صفقات السلاح أهم من اليمن!
اعترفت الأمم المتحدة على لسان مارك لووكوك مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بأنها خسرت “الحرب ضد المجاعة” في اليمن، هذا الاعتراف هو في الواقع خسارة لمصداقية ودور المنظمة الدولية في حل أهم الكوارث التي تصيب المجتمعات. بالطبع هذا كلام منظمة هزمت أمام المال الخليجي صاحب مشروع “التحالف العربي” دون الاكتراث لوضع 22 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة، منهم 18 مليوناً يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
وللسخرية أيضاً فإن الرجل “الأممي” تهرّب من مسؤوليات المنظمة ليلقيها على مجلس الأمن الذي يقع هو الآخر تحت سيطرة اللاعب الأمريكي وحلفائه، محملاً إياه مسؤولية تجنب الانهيار الكامل والحفاظ على حياة ملايين الناس، ودعم إجراء مفاوضات سياسية واتخاذ إجراءات فورية لتحقيق استقرار اقتصادي، وتنظيم جسر جوي لعمليات الإجلاء الطبي. هذه الانهزامية تؤكّد أن الأمم المتحدة فقدت كل مبررات وجودها، وفشلت مرة جديدة في مهمتها كحامية للقانون الدولي وللسلم العالمي، ولم يعد وجودها مبرراً مثلما جرى بعصبة الأمم التي ذهبت إلى مزبلة التاريخ من أجل السبب ذاته. فهي بقرار مجلس أمنها تقود اليمنيين إلى الموت إما جوعاً أو تحت تأثير قصف دول التحالف النفطي.
حتى منظمة “هيومن رايتس ووتش”، المعنية بحقوق الإنسان، فشلت هي الأخرى في إجراء تحقيقات مناسبة حول ارتكاب جرائم حرب في اليمن من قوات التحالف التي يقودها النظام السعودي، ولم ترق إلى المقاييس الدولية فيما يتعلق بالشفافية والنزاهة والاستقلالية، حتى إن “المحققين كانوا يتسترون على جرائم الحرب بشكل أو بآخر”، كما صرحت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط في المنظمة.
في الحقيقة، إن دول الاستعمار القديم الجديد، والتي ترى في نفسها رسلاً للتبشير بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحماية المدنيين وحرية التعبير، أسقطت خيارها لإثبات حسن النية والبرهنة على اتساق مواقفها السياسية والأخلاقية حيال ملفات المنطقة، وبذلت قصارى الجهد لتوفير غطاء سياسي وعسكري ومادي وإعلامي مناسب لجرائم آل سعود بانحيازها لإرهابه وإجرامه، ليس في اليمن وإنما في سورية والعراق وليبيا، مقابل صفقات السلاح الهائلة، التي وقّعتها دول الخليج مع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في السنوات الأخيرة، رغم أن السلاح الغربي ليس من وظائفه الدفاع عن العرب في وجه “إسرائيل” بل وظيفته محصورة فقط بقتل العرب وتجزئة دولهم وإشعال الحروب الأهلية فيما بينهم وبما يحقق لـ “إسرائيل” أطماعها ويساعد الدول الغربية على نهب الثروات العربية والهيمنة على شعوبها والتحكم بقرارها ومصيرها، ما يعني بالضرورة أن أمريكا وحلفاءها لا يهمهم أن “الوقت بدأ ينفد” لمنع وقوع “مجاعة مدمرة” في اليمن، مادامت الأموال مقابل السلاح تأتي إلى الخزينة الأمريكية. ولترسيخ هذه القناعة نرى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو يؤيد استمرار صفقات الدعم العسكري للسعودية التي تقدر بنحو 2 مليار دولار، ويرفض نصائح مستشاريه والخبراء في شؤون المنطقة حول وقف تصدير الأسلحة الأميركية للسعودية، بقوله: “إن صفقات السلاح أهم من اليمن”!.
علي اليوسف