رفضت المشاركة في مهرجان المسرح التجريبي في القاهرة آنـــا عكاش: كرامتنــــا أهــــم من أي مهرجــــان
كان من المفترض أن تكون المخرجة المسرحية آنا عكاش حاليا بصحبة فريق مسرحية “هن” في القاهرة يتابعون عروض مهرجان المسرح التجريبي الذي انطلق بـ 11 أيلول الحالي ويستمر لغاية 21 منه على أن يقدموا عرضين في 16 و 17 من هذا الشهر، لكن ملابسات عدة أحاطت بهذه المشاركة، لتنتهي قبل أن تبدأ بقرار من المخرجة عكاش بعدم المشاركة رغم وصول تأشيرات السفر أخيرا بعد طول انتظار.
لنعرف أكثر عن الموضوع كان هذا الحوار مع المخرجة آنا عكاش، والبداية كانت حول مشاركة عرض “هن” في مهرجان المسرح التجريبي بالقاهرة ولماذا وصلت إلى هذه النهاية بقرار عدم المشاركة، فتجيب:
تقدمنا باستمارة للمشاركة في المهرجان باسم المسرح القومي- مديرية المسارح والموسيقا في سورية، وبما أن ملء استمارات من هذا النوع يتطلب وجود ملف كامل عن العرض من (مقالات كتبت عنه، فيديو، برومو، ملف تقني يحتوي متطلبات الإضاءة وتصاميم الديكور وقياساته، صور جوازات سفر المشاركين فيه وما إلى هنالك) وهي تفاصيل أحتفظ بها في أرشيفي، قمت بصفتي مخرجة للعرض بمراسلة المهرجان باسم الجهة المنتجة المتمثلة بالمسرح القومي، وأتتنا الدعوة للمهرجان وكنا أكثر من سعداء، فهي ستكون المشاركة الثانية لـ هُنّ في مهرجان دولي عريق بعد مشاركتنا في مهرجان المسرح العربي بدورته العاشرة في تونس بداية العام الحالي، وفرصة رائعة لعودة سورية للمشاركة في مهرجانات دولية بعد حصار دام طوال سني الحرب الثمان. فرصة اعتبرناها صوتاً لمن بقي موجوداً في البلد ولم يغادرها طوال فترة الحرب عليها، وله الحق بأن ينقل وجهة نظره للعالم، على حساب الأصوات الأخرى التي تصدّر عروضاً سورية من الخارج بتمويل أوروبي وتنقل نظرة أحادية عن ما يجري، وهنا بدأت الصعوبات، فوزارة الثقافة لم تعد تتكفل ببطاقات الطيران بسبب قرار من رئاسة مجلس الوزراء بتقليص النفقات بسبب الحرب، فما العمل؟ أنسب طريقة هي البحث عن (سبونسر/ داعم) يتكفل بهذه التكاليف، ففريق المسرحية رغم حماسه للمشاركة غير قادر على تحمل التكاليف كاملة.
وتضيف عكاش: طرقنا أبواباً عدة في سورية علنا نجد من يهتم، ولم نجد، فمن الذي سيستثمر أمواله في عرض مسرحي لا يأتي له بفائدة مادية؟ ولم نجد من يهتم بعودة المسرح السوري للمشاركات الدولية، ولا من يهتم بنقل صوت سورية خارج حدودها، ثم حالفنا الحظ أخيراً وتكفلت جهة مصرية لها وزنها الثقافي على مستوى الوطن العربي بثمن بطاقات طيراننا مشكورة، أما ما حدث بعد ذلك بامتناعنا عن المشاركة فهي أمور تنظيمية خاصة بالمهرجان اعتبرناها إهانة صريحة بحق فرقة المسرح القومي السوري، فقد تمت دعوتنا لحضور فعاليات المهرجان من تاريخ الـ 9 ولغاية الـ 22 من أيلول وبناء عليه أرسلنا جوازاتنا لإدارة المهرجان منذ أكثر من شهرين، والمتعارف عليه أن المدة القصوى لاستصدار الأرقام الأمنية الخاصة بالتأشيرات المصرية هي 21 يوماً كحد أقصى، ولغاية التاسع من أيلول أي ما قبل الافتتاح بيوم واحد لم تصلنا التأشيرات، من الملام إذن في تأخر إصدارها؟ وفي مساء التاسع من أيلول وصلت التأشيرات لأفاجأ بأن تأشيرتي صادرة من تاريخ الـ 28 من آب، فلماذا أرسلت إذن في التاسع من أيلول؟
تواصلت مع الجهة المصرية التي تكفلت ببطاقات الطيران- تتابع عكاش- وطلبت أن يحجزوا لنا من تاريخ الـ 11 وحتى الـ 22 من أيلول لأفاجأ بأن إدارة المهرجان طلبت منهم أن تكون حجوزات الطيران بما يتوافق مع الإقامة التي حددوها من تاريخ الـ 14 ولغاية الـ 19 من أيلول، ولم أكن على علم بالأمر، فقمت بالتواصل مع إدارة المهرجان لأستفسر عن هذا الإجراء فأخبروني بأن الأمر صحيح ولا إقامات متوفرة لديهم في الفندق، ولذلك قاموا باختصار مدة إقامتنا فسألتهم كيف إذن توجهون لنا دعوة مدتها 12 يوماً ثم تختصرونها بحجة الإقامات، ألا توجد لديكم فنادق كافية لجميع المشاركين؟ وبالتالي ألا يكفي أننا حرمنا من حضور حفل الافتتاح تريدوننا ألا نحضر فعاليات المهرجان ولا نشارك بالاختتام أيضاً.
تصرف مقصود أم خطأ إداري
برأيك هل هناك تعمد من قبل إدارة المهرجان بالتصرف مع العرض السوري على هذا النحو من عدم الاحترام؟ أم أن هذه الأخطاء هي سمة هذه الإدارة ولها سوابق مع وفود من بلدان أخرى؟.
لا أعرف إن كان تصرفاً متعمداً بحق الوفد السوري تحديداً، لكن حين نشرت ما حصل معنا على صفحتي الخاصة في الفيسبوك قرأت تعليقا عليها من أحد الأصدقاء الذي أيضاً من المفترض أن يشارك عرضه في القاهرة بأن الأمر ذاته حدث معهم، لكنني لا أعرف إن كانوا قد اعتذروا عن المشاركة في المهرجان أم لا، لكن المؤكد أن الأمر قد سبق وحدث مع المخرج العراقي مهند الهادي في الدورة السابقة للمهرجان حيث كان من المفترض أن يشارك بعرضه “في قلب بغداد” وتم إلغاء المشاركة من قبل إدارة المهرجان رغم إدراجه في البرنامج بحجة عدم توفر محلات إقامة للفرقة في الفندق، لكن بعد أن خسر مهند وفريقه ثلاثة آلاف دولار ثمن التذاكر إلى القاهرة.
ما هو المطلوب اليوم ليكون هناك مشاركات سورية خارجية في المهرجانات المسرحية وكيف يمكن تفعيلها بالشكل المناسب برأيك؟
المطلوب عودة الدعم للمسرح السوري فيما يتعلق بالمهمات الخارجية والإيفاد، فالمرحلة السورية الحرجة قد انتهت، وهناك مهرجانات ثقافية وسياحية تتكفل بها الوزارات تصل تكلفتها إلى ملايين الليرات ولا أظن أن بطاقات السفر تحديداً ستكون عبئاً كبيراً على ميزانياتها، فليس من المنطقي أن نظل نعتمد البحث عن (السبونسرات/ الداعمين) لنمثل بلدنا في الخارج، علماً أننا لا نربح شيئاً لا من تحضيرات إعادة بناء العرض التي تسبق السفر ولا من السفر بحد ذاته، البعض يعلق: ها قد سافرتم إلى المهرجان الفلاني ومن المؤكد أنكم ستعودون منه برزمة من الدولارات، أقول أن هذا غير صحيح، نحن نصرف من مالنا وجهدنا في سبيل إنجاح العرض في الخارج ودون مقابل.
عودة المهرجانات
في حال عودة المهرجانات المسرحية إلى سورية قريبا هل تعتقدين أن من حقنا التعامل بالمثل مع من حاصرونا وأبعدونا عن المهرجانات المسرحية العربية والعالمية، أم أن لك رؤية مختلفة في هذا الصدد؟.
لن أجيب على هذا السؤال لكن لدي تساؤل بسيط، طالما نحن نستضيف في هذه الفترة تحديداً عدداً من الفنانين الضيوف من مصر، ماذا لو أتى أحد من الجهة المستضيفة التي هي نحن وأخبرهم بأن عليهم أن يختصروا فترة دعوتهم وعدم حضور اختتام الفعالية التي حضروا من أجلها بسبب عدم توفر إقامات لهم في الفندق المستضيف؟ ماذا ستكون ردة فعلهم؟
ماذا تتمنين اليوم للمسرح السوري وكيف يمكن تحقيق هذه الأمنيات برأيك خاصة وأنك أطلقت فرقة مراية المسرحية مؤخرا؟
أتمنى أن يزداد عدد المسارح المفعّلة في دمشق، وأن تنشأ لدينا فضاءات مسرحية خاصة كما في بيروت، فلا يمكن أن تقتصر عروض المسرح القومي على خشبتي القباني والحمراء فقط، خاصة أنهما سيدخلان فترة الصيانة قريباً، بالرغم من أن لدينا ثلاثة مسارح في دار الأوبرا تابعة لوزارة الثقافة، لكن نادرة هي العروض التي نشاهدها على خشباتها إلا فيما يتعلق بالاحتفاليات والحفلات الموسيقية، ومسرحين صغيرين في المعهد العالي للفنون المسرحية لا يستخدمان إلا لمشاريع تخرج الطلبة ونادراً ما نشاهد عليهما عروضاً من خارج إطار المعهد. حين قرأت برنامج مهرجان القاهرة للمسرح المعاصر والتجريبي ذهلت بأن العروض المسرحية ستقام على أكثر من سبعة مسارح، والصراحة فرحت، كم هي محظوظة تلك المدينة التي تملك هذا العدد من المسارح المفعّلة.
أما بالنسبة لفرقة “مراية” فهي ما تزال مشروعاً صغيراً أرجو أن ينال الدعم من المهتمين.
كلمة أخيرة لمن توجهينها؟
سأقتبس جزءاً من نص عرض هُنّ أوجهه لإدارة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي على لسان إحدى الشخصيات: “شو جاب ع بالي هلأ سيرة البسبور السوري الأزرق؟ يمكن لأنو بآخر فترة صاروا يرسموه خيمة زرقا.. متل خيم الأونروا الموزعة على كل حدود جيراننا.. من تركيا للبنان للأردن للعراق.. وبدل الفيز وأختام الدخول، صار ينختم بأختام المنع وينزت بوجه السوريين بالسفارات وعلى الحدود..”.
كان من المفترض أن نرمي هذه الجملة في وجه كل من كان سيحضرنا من جمهور عربي شقيق وأجنبي على خشبة مسرح المتروبول يومي الـ 16 والـ 17 من أيلول، لكننا لم نصل إلى القاهرة.
محمد سمير طحان