الإجهاض.. جريمة هاربة من القانون والمجتمع.. وأسباب تختبئ وراء ستار الحرب!
عشرات الصور تطالعنا بها يومياً صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لأطفال رضّع تم العثور عليهم أمام المنازل المهجورة، أو بجانب جامع، أو حديقة، وعلى الرغم من أن سنوات الحرب باتت في نهايتها، وبدأ الوضع المعيشي والاجتماعي بالتعافي شيئاً فشيئاً، إلا أن ما خلّفته الأزمة من كوارث اجتماعية أخلاقية تفاقم وتضخم لدرجة أصبح من الصعب ضبطه، لتخلّف هذه الحرب مئات الأطفال مجهولي النسب، إن كتب لهم الحياة، وفي الكثير من الأحيان يكون الإجهاض والتخلص من هذه الأجنّة هو الحل الأكثر سهولة للأم التي وقعت ضحية في هذه الحرب!.
سوق الإجهاض
ولأنها جريمة يعاقب عليها القانون، ويحرمها الشرع، تلجأ الكثيرات لإجهاض الجنين في عيادات خاصة تجري هذه العمليات على يد أطباء وممرضات وسط تعتيم تام عليها، وخلال السنوات الماضية انتعش سوق هؤلاء الأطباء الذين اتخذوا من الأزمة وما خلّفته من مآس اجتماعية وسيلة للربح السريع الكثير، فحوادث الخطف والتشرد والتهجير فتحت أبواباً للعلاقات غير الشرعية التي أوت بالكثيرات لهذه العيادات للتخلص من أجنّتهم، عدا عن الحالات الشرعية التي رفضها الأهل نظراً لارتفاع تكاليف المعيشة، وسوء الحال، وعدم القدرة على تحمّل أعباء وتكاليف الأطفال، لكن الملفت للنظر أن هذه الحالات مازالت مستمرة، وبحسب ما تطالعنا به صفحات الفيسبوك فإن حالات الإجهاض السري، أو حتى رمي الأطفال الرضّع في الحدائق ليندرجوا تحت خانة “أطفال لقطاء”، ازداد في ظل سبات من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وتجاهل ازدياد هذه الحالات!.
محاضرات ونشرات
انطلاقاً من كون وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل خارج التغطية في رصد هذه الحالات، وإيجاد حلول إسعافية لهذه الظاهرة المتفاقمة كباقي الأمراض التي استشرت دون أن تجد من يردعها، اتجهنا للبحث عن الجمعيات التي حاولت رصد هذه الظاهرة وإيقافها من خلال تقديم جلسات توعية عدة مرات خلال الشهر، حيث تقوم جمعية تنظيم الأسرة بإعطاء محاضرات عن أهمية استخدام وسائل الوقاية من الحمل غير المرغوب به، ولكن لا تستطيع الجمعية تقديم خدمات إجهاض بالنسبة للنساء، لأن ذلك ممنوع شرعاً وقانوناً، وتتمحور الرعاية في الجمعية حول محورين: أحدهما توعوي يتضمن توضيح مخاطر الإجهاض وآثاره النفسية والجسدية، والمحور الثاني في حال حدوث حمل وإجهاض بتقديم الخدمات اللازمة، وأكدت الجمعية تزايد حالات الإجهاض خلال سنوات الأزمة، واستمرارها إلى اليوم بسبب انقطاع وسائل التنظيم الأسري ، أو نتيجة حالات الاغتصاب التي تضاعفت خلال الأزمة، ولم تنف الجمعية تضاعف نسبة الاغتصاب، وحالات الإجهاض الناتجة عن حمل غير شرعي، فحالات الاغتصاب والتحرش والعنف الجنسي ازدادت بشكل خطير نتيجة تواجد النسوة في أماكن مزدحمة، وحدوث اختلاط كبير، وبالتالي استطاعت الجمعية الحصول على معلومات سرية من خلالهن تؤكد ازدياد نسبة حالات الإجهاض أضعاف ما كانت عليه قبل الأزمة، لذا توجهت الجمعية لإقامة فرق طبية كثيرة متنقلة لتقديم خدمات طبية في الصحة الإنجابية سابقاً في مراكز الإيواء، واليوم من خلال تقديم نشرات طبية دورية توضح مخاطر الإجهاض، إضافة إلى المحاضرات متعددة الأهداف خلال الشهر، وبحسب جمعية تنظيم الأسرة السورية، والأطباء باختصاص أمراض نسائية، فإن نسبة الإجهاض في سورية ازدادت إلى حوالي أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل الأزمة، وقدمت وزارة الصحة دراسة حول الاحتياجات غير الملبّاة في مجال تنظيم الأسرة عام 2007، وقد أظهرت الدراسة أن 3,8% من السيدات في سن الإنجاب قمن بعمليات إجهاض خلال حياتهن الإنجابية، ناهيك عن أن عمليات الإجهاض الجنائي تجري في القطاع الخاص بشكل عام بسبب الرقابة على القطاع العام، أما الإجهاض الذي يجري في المشافي العامة فيحدث باستطباب يقرره الأطباء، أو يتم إجراء مداخلات طبية لعواقب الإجهاض الذي يمكن أن يحدث خارج المشافي الحكومية، وعادة لا تتم الشكوى على العيادات أو المشافي التي تقوم بمثل هذه الإجراءات خوفاً من العقوبة القانونية التي تقع على السيدة التي أجري لها الإجهاض، وليس فقط على المشفى أو العيادة!.
أنواع الإجهاض
ولأنه محرم شرعاً، ومرفوض قانوناً، فإن الحديث عن هذه العمليات غير متداول، لكن هذا لا يمنع فكرة وجوده في مجتمعنا، خاصة خلال السنوات الأخيرة، حسب ما أكده نقيب أطباء سورية الدكتور عبد القادر الحسن، فعلى الرغم من تحريم الإجهاض، إلا أنه أضحى كالكثير من المحرمات التي استفحلت بشكل سري دون ضبط حقيقي لها، فالشرع يحرم الإجهاض، والقانون يجرم، والطب يجيز في حالات معينة، وفي النقابة لا نستطيع أن نسهل أو نسمح بالإجهاض في حالة الحمل الناتج عن العلاقات غير الشرعية، لأنها قتل النفس بالدرجة الأولى، وثانياً جريمة يعاقب عليها القانون، كما ميّّز الحسن بين الإجهاض الطبي، والإجهاض الجنائي، معرّفاً الطبي بأنه يستند إلى وجود خطر على صحة الأم، واستحالة استمرار الحمل، وهذا الإجهاض مسموح شرعاً وقانوناً، أما الإجهاض الجنائي فبيّن الحسن أنه خلاف الطبي، ويكون الحمل سليماً وطبيعياً ولا خطر فيه على الأم والجنين، موضحاً أن هذا النوع ممنوع قانوناً وشرعاً.
رادع قانوني
وكما أن الإجهاض في سورية محرم شرعاً، وغير مقبول اجتماعياً، فهو أيضاً جريمة يعاقب عليها القانون السوري، وتختلف العقوبات التي قررها القانون على من يرتكب الإجهاض تبعاً لاختلاف صورة ارتكاب الجريمة، أو صفة المتهم:
“الأم أو الطبيب”، لذلك، وبحسب القاضي الشرعي الأول بدمشق محمود المعراوي، فإن القانون السوري يعاقب على جريمة الإجهاض باعتبارها “جناية”، وقد يعاقب عليها باعتبارها “جنحة”، فقانون العقوبات السوري يقف موقفاً حاسماً من موضوع الإجهاض، حتى إنه لا يفرّق بين الشروع بالإجهاض، وإنجازه، ولا يفرّق بين الإجهاض في بدء الحمل أو نهايته، بل أكثر من ذلك، فقد عاقب على اقتناء، أو ترويج، أو تسهيل استعمال وسائل إجهاض أو بيع، أو حتى عرض مواد معدة لإحداث الإجهاض للبيع، وتنص المادة 227 على أن كل امرأة أجهضت نفسها بما استعملته من الوسائل، أو استعمله غيرها برضاها، تعاقب بالسجن من 6 أشهر إلى3 سنوات، كما تنص المادة 228 على أن من أقدم بأية وسيلة كانت على إجهاض امرأة أو محاولة إجهاضها برضاها عوقب بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات، وتشدد عقوبته إذا أفضى إلى الموت حتى تصل العقوبة إلى الأشغال الشاقة من أربع إلى سبع سنوات، وفقاً لأحكام المادة 528 من قانون العقوبات السوري، الفقرة الثانية، وجاء في الفقرة الثالثة منها: تكون العقوبة من خمس إلى عشر سنوات إذا تسبب بالموت عن وسائل أشد خطراً من الوسائل التي رضيت بها المرأة، مع العلم أن القانون قد منح المرأة التي تجهض نفسها للحفاظ على شرفها عذراً مخففاً، وفقاً لأحكام المادة 531 من القانون ذاته لتصبح العقوبة الحبس من ستة أشهر إلى سنتين، وإدراكاً من المشرّع لخطورة الإجهاض غير العلاجي وآثاره الضارة، فقد قرر عقوبة الحبس من شهرين إلى سنتين لكل من دعا علناً إلى نشر أو ترويج أو تسهيل استعمال وسائل الإجهاض، وكل من باع أو عرض للبيع أو اقتنى بقصد البيع مواد معدة لإحداث الإجهاض، أو سهل استعمالها بأية طريقة كانت، وكذلك شدد القانون العقوبات المقررة لجرائم الإجهاض في حال ارتكابها من قبل طبيب، أو قابلة، أو صيدلي، أو أحد مساعديهم، سواء كانوا فاعلين، أو متدخلين، أو محرضين، ويمكن الحكم على هؤلاء أيضاً بالمنع من مزاولة المهنة.
ضعف الوعي
تفاقمت في الآونة الأخيرة حالات الإجهاض بسبب الحمل الواقع بطريقة غير شرعية الناتج عن تداخل العلاقات الاجتماعية،
ومن أهم أسبابه العوز والفقر والحاجة، برأي الدكتورة رشا شعبان “علم اجتماع”، فالكثير من حالات الإجهاض حالياً ناتجة عن عمليات اغتصاب وقعت على المرأة الضحية، وكانت نتيجتها قيام هذه الضحية بإجهاض نفسها اتقاء للعار، ونحن كمجتمع سوري محافظ ومازال متمسكاً بالعادات والتقاليد السائدة بين الناس، علينا نشر الوعي والثقافة القانونية بين الناس كي لا تدفع المرأة الثمن دائماً عن جرائم لا دخل بها سوى أنها أنثى، حيث تكون الهدف بجرائم الاغتصاب، وتكون الضحية من قبل الأهل في حال اكتشاف الحمل، وأشارت شعبان إلى مسألة ضعف الوعي الثقافي للمرأة، وأنها تستغل مفهوم حقوق المرأة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات، لذا تخرج لوحدها بفتوى تبيح الإجهاض لنفسها، وخاصة إذا كان حملها غير شرعي، فالمجتمع يعامل المغتصبة على أنها مجرمة أخطأت بحق نفسها، حتى إن أهلها يشعرون بأنها عار عليهم، وقد يمنعونها من استكمال حياتها الطبيعية، ومع وجود حمل من هذه الجريمة تنتهي حياة تلك الفتاة للأبد، فتعاني من العزلة عن المجتمع وكأنها جرثومة، لهذا لابد من وجود فتوى أو نص قانوني جديد يبيح إجهاض المرأة الناتج عن الاغتصاب.
ميس بركات