أيــــن نحــــن مــــن الخيـــــار والقـــــرار بيــــن الهـــــدر المزمـــــن والوفـــــر الممكـــــن
في بداية العام الدراسي من كل عام، يعاني قسم كبير من الأسر السورية من أزمة مالية خانقة لضخامة التكاليف المطلوبة، بخصوص قيمة اللباس الطلابي المتباين في النوعية والقيمة، ما يؤسس لتباين أشكال اللباس بين الطلبة، وقد يدفع باتجاه أن بعض الفقراء قد يقلدوا بعض الأغنياء، على حساب خبزهم وملحهم، عدا عن أن من يتمعن ملياً في بعض الملابس الطلابية الحالية، يظهر له أن بعضها لا يليق أن يكون لباساً مدرسياً.
وحالة التباين أيضاً قائمة بخصوص الدفتر المدرسي المتعدد الحجوم والأشكال والنوعية والقيمة، ما يؤسس لتباين ذلك بين طالب وآخر، ضمن القاعة الدرسية وعلى المقعد الواحد، والحالة نفسها بالنسبة للحقيبة المدرسية والقرطاسية، والطامة الكبرى تتكرس بالكتاب الرديف /كتاب الحلول والشروحات/ المتنوع والعالي القيمة، ووجوده بين يدي الطالب الغني يدفع بالفقير لاقتنائه، رغم وجود الكتاب الرسمي مجانياً أو بقيمة رمزية، والمصيبة الكبرى تتكرس في التعليم الجانبي لجميع الصفوف -بما في ذلك صفوف الحلقة الأولى- ولمعظم المواد الدرسية، هذا التعليم العالي الكلفة، والذي يتجه له قسم كبير من الطلبة فقيرهم وغنيهم، رغم وجود المدرس الرسمي المعني بإعطاء المادة الدرسية على أحسن وجه.
هذا الإنفاق الكبير المزمن على الحاجيات المدرسية، والمتباين بين طالب وآخر، يؤكد وجود هدر مالي كبير، ويجعل من غير الجائز ألا يتم العمل الرسمي والشعبي باتجاه تحقيق خفضه الممكن التحقيق، خاصة وأن أحد نماذج هذا الممكن تجلى عبر المؤسسة السورية للتجارة التي تحسست مخاطر هذا الهدر، وكرست جهودها خلال هذا العام، في تصنيع وتسويق نماذج عالية الكمية والجيدة النوعية، من عشرات النماذج من الدفاتر والحقائب والقرطاسية المدرسية، وبأسعار متهاودة جداً قياساً بأسعار القطاع الخاص، وهي مستمرة في ذلك طيلة العام، وقد منحت قرضاً بقيمة /50/ ألف ليرة سورية للأسر الطلابية –الراغبة بذلك- دون أية فائدة عليه.
إجراء السورية للتجارة لقي تقديراً وتجاوباً شعبياً، تجلى بالإقبال الكبير على مراكزها، ما خفف الكثير من النفقات على مئات آلاف الأسر، وأسس لأن يكون ذلك حافزاً باتجاه ضرورة العمل الرسمي والشعبي لمزيد من الإجراءات المماثلة والأكثر فاعلية، وأرى أن يكون ذلك من خلال صدور تشريعات وتوجيهات تقضي بتوحيد اللباس المدرسي في كل مرحلة دراسية، على غرار اللباس الموحد الذي كان معمولاً به قبل سنوات، وتشريع وجوب الالتزام به، شريطة أن يكون القماش من نوع واحد محدد لكل مرحلة، ومن إنتاج مصانعنا النسيجية، وتحديد نموذج خياطة موحد لكل مرحلة دراسية، ودخول المؤسسة السورية للتجارة على خط تنظيم عقود مع شركاتنا العامة، ومع القطاع الخاص لخياطة هذه الملابس، وفق نموذج معين يتقرر اعتماده من بين عدة نماذج، وبأفضل خياطة وبأقل كلفة ممكنة، واعتماد تسويق هذه الملابس بسعر موحد ومعلن عنه، عبر مراكز التجزئة وتجار القطاع الخاص، وأيضاً اعتماد تصنيع وتوزيع نموذج حقيبة مدرسية موحدة نوعاً وشكلاً وكلفة لكل مرحلة دراسية، واعتماد الحالة نفسها للدفاتر المدرسية شكلاً وحجماً ونوعاً لكل مادة حسب الصف، واعتماد توزيعها بسعر محدد من خلال المدارس على غرار توزيع الكتاب المدرسي، ضماناً لتوحيد حجم وشكل ونوع الدفتر لكل مادة.
ويبقى المهم الأهم يتجلى بضرورة إلزام المديرية العامة للمناهج المدرسية، بإصدار الكتاب المدرسي وفق صيغة تغني عن الحاجة لكتاب رديف واجب المنع، وتكثيف الجهود لتحقيق الاستثمار الفعلي لعشرات الملايين التي تنفقها الدولة على بناء القاعة الدرسية وعلى تأهيل مدرس المادة، من خلال إجراءات إشرافية تربوية تضمن أداءً ممتازاً للمدرسين، وانتباهاً كاملاً من الطلاب، واعتماد تشريع وتنفيذ المنع التام للدروس الخصوصية المنزلية، واستثناء طلبة المدارس من نشاط المعاهد التدريبية الخاصة، وأرى من المفيد اعتماد رداء خاص بالمدرس أثناء الحصة الدرسية، لأن لباس بعض المدرسين والمدرسات، لا يتناسب مع الجو التعليمي، ومن المؤكد أن اعتماد هذه الاقتراحات، يوجب أن يمنح فرصة سنتين على الأقل، ليتاح تسويق المنتجات الحالية في السوق، وتجنيب المنتجين والتجار خسائر كساد منتجاتهم القديمة، وتوجيههم للتحضير لما تقرر اعتماده مجدداً، وحبذا أن يعي الجميع -مواطنين ومسؤولين- كم هي الحاجة ماسة للقرار الرسمي الصائب والخيار الشعبي الراغب.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية