيء من الدول الوطنية وليس انتهاءً بمنجزات الأدباء العرب، فما فشلوا به على الأرض يحاولون النيل منه، من العقول العربية وبمستوى أشد تخصيصاً من العقل الثقافي العربي، ومحاولات تفتيت الهوية وإعادة صوغها، إلى ما يتوهمون به (من شرق أوسط ثقافي جديد).
فهل نعود مجدداً إلى المثقف العضوي حارس الوعي، وكيف ينهض من جديد وبأدوار فعالة، ليس صوناً للشخصية العربية فحسب، بل من أجل إيجاد عقد ثقافي جديد يمثل الضامن للمثقف العربي الحقيقي، لينهض بأدواره كافة، ومعها يستقيم القول بأن المعركة على الثقافة مازالت معركة مفتوحة، وبأهداف محددة مسبقاً، وفي هذا السياق فإن ما أشار إليه بيان اتحاد الكتاب العرب، بإدانة هذه القرصنة الصهيونية، لم يفت بطبيعة الحال (الإشادة بموقف الكاتبات العربيات اللاتي رفضن هذه القرصنة، وتحركن لدى اتحادات الكتاب في بلدانهن، لاتخاذ الخطوات القانونية لوقفها وردعها، باعتباره موقفاً وطنياً وقومياً دالاً على عمق القضية الفلسطينية وعدالتها في نفوس الأدباء والكتاب العرب).
أحمد علي هلال