ثقافةصحيفة البعث

أحمد المفتي: العرب عرفوا التنقيط قبل الدؤلي والحجاج

 

تابع الباحث أحمد المفتي تقديم محاضراته ضمن سلسلة “أغاليط في التاريخ” في مركز ثقافي أبو رمانة من خلال محاضرته “العرب عرفوا النقط قبل أبو الأسود الدؤلي والحجاج” التي قدمها مؤخراً مخالفاً فيها ما درسناه في الكتب على مدار سنوات طويلة، ولا يدّعي أنه أول من بحث في هذا الموضوع فقد بحث فيه علماء كبار وصدرت أبحاث كثيرة في هذا المجال، مشيراً إلى ما جاء على لسان د.ناصر الدين الأسد في كتابه القيّم “مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية” حين قدم الكثير من الأدلة على أن هذه اللغة كانت منقوطة ومضبوطة منذ الجاهلية، وأن العرب كان لديهم إلمام بأصول النحو والصرف والبلاغة والعروض، لكنهم أهملوا ذلك لأمر ما.

حرفنا العربي متطور

درسنا أن الحروف العربية كانت غير منقوطة حتى زمن عبد الملك بن مروان حينما جاء الحجاج بن يوسف الثقفي وأمر نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر بنقط القرآن الكريم، أما المفتي فقد فرّق بين نقط القرآن وبين الحروف العربية، كما فرّق بين النقط والاعجام، مشيراً إلى أن النقط هو الشكل “الفتحة، الكسرة..” أما الاعجام فهو وضع النقاط على الحروف التي ليس لها نقط “ب، ت، ث” مؤكداً أنه لا يمكن فهم قضية النقط قبل أن نفهم صورة الحرف العربي، وأنه بالعودة للحضارات القديمة نرى وجود نظريات تتحدث عن الحرف ونشأته وتطوره، فمنها ما يقول أن الحرف العربي تطور عن الخط المسند الحميري، ومقولة أخرى تفرّق بين الحرف والكتابة واللغة، موضحاً أن الدراسات الأثرية والوثائقية بيّنت أن حرفنا العربي  متطور عن الأساس الحرف الآرامي، ودمشق كانت زعيمة الممالك الآرامية وكان فيها الحرف متطوراً وهو الذي تطور فيما بعد حيث قام الأنباط بتطويره شكلاً، وبالتالي فإن الشكل الذي نكتب به الحرف اليوم استخدمه الأنباط ولكن دون نقط، وهذا ما كشفته النقوش التي وصلت إلينا لأن الأنباط كانوا يقرأونها على البديهة  وبذلك طور العرب حروفهم عنه، منوهاً إلى أنه قبل الإسلام عرف السريان النقط، وحروفهم كانت منقوطة.

دون تنقيط وضبط

وأوضح المفتي أن القرآن الكريم كُتب دون نقط وضبط واعتمد النقل كنوع من الرفق في القراءة، وفي عهد عبد الملك بن مروان تسرّب بعض الغلط في القراءة، لذلك كان من الضروري إعادة النقط للقرآن، حينها جمع الحجاج بن يوسف الثقفي العلماء والفقهاء والنحويين وأعيد التنقيط.. قال الجزري: “جُرد القرآن من النقط والشكل” وقال ابن مسعود: “جردوا القرآن ليربوا فيه صغيركم ولا ينأى عنه كبيركم” وهذا يعني برأي المفتي أن التنقيط كان موجوداً قبل نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر لأن النقط كان موجوداً قبلهما، ودليله أنه في المتحف الإسلامي بالقاهرة ورقة بردي تعود إلى 22 هـ وهي عبارة عن وصل استلام أغنام من عامل في صعيد مصر أرسلها لعمرو بن العاص في الفسطاط مكتوبة باللغة العربية وبحروف منقطة، وهو تاريخ سابق للحجاج وزمن عبد الملك بن مروان، وهناك أيضاً نقش حجري مكتوب في 50 هـ في زمن معاوية بن أبي سفيان بحروف منقطة وهو موجود في الطائف، وهذا يعني أن النقط كان موجوداً ولكن العرب كانوا قد كتبوا بغير نقط لأنهم اعتمدوا الحفظ بالتلقين، وخاصة على صعيد قراءة وحفظ القرآن الذي كُتب دون نقط وضبط في زمن الحجاج، وبالتالي هناك برأي المفتي قضيتان، الأولى لغوية عرفت النقط ومصحفية لم تعتمده إلا من خلال أبي الأسود الدؤلي الذي ابتدع طريقة لضبط كلمات القرآن الكريم ـ حيث قام بوضع نقطة حمراء فوق الحرف لتدل على الفتحة، ونقطة تحت الحرف لتدل على الكسرة، كما وضع نقطةً على يسار الحرف للدلالة على الضمة، ونقطتين فوق الحرف أو تحته أو على يساره للدلالة على التنوين، وكان يترك الحرف الساكن خالياً من النقاط، وهذا الضبط لم يكن يُستعمل إلا في المصحف، ويقال إن الدؤلي استعان في عمله بعلامات كان يستعملها السريان للدلالة على الرفع والجر والنصب، وللتمييز بها بين الاسم والفعل والحرف، في حين قام الخليل بن أحمد الفراهيدي بحلول القرن الثاني من الهجرة بوضع طريقة أخرى لتنقيط الحروف، حيث كانت طريقته بجعل ألف صغيرة فوق الحرف للدلالة على الفتحة، ووضع ألف صغيرة تحت الحرف للدلالة على الكسرة، وتوضع الواو الصغيرة فوق الحرف لتدل على الضمة، أمّا في حالة التنوين فيتمّ تكرار الحرف الصغير، كما جعل السكون الخفيف الذي لا إدغام فيه رأس خاء أو دائرة صغيرة، وجعل الهمزة رأس عين (ء) كما قام بإصلاحات أخرى، منها وضعه رمز الشدّة، حيث نقل رمز الشدّة من نصف الدائرة إلى رأس الشين، وقدّم العديد من الإضافات إلى الكتابة العربية.

أمينة عباس