أين نحن من مسرح الطفل؟
سمي مسرح الطفل في البدايات الأولى بمسرح العرائس، حیــث ظهــر عند المصریین القدامى “الفراعنة” والصینیین، وبـلاد مـابين النهـرين.
وفي عهد الإغريق استغل مسرح العرائس بجذب الناس إلى تعاليمٍ دينيةٍ معينةٍ، ومالبث أن منع، حتى أطلّ من جديد بحلّة جديدة تتمثل بحكايات بطولات شعبية درامية واعتمد في تقديمها أطفال صغار وتضمنت رقصاً وغناء.
تعشّق فن مسرح الطفل بثقافتنا العربية أكثر من أي فنون أخرى، باعتبار أن بدايات جذوره عريقة في تاريخنا العربي، ففي العراق ظهر قديماً ما يسمى خيال الظل: وهو نــوع مــن مــسرح العــرائس یــستخدم مجموعــة مــن الــدمى مــصنوعة مــن الجلــد وذات مفاصــل وثقوب یعرضها المحرّك خلف ستارة بیضاء رقیقة بعد إطفاء الأنوار من ناحیة المـشاهدین وإضـاءتها خلـف هذه الدمى حتى یرى المشاهدون خیالها علـى الـستار. إلا أنـه كـان تمــهیداً لظهــــور فـــن شــــعبي آخـــر وهــو فـن “القراقــوز” لتكون هــذه الفنون الشعبیة البداية الأولى لمسرح الطفل العربي.
وعندما سيطر الإسبانيون على تطوان في المغرب العربي قدمت فرقة بروتون مسرحية “الطفل المغربي”، على خشبة مسرح إيزابيل الثانية، وهي أول خشبة في العالم العربي وفي إفريقيا، وظهرت بعدها قاعة مسرح الأزبكية عام 1868م، والأوبرا في القاهرة سنة 1869م بمناسبة افتتاح قناة السويس في عهد الخديوي إسماعيل، وصولاً إلى دور الرائد السوري أبو خليل القباني في تأسيس مفهوم مسرح غنائي عربي مستقل في القرن التاسع عشر في كل من سورية ومصر، وقد تتلمذ على فنه وتجاربه المسرحية أعلام المسرح العربي إلى يومنا هذا.
كما أسست أول فرقة لمسرح العرائس في سورية في النصف الثاني من عام 1960 في حي المهاجرين بإدارة الفنان الراحل عبد اللطيف فتحي، واشتغل العديد من الأسماء الفنية الهامة في هذا المسرح الذين قدموا عدداً كبيراً من المسرحيات، منها عرائس القفاز والعصي والأقنعة والخيوط والدمى الكبيرة والمسرح الأسود الذي يعتمد على الأشعة فوق البنفسجية والمسرح الإيمائي.
وقدم هذا المسرح أولى عروضه في نيسان من عام 1961 في مدرسة زكي الأرسوزي بدمشق تضمنت مسرحية “البطة ذات التاج الذهبي” تأليف كيرنتوفا ومسرحية “بيت الدببة الثلاثة” تأليف فوميلرابدان وإخراج التشيكي بوجوكوكوليا.
وفي الستينيات والسبعينيات قدمت عروض رائعة ومشوقة في أماكن متعددة والتي توفر على الأطفال مشقة التنقل البعيد، كان منها صالات كل من المسرح العسكري والاتحاد العام لنقابات العمال ومسرح القباني وصالة الحمراء وصالة معهد الحرية ودار السلام ومسرح الثانوية البطريركية والمراكز الثقافية وفي الحدائق العامة بدمشق ومعسكرات الطلائع والشبيبة في كل المحافظات السورية، لكن مسرح الطفل في سورية مازال حتى الآن يعاني قلة الاهتمام، ولا يملك الميزانية الكافية لإغنائه من ناحية الأدوات والدمى أو حتى تطويره إلى الأحسن، فعند حضورك أي عمل مسرحي للطفل بالكاد تلاحظ أنه يخص الطفل، فلا ديكورات مميزة تخدم الفكرة العامة للمسرحية، ولا دمى جميلة تشد الطفل بسحر ألوانها وتجدد روحه وتساعده على الإيمان بأي فكرة أرادها الكاتب ويؤمن بها، غير أنه مازال يتضمن ديكورات بسيطة ومتواضعة إلى حد الفشل، ودمى مهترئة ذات ألوان باهتة تملأ المكان.
تلك الخشبة المسرحية التي لم تدرك أهميتها الكافية بعد، والتي نستطيع أن نقدم من خلالها أرقى العروض بمعان وأهداف نظيفة لتصل بشكل مباشر وفوري إلى عقول أطفالنا وننافس المسارح العربية والعالمية كبديل عن تلك الوسائل المزيفة المنتشرة التي لم تعلم أطفالنا سوى قلة الحيلة والكذب، فمسرح الطفل لا يعتمد إلا على شروط بسيطة كاستخدام لغة سهلة تصل لذهن الطفل وفكرة بسيطة وواضحة، إلى جانب التشويق والإبهار المدعوم مادياً، مع الاستعانة بالحركات والرقصات، لإضفاء طابع البهجة والمرح، متضمناً المغزى التربوي التعليمي الهادف، فالطفولة عبارة عن تكوين لين نستطيع أن نشكله بطريقتنا ونعلمها قيمة الأشياء وعلينا أن نهتم بكل ما يهتم به الأطفال من فنون ومواهب أخرى لنساعدهم على التميز الفكري والروحي معا. ولكننا لم نكمل مسيرتنا كاملة.
ريم حسن