في ظل تراجع الثروة الحيوانية وغياب الأسواق الخارجية تخفيض سعر مبيع النخالة غير كاف لإنهاء أزمة تكدسها في مطاحن اللاذقية!
رغم قرار الحكومة الأخير بتخفيض سعر مبيع النخالة إلى 43 ليرة كحل إسعافي يضع حداً لمشكلة تكدس المادة في المطاحن العامة، ويرضي المربين الذين لطالما تذمروا من ارتفاع سعر النخالة بالمقارنة مع الخبز اليابس، إلا أن مشهد تكدس آلاف الأطنان من النخالة في مطاحن اللاذقية باق على حاله، ويشي بأن كل ما يقال عن عملية تسويق جيدة تجري داخل المطاحن التي باتت قادرة على البيع المباشر للمربي، غير كفيل بحل المشكلة، خاصة أن مؤسسة الأعلاف لا تستطيع أن تستجر فوق طاقتها، وطاقة المحافظات التي أعلنت اكتفاءها، فما تنتجه مطاحنها يكفيها ويزيد من النخالة التي كما يبدو باتت عبئاً على الجميع، فواقع الحال يعيد تصويب بوصلة حل المشكلة إلى ضرورة إيجاد أسواق خارجية لتصريف فائض النخالة لكي لا تتعرّض للكساد والتلف نتيجة الأحوال الجوية من حرارة ورطوبة، خاصة في ظل تناقص أعداد الثروة الحيوانية في السنوات الأخيرة نتيجة هجرة المربين من أماكن سكنهم، ناهيك عن تهريب قسم منها إلى دول الجوار!.
العزوف عن الخبز اليابس
المهندس عبدو شعباني، مدير فرع مؤسسة المطاحن باللاذقية، قال: بموجب قرار اللجنة المشتركة المنبثقة عن المؤسسة العامة للمطاحن، والمؤسسة العامة للأعلاف، تخفيض سعر مبيع النخالة من 63 ليرة إلى 43 ليرة، فباتت المادة في متناول أي مرب يريد أن يشتري النخالة مباشرة من المطاحن بعد أن كانت عملية البيع في السابق محصورة بمؤسسة الأعلاف.
شعباني الذي أكد أن تخفيض سعر النخالة من شأنه أن يساهم بتصريفها بشكل أكبر، أشار في الوقت ذاته إلى أن الإنتاج اليومي لفرع المطاحن باللاذقية من النخالة يبلغ 150 طناً، وهي كميات فائضة عن حاجة المحافظة، ما يؤدي إلى استمرار مشكلة تكدس النخالة بكميات كبيرة، عازياً السبب في ذلك إلى أن الإنتاج أكبر بكثير مقارنة بالاستهلاك الخجول في المحافظة، وذلك نظراً لأن اللاذقية تعد محافظة سياحية، ولا توجد فيها أعداد كبيرة من الثروة الحيوانية.
وأضاف شعباني: بالمقارنة مع المواد العلفية الأخرى كالشعير والكزبة، فإن النخالة تباع بسعر زهيد جداً، ولذلك أنا أستغرب التذمر الدائم الذي يبديه المربون إزاء سعر النخالة، وتابع: عندما كان سعر الكيلوغرام الواحد من النخالة 80 ليرة كانوا يقولون لنا إن سعرها مرتفع ولا طاقة لهم عليه، وعندما تم تخفيض السعر إلى 63 ليرة قالوا لنا أيضاً إن السعر مرتفع، واليوم بعد أن أصبح الكيلوغرام بـ 43 ليرة يشتكون أيضاً من ارتفاع السعر، متسائلاً: هل يريدون أن يحصلوا على النخالة “ببلاش”؟.. و”بحسبة” بسيطة، بيّن شعباني أن سعر كيلوغرام الخبز اليابس بـ 70 ليرة، فيما كيلوغرام النخالة بـ 43 ليرة، وعليه يكون سعر كيلوغرام النخالة يساوي نصف كيلوغرام خبز يابس، ما يعني أنه يوفّر الكثير على المربي، وأضاف: ناهيك عن التأثير الإيجابي لذلك من خلال عزوف التجار عن اللجوء إلى استخدام الخبز كمادة علفية، ما يؤدي إلى وفرة في مادتي الدقيق والخبز.
كما أشار شعباني إلى أن المعنيين لايزالون يبحثون عن حلول لمشكلة تكدس النخالة التي لاتزال قائمة في المطاحن، والتي نشأت بعد الحرب الإرهابية التي تتعرّض لها البلاد بسبب تراجع الثروة الحيوانية في سورية، والتوقف عن التصدير، والاعتماد على السوق المحلية، وخاصة في المحافظات الداخلية.
وحل مشكلة تكدس النخالة برأي شعباني هو إيجاد آلية لتصدير المادة إلى الأسواق الخارجية، لما لذلك من تأثيرات إيجابية على السوق المحلية من توفير قطع أجنبي، خاصة أن السوق المحلية لا تستطيع استيعاب الإنتاج الكبير من مادة النخالة.
كما لفت شعباني إلى أنه لا توجد مخازن ومستودعات مؤهلة للتخزين ضمن شروط التعقيم المطلوبة، ومؤسسة الأعلاف لا تستجر سوى 70-80 طناً باليوم، ما يزيد الفائض بمخازننا بشكل يومي، حتى وصلت حالياً إلى 6000 طن نخالة فائض.
الحل في الأسواق الخارجية
بدوره أوضح المهندس معن ديب، مدير فرع مؤسسة الأعلاف باللاذقية، أن قرار تخفيض سعر مبيع النخالة ساهم بحل مشكلة تكدس المادة التي تشهد حالياً عملية تسويق جيدة مقارنة مع السابق، مستدركاً: إلا أن هذا القرار لا يكفي لحل هذه الأزمة بشكل قاطع، وذلك بسبب أن إنتاج المطاحن يفوق بكثير حاجة المحافظة من النخالة.
وأضاف ديب: من أهم مزايا قرار تخفيض سعر النخالة أنه يمنع مربي الثروة الحيوانية من اللجوء إلى “تيبيس” الخبز ليكون بديلاً عن النخالة.
وأوضح ديب بأن عملية استجرار النخالة كانت متوقفة من 8/12/2017 حتى 18/3/2018 بسبب الخلاف على سعر المادة، مبيّناً أنه يتم حالياً استجرار النخالة إلى الحسكة، ودير الزور، وجوانب الرقة التي حررها الجيش العربي السوري، وذلك ضمن خطة جزئية لاستجرار 3000 طن.
وتابع: نقوم باستجرار حوالي 80% من الكمية يومياً من الإنتاج، ناهيك عن المادة المكدسة سابقاً بالمستودعات، مؤكداً أنه تم استجرار 12 ألف طن من المطاحن، حيث قمنا بتخزين 10 آلاف طن بمستودعات المحافظة، فيما سوّقنا 2000 طن من النخالة إلى محافظة حماة، مستدركاً: حتى حماة باتت المطاحن فيها تنتج مادة النخالة بما يسد حاجة المحافظة، وليست بحاجة إلى الاستجرار، حالها كحال معظم المحافظات السورية.
وفي إطار الحلول الإضافية للتخلص من مشكلة تكدس النخالة، أشار ديب إلى أنه سيتم تقديم مادة النخالة كتعويض للمزارعين المتضررين جراء موجة الصقيع، والذين لم يتم تعويضهم من صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية.
وأضاف: حتى لا تتحول مشكلة تكدس النخالة إلى أزمة حمضيات أخرى، فإنه من الضروري إيجاد أسواق تصريف خارجية ريثما تتعافى الثروة الحيوانية الموجودة في سورية، والتي تعرّضت لتراجع كبير بسبب الحرب الإرهابية، موضحاً أن تعافي الثروة الحيوانية يحتاج إلى وقت.
“وعلى سيرة” تعافي الثروة الحيوانية، أشاد ديب بأهمية قيام وزارة الزراعة باستيراد الأبقار الألمانية، الخطوة التي من شأنها أن تحدث تقدماً في عالم الثروة الحيوانية من خلال تجديد القطيع الموجود في المباقر ليعطي زخماً للثروة الحيوانية.
باسل يوسف