دراساتصحيفة البعث

القرن الهندي- الروسي

 

ترجمة: هيفاء علي

عن موقع  لو غراند سوار 15/9/2018

كان شراء الهند الوشيك لنظام الصواريخ S-400 الروسي هو الفكرة الرئيسية للحوار “2 + 2” بين وزيري الخارجية والدفاع في الهند والولايات المتحدة، والذي انعقد في نيودلهي في 6 أيلول الجاري. ومع ذلك، فهي ليست مجرد صفقة للدفاع عن البلاد، فعواقبها الجيو- سياسية أوسع من ذلك بكثير. إن جوهر الأمر هو أن قانون مكافحة الإرهاب، الذي أصدره الرئيس دونالد ترامب في آب 2017، يهدّد علاقة الهند الدفاعية القائمة منذ فترة طويلة مع روسيا إزاء العديد من المعدات العسكرية. تشترط المادة 231 من هذا القانون  على رئيس الولايات المتحدة فرض عقوبات على أي كيان “ينخرط في صفقة مادية” مع قطاعات الاستخبارات أو الدفاع الروسية، كما تنصّ المادة 235 منه على حظر المعاملات بالدولار الأمريكي، وهي العملة المستخدمة في معاملات الأسلحة بين الهند وروسيا.

ومؤخراً، قلّص الكونغرس الأمريكي من سلطة الرئيس بموجب شروط تقييدية جداً، أي أنه إذا كان بإمكانه التصديق على أن الاستثناء هو في الأساس يصبّ  في مصلحة الأمن القومي الأمريكي، فمن حق  البلد المعنيّ  اتخاذ “خطوات ملموسة” للحدّ من اعتمادها الدفاعي على روسيا والعمل مع الولايات المتحدة لتعزيز المصالح الإستراتيجية الحاسمة. في الواقع، قانون مكافحة الإرهاب هو أساس الهيمنة العالمية للولايات المتحدة، والتي تتجاوز بكثير هدفها المعلن بفرض عقوبات على روسيا بسبب شبه جزيرة القرم.

بالنظر إلى ما سبق، يسأل سائل: ما هي الخطة الحالية لإدارة ترامب على مستوى أوسع؟!.

تعتقد واشنطن أن العلاقات بين الهند وروسيا لم تعد كما كانت من قبل، وأن الوقت ربما يكون قد أضعفها من الداخل. وهكذا، كانت المناورة الافتتاحية للضغط على دلهي بالإشارة إلى أن اتفاق S-400 يشكل خطراً جسيماً على الشراكة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والهند، الأمر الذي سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في وقت يؤدي صعود الصين ونموها إلى إغراق منطقة المحيط الهادئ والهند على وجه الخصوص في غموض غير مؤكد.

في هذه القصة، يكمن الحل في أن تلغي دلهي اتفاق S-400 مع روسيا وتختار بدلاً من ذلك نظاماً أمريكياً، وهذا أيضاً ما نصحت به واشنطن تركيا، ولكن لا يوجد شيء يمكن للولايات المتحدة أن تقدمه كبديل منافس  مع S-400.

ومن الغريب أن الجانب الأمريكي يدرك حقيقة أن نظام S-400  لا مثيل له لتلبية الاحتياجات الخاصة لسلاح الجو الهندي. وهنا يشرح خبير أمريكي في مؤسسة “كارنيجي للسلام الدولي” رأيه في هذا الأمر: “ليس لدى الولايات المتحدة حالياً أي نظام مماثل لنظام S-400 ويرجع ذلك أساساً إلى أن البلد لم يستثمر الإستراتيجية منذ بداية الحرب الباردة. لذلك، فإن الأسلحة الجوية- الجوية الأمريكية تنقسم إلى فئتين: الأنظمة طويلة المدى التي تهدف في المقام الأول إلى أنظمة الدفاع الصاروخي البالستية، أو الأنظمة قصيرة المدى التي يتمّ حجزها في المقام الأول لاستهداف  طائرات العدو التي تشكل تهديداً للقوات البرية الأمريكية. ونتيجة لذلك، لا تلبي أي من تلك الأنظمة المتطلبات الهندية للدفاع الجوي بعيد المدى”.

إذاً، لماذا تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً مكثفة على الهند للتخلي عن S-400؟، والحقيقة أن مبيعات الدفاع هي أداة أساسية في الإستراتيجية الأمريكية الرامية لإقامة علاقة طويلة الأمد مع الهند في إطار نظام تحالف جديد في الولايات المتحدة يشمل المحيطين الهندي والهادئ. وبعبارة أخرى، فإن الصفقات الدفاعية الهندية مع روسيا، التي هي حتى الآن الشريك الأول للهند، لها تأثير سلبي على الإستراتيجية الأمريكية، التي تهدف إلى مواءمة الجيش الهندي مع الولايات المتحدة وقواتها المسلحة وحلفائها في المحيطين الهادئ والهندي. على العكس من ذلك، فإن عمليات امتلاكها لنظام الصواريخ  S-400 على نطاق واسع، ستخلق علاقات قوية مع روسيا ستستمر لأجيال، حتى لو كان الجيشان يعملان سوية طوال حياتهما على قاعدة  التدريب والصيانة.

وغني عن القول إن الولايات المتحدة تتبع إستراتيجية طويلة الأمد من خلال إنشاء منصات مشتركة مع القوات المسلحة الهندية تساهم في تعزيز قابلية التشغيل العسكري. والقصد هنا هو قيام القوتين المسلحتين، عند استخدام المعدات نفسها، بتطوير فهم مشترك لديناميات العقيدة والقيادة والتحكم وإجراءات التشغيل القياسية من خلال التخطيط والتدريب المشترك. بعبارات بسيطة، دون أن يكون على علم الهند. ومع ذلك، فإن كل شيء يشير إلى أن واشنطن تشعر أن حكومة “مودي” لن تتخلى على الأرجح عن شراء الـ S-400، مهما كانت ضغوط وابتزازات أمريكا. من جانبها، تدرك دلهي أيضاً وصف إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي لروسيا “بالقوة الرجعية”، وأن هدف واشنطن الأساسي هو تهديد العلاقات القائمة بين روسيا والهند. لذلك، ومن خلال قراره الجريء بالمضي قدماً في صفقة صواريخ S-400 مع روسيا، أعطى رئيس الوزراء “نارندرا مودي” لواشنطن رسالة مهمّة: قرار “مودي” يبشّر بالخير لدور البلاد في “فترة ما بعد أميركا”، لكن المشكلات لا تزال قائمة.
في الأساس، يجب على دلهي أن ترفض بشدة محاولة الولايات المتحدة التأثير على العلاقات بين الهند وروسيا بذريعة قانون مكافحة الإرهاب، واقترحت جماعات الضغط الأمريكية في الهند مؤخراً أن تبدي الهند والولايات المتحدة “تفكيراً مبدعاً” للتخفيف من “التحديات” التي يطرحها القانون. لا تفرض الهند قيوداً على الوصول إلى السوق الأمريكية أو تحرمها من المنافسة، إضافة إلى ذلك، فإن قانون مكافحة الإرهاب هو قانون الولايات المتحدة، والذي اعتُمد لأغراض جيو- سياسية.

ستكون الهند على منحدر خطر عندما توافق على مناقشة علاقات الدفاع مع روسيا على أساس كل حالة على حدة مع الولايات المتحدة، إذ سيشكل هذا الأمر إهانة لسيادة الهند واحترام الذات عندما تسمح للولايات المتحدة التدخل في تحديد علاقاتها مع روسيا!.