صبري يربت على ظهر ضيقي!؟
د. نهلة عيسى
أقول لكم بلا لف ولا مواربة: انتصرنا في الميدان ونخسر في ما بعده, لأن بلادنا خائبة الرجاء, عاشقة الثرثرة, تنهي الحكايات كل الحكايات وفق أوامر وأماني الأقوياء, حيث العقل نافذة مجللة بالستائر التي لا ترى, وقطار التفكير: قطار وداع إلى العدم, والتشابه والنمط أخلاق وأدب, وحيث مجبر أنت كل يوم, على تقديم عرائض استرحام, لأنك تملك موهبة زرقاء اليمامة, وترى ما لا يجب أن يرى!.
أقول لكم بلا لف ولا مواربة: انتصرنا في الميدان ونخسر في السياسة, لأن الطفلة في ضميري مازالت تعيش, ومازالت تدرك بالفطرة قبل التجربة أن التمساح لا يمكن أن يلاعب غزالاً, وأن الضفدع القبيح لا يمكن أن يتحول إلى أمير وسيم إلا في أفلام الكارتون, والمأساة أن عالمنا الراهن يسخر من الطفلة في داخلي, بل يغتال كل طفل, بزعم المواءمة, والمصلحة السياسية التي لا تعرف عدواً أو صديقاً, ولذلك ليس لحق أو خلق أو فضيلة مكان, فالقوة هي الأميرة الأسطورية, القادرة على أن تعيد الشيخ إلى صباه, وأن تحيل الضفدع أميراً, في زمن.. النقيق فيه بات قمة الطرب!!.
أقول لكم بلا لف ولا مواربة: انتصرنا في الميدان وخسرنا في المواطنة, لأننا كنا نعاشر الوهم على سفينة المرح, ونسينا أن الحياة “تيتانيك” فيها الكثير من الغرقى, والقليل من الناجين, وفي كلتا السفينتين لا يستطيع المرء أن يعيش الحياة سوى مرة واحدة, ليس مسموحاً فيها الإعادة من جديد, فهل لدى أحد جواب لا يكون فيه الرب مسؤولاً عن أننا تراخينا عن أن نحمي الوطن!؟.
أقول لكم بلا ادعاء: قلبي مكسور الخاطر, لبث كرجل الثلج صابراً, صامتاً على مدار سبع سنين من الخراب, يراقبنا نتطاول, ونتدافع, ونتزاحم, ونتبارز “مع الرصاص”, بالألسن, والأصوات النشاز, ليؤكد كل واحد منا “الإرهابي, والفاسد, والخائن, والبائع, والداعر, والسارق, والصادق, والكاذب, والكبير, والصغير, والحاضر, والغائب, والمؤيد, والمعارض”, أنه وحده من يحق له التحدث باسم الوطن, ووحده من يعرف مافي سريرة الوطن, ووحده من يملك الحديث الصواب, ووصل بعد سبعٍ من الجليد, مرحلة الغليان, من مهزلة التذكارات “سيلفي والوطن خلفي”, ومهرجانات الشتيمة والسباب, ومملكة الميكرفونات, مدعية حب الوطن, ومدعيةً الدفاع عنه, والوطن بريء من الجميع, لأنه بعد السبع, لم يعد أحد منا بريء, ولم نعد نملك ترف الاختيار, فقد قصقصت البنادق أجنحة الأمس تعانق الحلم, وضاقت السماء, وباتت سواراً حول الرقبة, أشبه بالمشنقة, وطارق بن زياد ينادي: البحر من أمامكم, والعدو من ورائكم, فأين المفر؟
أقول لكم بلا مواربة: تنتظرون النصر “تيك أواي” على الأبواب, صدقوني لم يبق انتظار, شعرة معاوية قطعت, وليس لدينا ما نخسره سوى الرحيل من خبر إلى خبر, ومن عار إلى عار, فالدم صار ماء يراق كل يوم, على أبواب الأندية الليلية في المدن الملونة, ورجال يحتسون الشراب والنساء, وفي نهاية السهرة الصاخبة يغسلون سياراتهم الفارهة بدمائنا, أذكر كم دمنا صار ماء, وماء عيوننا صار دماً, ولا عزاء للشهداء!!
أقول لكم بلا لف ولا كذب: صرنا مثل رصاص البندقية لا ذكر ولا أنثى, مجرد وشوم لملامح بشرية, تراقب النار تتآكل البيوت, والخنجر يغرس في بطون الحوامل, والأبناء يبصقون في بئر آباهم, ويؤوون العقارب في دفء ضلوعه, ويرفعون قميص الفتن, مات عثمان, ولم يزل يتوارث قميصه من يكرهوننا!.
أقول لكم بلا مواربة: انتصرنا في الميدان ولكن الكذب هزمنا, اليهود يهود على حائط المبكى, أو خيبر في المدينة, وليغفر الرصاص من ذنبنا ما تأخر, أننا يوم جلسوا للتفاوض باسمنا حول الطاولة المستديرة لم نطلق الرصاص, وأعرف أنه في الغد ستصطف الكلمات فوق الكلمات, والأحاديث ستتزاحم في دهاليز الأحاديث, والهراء سيعانق الثرثرة, وصبري سيربت على ظهر ضيقي, وأنا أسمع الروايات السقيمة البلهاء عن كيف انتصرنا!؟.