أبعد من الأنف!!
إصدار أي قرار جديد في أي مجال كان من المفروض أن يحدث تأثيرات إيجابية أو قيمة مضافة تبرر الحاجة إلى صدوره، وغير ذلك لن يساوي قيمة الحبر الذي كتب فيه.
قد نقبل إن وقفت الأمور عند هذا الحد، لكن أن تصل إلى درجة الظلم والإجحاف نتيجة مفاعيل أو تداعيات القرار، فهذا مرفوض تماماً خاصة إذا كان يظلم شريحة كبيرة يعوّل عليها الكثير!
لن نذهب بعيداً، فالمثال حيّ وواضح وما زالت سيرته على ألسنة طلبة الدراسات العليا (الدكتوراه)، ونقصد به قرار مجلس التعليم العالي بخصوص شروط التسجيل على درجة الدكتوراه، والذي تضمن حسب وجهة نظر الطلبة وأساتذتهم شروطاً قاسية تلزم الطالب بـ “أن يكون متفرغاً في السنة الأولى، وأن يبرز وثيقة غير عامل، وقرار منحة إجازة بلا راتب أو قرار إيفاد!!”.
كان واضحاً تساؤل الطلبة بغرابة وعجب بعد أن “طش” القرار على مواقع التواصل الاجتماعي: لماذا كل هذه العراقيل ونحن على أبواب مرحلة إعادة الإعمار التي يجب أن يكون للبحث العلمي التطبيقي حصة كبيرة فيها؟!
طالب الدكتوراه الباحث من المفروض أن يتلقى دعماً مادياً كبيراً ومعنوياً أيضاً يكونان دافعاً له للاستمرار ببحثه العلمي بكل ثقة وأريحية، حينها يستطيع أن يتفرغ لدراسته كما تريد وزارة التعليم العالي من وراء القرار!
نأسف كثيراً عندما تصدر مثل تلك القرارات دون دراسة متأنية أقلها إشراك الطلبة باتخاذ القرار لا جعله أمراً واقعاً، وكأن المطلوب تسطير القرار وبعدها “فخار يكسّر بعضه”، لا ليس هكذا يبنى ويتطور البحث العلمي الذي نتغنى فيه بكل مناسبة، والدليل أن لدينا على رفوف المكتبات الجامعية أكثر من 15 ألف رسالة ماجستير ودكتوراه تنتظر من ينفض الغبار عنها وتطبيقها لا رميها في سلال المهملات لتموت مع تقادم السنوات رغم ما فيها من معطيات هامة نحن بأمس الحاجة لها!!
بالمختصر، الاستمرار بإصدار هكذا قرارات ارتجالية يعني الاستمرار بتضييق الخناق على الكوادر والكفاءات في الجامعات ودفعها للهجرة أو التخلي عن طموحاتها باستمرار دراستها العليا، فأي تخطيط هذا يجعلنا لا نرى أبعد من الأنف؟!
غسان فطوم
ghassanfatom@gmail.com