دراساتصحيفة البعث

في اليوم العالمي لمناهضة الاستيطان.. من يقدّم الطلب إلى الأمم المتحدة؟

د. جورج جبور
شهد عام 2017 فعاليات شتى في معظم البلاد العربية، وفي كثير من دول العالم بمناسبة مئوية تصريح بلفور. ورغم غياب مرجعية موجهة لهذه الفعاليات – وهو أمر طبيعي من جهة، وصحي إلى  حد ما، من جهة ثانية – فقد استطاعت المئوية أن تجد مكاناً لنفسها في أكبر تجمع دولي سنوي منشغل بسياسة العالم وهو الجمعية العامة للأمم المتحدة. كان لتصريح بلفور وجود قوي في المبنى الزجاجي العام الفائت.
يقترب في هذه الأيام موعد الانعقاد السنوي للجمعية العامة. العرب مبعثرون لايزالون في هذا العام كما في أعوام سابقة، وكذلك الفلسطينيون. من الصعب التفكير في الاستقرار على حل فلسطيني موحد لقضية فلسطين أو على حل عربي موحد لما ينبغي أن يبقى قضية العرب الأولى أو القضية المركزية للأمة العربية.
لكن ثمة مجالات عمل تفرض نفسها وتوجب الوحدة الفلسطينية والعربية بل والعالمية أيضاً، تفرض نفسها على من شاء وعلى من أبى. ولا ريب أننا في هذا المجال نلاحظ بحماسة كبرى تقدم تدابير المقاطعة وسحب التوظيفات وإيقاع العقوبات (البي دي اس) على امتداد العالم. وبالطبع علينا ألا نستهين بالجهود المتصدية لتلك التدابير، أي أنني أحذر من المبالغة في التفاؤل. وتزيد من ضرورة الحذر تصريحات نتنياهو عن صداقاته مع بعض الحكومات العربية. ورغم أن الحكومات العربية التي يتحدث عنها رئيس وزراء العدو لم تصدر عنها تصريحات مماثلة، إلا أن من الأدعى لاطمئنان الضمير أن تصدر عنها تصريحات نافية لصداقاتها مع إسرائيل. في كل حال ليس هذا الأمر محور الكلام هنا.
محور الكلام هو القرار 2334 الصادر عن مجلس الأمن في 23 كانون الأول 2016، والذي ينص بكل وضوح على إزالة المستوطنات الصهيونية المنشأة نتيجة عدوان 1967. يتضمن القرار كثيراً من الأمور المنصفة للعرب وللقانون الدولي معا. ولن أتوقف الآن عند تفاصيله الدقيقة. يكفي أن أقول أنه يلزم الأمين العام للأمم المتحدة بتقديم تقرير كل ثلاثة أشهر عن التقدم في تنفيذه.
ونعلم أنه لن ينفذ. الا أن التقرير الدوري أمر مفيد.
ماذا يقول القرار؟
بلغة أكثر حزماً ودقة من القرار 242 و338 يطلب القرار من إسرائيل الانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967. إلا أننا نعلم أن إسرائيل لن تنسحب، وانه ليس في حسبان أحد أن يشكل مجلس الأمن قوة عسكرية تجبر إسرائيل على الانسحاب. مرة واحدة في تاريخ مجلس الأمن نفذت إسرائيل قرارا له بالانسحاب. إنه القرار 425 القاضي بالانسحاب من لبنان. لكن إسرائيل نفذت القرار مرغمة. كانت المقاومة الوطنية اللبنانية هي سيف القانون الدولي الذي أجبر إسرائيل على الانسحاب.
لن تنفذ إسرائيل القرار 2334 في ما يتعلق بالانسحاب ولا في ما يتعلق بوقف الاستيطان ناهيك عن إزالته. ولن تستطيع أجهزة الأمم المتحدة أن تجبرها على ذلك. الا أن التذكير المستمر بضرورة إزالة كل من الاحتلال والاستيطان أمر ممكن وضروري. إحداث يوم لتذكر ضرورة الإزالة أمر مفيد ليس للفلسطينيين ولا للعرب، فليس ثمة فلسطيني أو عربي ينسى هذه الضرورة. إنه مفيد للعالم ومفيد خاصة لكل أنصار السلم القائم على القانون في العالم.
ينصب اهتمامي هنا على الاستيطان لا على الاحتلال. لماذا والثاني والد الأول؟
يقع الاحتلال في مجال القانون الدولي العام وهو مذاهب.
أما الاستيطان فيقع في مجال القانون الدولي الإنساني والإجماع على مفرداته أوسع.
وكان الاحتلال موضع مفاوضات امتصت بعض ما فيه من قبح.
أما الاستيطان فقبيح بالمطلق.
كان اليوم العالمي لمناهضة العنصرية في 21 آذار من كل عام عنصراً فاعلاً في معركة العالم ضد نظام الابرتايد في جنوب افريقيا.
أما مذبحة كفر قاسم، وهي أكثر توحشاً بكثير من مجزرة شاربفيل، فلم تهتم الدول العربية بالاستفادة منها دولياً على هيئة يوم عالمي. كان الإفريقيون أبرع دبلوماسياً من العرب في هذا المجال.
كيف تقرر الأمم المتحدة اعتبار حادثة ما يوماً عالمياً ينبغي تذكره كل عام بل طيلة العام؟ قد تقترح احدى هيئات الأمم المتحدة تسمية يوم، إلا أن موافقة الدول ضرورية. بل وفي الأعم الاغلب تتقدم الدول بطلب إحداث الأيام.
ما هي الحادثة التي أطالب بأن يخلدها يوم عالمي؟
23 كانون الأول هو يوم صدور القرار 2334.
2 تشرين الثاني هو يوم صدور تصريح بلفور.
فلنفاضل بين اليومين. 23 ك الأول سوف يلقى تأييداً أوسع، الا أن 2 ت الثاني أوقع دلالة.
وأرجح أن بالامكان، عبر المدأولات، الحكم عما إذا كان يمكننا الحصول على 2 ت الثاني يوماً عالمياً لمناهضة الاستيطان. فاذا تبينت صعوبة ذلك فلا بأس بيوم 23 ك الأول.
قلت في ما سبق أن الدول هي التي تتقدم بطلب إحداث يوم عالمي. بل وتتباهى الدول في أيامنا هذه بانها كانت المنشئة لهذا اليوم الدولي أو ذاك.
في حالنا الراهن على دولة فلسطين ولها قبل غيرها التقدم بالطلب. لكنها دولة لا تتمتع بالعضوية الكاملة. هل يحق لها أو لا يحق؟ ذلك أمر لن أخوض فيه الآن، وان كان من الواضح أن بإمكان فلسطين الحديث عن الحاجة إلى  يوم عالمي لمناهضة الاستيطان أمام الجمعية العامة.
بعد فلسطين ترد إلى  الذهن دولتان ارتباطهما بقضية الحق الفلسطيني وطيد: سورية والجزائر. ولعلي أرشح الدولتين الصديقتين للتقدم معا بالطلب. سورية هي الدولة التي خاضت تجربة المفاوضات العقيمة مع إسرائيل على الانسحاب، والجزائر هي الدولة التي انتصرت على الاستيطان بمليون ونصف المليون من شهدائها.
ولن تستطيع أية دولة عربية أو اسلامية أن تعارض. بل من المرجح أن يوما لمناهضة الاستيطان لن يلقى معارضة معلنة إلا من قبل إسرائيل والولايات المتحدة وتلك الدول – الجزر الضائعة في المحيط الهادي.
طرحت فكرة يوم عالمي لمناهضة الاستيطان مرات عدة منذ صدور القرار 2334، فصادف الطرح أصداء إيجابية واسعة.
تبنته الرابطة السورية للأمم المتحدة كما تبناه المؤتمر القومي العربي في دورته عام 2017. ولا ريب لدي أن تبنيه أمر ثابت في أي تجمع عربي يعنى عادة بقضية فلسطين كاتحاد المحامين العرب أو كالاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب.
ما ينبغي أن نقوم به اليوم هو نقل التبني إلى  الأمم المتحدة.
أكتب في الثاني من أيلول، قبل شهرين من الذكرى الواحدة بعد المئة من تصريح لا يستطيع أحد أن يدافع عنه بلغة القانون الدولي.
وهو إلى  ذلك تصريح أسال كثيرا من الدماء.
لدى المهتمين منا بقضية فلسطين فرصة لا بأس بها للتدارس. قلنقل أننا وقد نجحنا في عام 2017 أن نتحدث بطلاقة عن تصريح بلفور في الجمعية العامة، فلنحاول هذا العام أن نجعل من تاريخ ذلك التصريح يوماً عالمياً لمناهضة الاستيطان.