مضيق هرمز والسباحة في الماء المحرق!
د. صابر فلحوط
تتحكم عبقرية المكان بمستقبل التاريخ والجغرافيا في معظم الأحيان، وكثيراً ما تسطو الجغرافيا على التاريخ، فتعيد تكوينه وكتابته لصالح أصحاب الحقوق والمظلومين الذين يمتشقون دماءهم دفاعاً عن كرامتهم، وسيادة كلمتهم.. ولعل الموقع الذي يتبوأه “مضيق هرمز” يجعل منه أبرز الممرات المائية في العالم، وأشدها ازدحاماً بالسفن التي تسهم في إعمار أوسع الساحات من حضارة الإنسان عبر توزيع الطاقة التي أمست سر أسرار العمران البشري المعاصر.
ويتفرد مضيق هرمز في أهميته لاعتباره المنفذ البحري الوحيد للعراق والكويت والبحرين وقطر، حيث يشكل فاصلاً بين مياه الخليج العربي من جهة، والمحيط الهندي من جهة أخرى، كما يحده من الشمال إيران، ومن الجنوب سلطنة عمان.. وقد حمل المضيق هذا الاسم لأنه يتبع لإيران منذ عام 1632، بعدما تم تخليصه من الاستعمار البرتغالي الذي سبق أن سيطر عليه ما بين عام (1515-1632)، .. ويتميز المضيق برحابته، حيث يبلغ عرضه 50 كيلو متراً، وعمق المياه فيه يبلغ 60 متراً، كما أن عرض ممري الدخول والخروج فيه 10.5 كيلو متر، ويستوعب من 20-30 ناقلة عملاقة يومياً.
وتزداد أهمية هذا المضيق هذه الأيام، كما يسيطر على مساحات واسعة من الصحافة ووسائل الاتصال الاجتماعي كلما ارتفعت حرارة الحرب الظالمة التي تشنها السعودية وأعوانها على الشعب العربي في اليمن منذ أكثر من ثلاث سنوات.
إن إغلاق مضيق هرمز، الذي هدد به الرئيس الإيراني حسن روحاني في 3 حزيران 2018 رداً على الإعلان الأمريكي بتهديد الدول التي تستورد النفط الإيراني، ستكون له تداعيات استراتيجية كبيرة. فالمضيق إضافة إلى أهميته التجارية والاقتصادية فإن له أبعاداً كبيرة على واقع المنطقة العربية عموماً، كما له منعكسات تؤدي إلى انهيار العديد من الدول، حيث تعد إيران أكبر الخاسرين من إغلاق المضيق كونها تعتمد عليه في تصدير النفط الخام إلى دول آسيا وبخاصة الصين أكبر مستوردي النفط الإيراني: أما إيطاليا، وإسبانيا، واليونان من أكثر الدول الأوروبية تضرراً من الإغلاق حيث يبلغ إجمالي ما تستورده أوروبا من النفط الإيراني 450 ألف برميل يومياً وهو ما يساوي نسبة 18٪ من إجمالي الصادرات الإيرانية من النفط والبالغة 2.7 مليون برميل يومياً..
إن العيون الاقتصادية لعالم المال والطاقة تشخص نحو مضيق هرمز الأمر الذي يحتم أن يؤخذ “تهديد” الرئيس الإيراني بإغلاقه رداً على حصار أمريكا وحلفائها من عرب النفط وصفقة القرن، بأعلى مستويات الجدية، والمسؤولية. وأن المشاريع التي تطرح كبدائل في حال إغلاق “المضيق” سواء منها ما سمي بـ الخزان الاستراتيجي، أو استخدام خط الأنابيب من المنطقة الشرقية في السعودية الذي يصل إلى ميناء “ينبع”، كذلك إعادة تأهيل خط أنابيب التابلاين الممتد من الساحل الشرقي للسعودية “راس تنورة” إلى لبنان، كل هذه المشاريع لا يمكن أن تكون بديلاً اقتصادياً، واستراتيجياً مأموناً، ومضموناً في حال اضطرار إيران لإغلاق “مضيق هرمز” ولو على طريقة (عليّ وعلى أعدائي) كرد مسؤول وشجاع على تشديد الحصار الأمريكي الظالم والمدان، في مجالي النفط والاقتصاد عموماً…
إن الحريصين على العروبة الحضارية، والتوجه نحو وحدة الأمة العربية عبر طريقها الأوحد “فلسطين” يؤمنون أن نقل السفارة الأمريكية من “تل أبيب” إلى القدس، والقانون القومي اليهودي، وتهديدات أمريكا لإيران الشقيقة والحليفة، وقطع خطوط التواصل بينها وبين جيرانها في الخليج إضافة إلى المؤامرة الكبرى المسماة بصفقة القرن كل ذلك ليس إلا مقدمات لوضع المنطقة كلها على صفيح ساخن ومتفجر. ولا ينقذها إلا اعتماد التجربة العربية السورية في مواجهة الإرهاب التكفيري الوهابي وانتصارها الذي أدهش العالم بفضل التلاحم الوطني والقومي بين شعبنا الصامد، وجيشنا الأسطوري العقائدي، وقيادتنا مفولذة الأعصاب وإيماننا أن في الاستشهاد من أجل الوطن ميلاداً جديداً، محذرين الذين يصرون على ركوب خيول جنونهم: إياكم والسباحة في المياه المحرقة والمغرقة والمهلكة معاً.