التقاضي الإلكتروني مشروع رائد في خدمة الإصلاح وميزان العدل قضاة وموظفون يصفونه بالفاشل لغاية في “نفس يعقوب” وإصرار على التطبيق حتى بالعقوبات والعزل
مشت وزارة العدل خطوة متقدمة في أتمتة العمل القضائي باعتباره من المشاريع الرائدة التي تهدف إلى أتمتة كافة إجراءات التقاضي بدءاً من محاكم الدرجة الأولى وانتهاءً بمحكمة النقض، حيث يعتبر هذا المشروع استراتيجياً من أجل السير بخطوات جدية في مسيرة الإصلاح القضائي، ومع أن تقدّماً شهده مجال أرشفة وأتمتة المحاكم إلكترونياً إلا أن تطبيق التقاضي الإلكتروني لم يعجب بعض القضاة والموظفين “لغاية في نفس يعقوب” وذلك حسب ما أكده محامون في القصر العدلي، معتبرين أن تطبيق التقاضي الإلكتروني يقطع الطريق ويمنع من تنفيذ الأحكام الظالمة، ولاسيما أن طريقة التقاضي الإلكتروني تمتلك ميزات عدة وأهمها الشاشة الإلكترونية أثناء الجلسة التي يمكن رؤيتها من قبل الجميع ولا يمكن لأحد تغيير أو شطب أي معلومة.
ومع تأكيدات تفعيل التقاضي الإلكتروني في بعض المحافظات، إلا أننا خلال استبيان “البعث” في وزارة العدل والقصر العدلي عن التقاضي الإلكتروني فوجئنا برد محامين لم يك لديهم أي علم بالموضوع، في الوقت الذي أشاد آخرون بالمشروع كونه يسهل عملية التقاضي ويسرع في فصل الدعاوى، ولم تخلُ لقاءاتنا من عدم رغبة بعض المحامين بتطبيق التقاضي الإلكتروني لأسباب كثيرة تتقاطع مع أسباب القضاة والموظفين الذين لم يرق لهم المشروع ووصفه البعض منهم بالمشروع الفاشل وذلك حسب ما كشفه لنا معاون وزير العدل تيسير الصمادي الذي أبدى تعاوناً كبيراً في تسهيل حصولنا على المعلومات، حيث أكد أن الوزارة ماضية في تعميم المشروع وتطبيقه “شاء من شاء وأبى من أبى”، ولاسيما أن الوزارة استطاعت تطبيق مشروع الأرشفة الإلكترونية وذلك بأرشفة 8 ملايين وكالة في ريف دمشق، مشيراً إلى أن البرنامج يعمل بشكل جيد، ويتم العمل الآن لربط العدليات في جميع المحافظات بعضها ببعض لتسهيل العمل وتبادل المعلومات.
ونوه الصمادي برغبة الوزارة في أن تكون سباقة للخوض في غمار مشروع الحكومة الإلكترونية، لافتاً إلى ميزات برنامج أتمتة العمل القضائي من ناحية السرية، حيث إن البرنامج مزود بنظام صلاحيات تفصيلي لكل وظيفة من وظائف المحكمة ولكل إجراء من إجراءات التقاضي، بحيث لا يمكن لأي مستخدم للبرنامج سواء من القضاة أو العاملين الاطلاع على أي وثيقة أو القيام بأي إجراء إلا ضمن الصلاحية الممنوحة له. إضافة إلى الوثوقية كون البرنامج يضمن عدم إجراء أي تعديل على بيانات المحكمة بعد تثبيتها كما هي الحال في ضبوط الجلسات ومحاضر الكشوف، علماً أنه في بعض الحالات تمنح صلاحية التصحيح لبعض مستخدمي البرنامج على حقول معينة، إلا أن البرنامج مزود بنظام مراقبة يقوم بتسجيل اسم الحساب الذي تم التعديل منه والحاسوب الذي استخدم في عملية التعديل، مع وقت وتاريخ التعديل، كما يقوم البرنامج بالاحتفاظ بكافة البيانات التي تم تعديلها، حتى لو تم التعديل ألف مرة على حقل معين من البيانات، فإن الألف سجل السابقة لآخر تعديل تكون محفوظة في قاعدة البيانات ويمكن الرجوع إليها في حال وجود شكوى بهذا الخصوص، مع الإشارة إلى أنه لا يتوفر عبر البرنامج أي وصول إلى البيانات المعدلة، وبالتالي لا يمكن لأحد كائناً من كان أن يستطيع حذف البيانات السابقة.
ولم يقتصر حديثنا مع معاون الوزير في مكتبه بل قمنا بجولة على أقسام الأرشفة وتسجيل الدعاوي والوكالات، حيث تابعنا عن كثب عمليات التسجيل الإلكتروني. وكما أوضح القائمون على موضوع التسجيل أنه لا يمكن في أي حال من الأحوال أن تسجل حالات ضياع للدعاوى أو إخفاء لها ولا يمكن تزوير أي وثيقة صادرة عن المحكمة لأن البرنامج مزود بنظام صلاحيات لا يسمح لأحد بإصدار أي وثيقة إلا ضمن الصلاحية الممنوحة له وعلى مسؤوليته.
وما يلفت الانتباه ويؤكد انزعاج القضاة والموظفين المرتبكين من أتمتة العمل القضائي عندما علمنا من معاون الوزير أن توزيع الدعاوى المسجلة في المحكمة على غرف المحكمة يتم بشكل عشوائي دون أي تدخل بشري، وبحيث تُضمن العدالة في التوزيع من حيث أنواع الدعاوى وعددها، وعدد المواقيف في حال المحاكم الجزائية، على أن تتحقق العدالة خلال مدة ثلاثة أشهر لضمان عدم إمكانية الشخص الذي يقوم بتسجيل الدعاوى الجديدة بالتكهن أين سيتم فرز الدعوى المسجلة؟
وعن شاشة العرض بين معاون الوزير أنه تم تزويد كافة أقواس المحاكم ومكاتب القضاة التي يتم فتح جلسات فيها بشاشة عرض كبيرة بحيث يتمكن أطراف الدعوى أو محاموهم الوكلاء من الاطلاع بشكل مباشر على ما يتم كتابته في ضبط الجلسة، وبعد أن يتم قفل الجلسة يمنع البرنامج إجراء أي تعديل على نص الضبط، مضيفاً أن التدوير الآلي للدعاوى يسرع من الدعوى حيث كانت تستغرق هذه العملية ما يزيد على عشرين يوماً في الشهر الأول من كل عام، الأمر الذي يؤدي إلى توقف المحاكم عن العمل في هذه الفترة، أما عبر البرنامج فيتم إنجاز هذه العملية خلال ثوانٍ معدودة وبدون أي خطأ في عملية التدوير، وتباشر المحكمة أعمالها في نفس اليوم دون أي توقف في عملها. إضافة إلى الاستعلام عن أي دعوى وعن المرحلة التي وصلت إليها يتم عبر أي معلومة متوفرة لدى السائل، كرقم الأساس أو أسماء الأطراف أو أسماء المحامين الوكلاء أو حالة الدعوى أو رقم القرار.
وخلال وجودنا بقاعات الوزارة كان هناك شكوى من المواطنين والمحامين عن التأخير بالمعاملات، ولاسيما خلال العطلة القضائية والتي طالب البعض عبر منبر “البعث ” بإعادة دراسة للعطلة القضائية بطريقة لا تعوق مصالح المواطنين وعمليات التقاضي وخاصة عندما تكون العطلة القضائية بعد عطل رسمية مما يحدث إرباكاً بالعمل، ليأتي الرد من معاون الوزير بأن المقترح سيطرح للدراسة.
ولم يتردد أحد المحامين المعترضين على العطلة عندما سألناه عن التقاضي الإلكتروني ومن له مصلحة بعدم تطبيقه، حيث اعتبر أن القضاة لا مصلحة لهم بعرقلة المشروع ولاسيما أن لهم طرقاً وسبلاً كثيرة يمكن من خلالها الاستفادة الشخصية لتمرير مخالفة قانونية. في الوقت الذي يفصح معاون الوزير عن عقوبات طالت قضاة، وعزل لاثنين خلال العام الحالي بناء على تقرير التفتيش القضائي، علماً أن مشروع الأتمتة يتيح إمكانية الوصول لبيانات دعوى ما بكافة درجات التقاضي فيها من قبل إدارة التفتيش القضائي، وبالتالي السرعة في الرد على الشكاوى المقدمة إلى إدارة التفتيش القضائي واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان سلامة العملية القضائية.
وختم معاون الوزير حديثه بتأكيده على تطبيق المشروع في جميع محاكم العدلية لكافة المحافظات مع إصرار الوزارة على إتمام المشروع، ولاسيما أنه يحقق العدالة ويقلل من احتكاك الموظف بالمواطن، إضافة إلى أن تسجيل الدعاوى والوكالات الإلكترونية يعود بإيرادات على خزينة الدولة بحدود مئات الملايين سنوياً لقاء رسوم مالية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه البرمجيات جميعها تم تصميمها بأيادٍ سورية (فريق وزارة العدل وفريق البحوث العلمية و المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا) وهذه البرمجيات بملفاتها المصدرية هي ملك لوزارة العدل، إضافة إلى أن قاعدة البيانات الخاصة بهذه المحاكم تخضع للإشراف الكامل والمباشر من قبل فريق عمل وزارة العدل، الأمر الذي يضمن سريتها وأمانها.
علي حسون