دراساتصحيفة البعث

حقيقة المخطط الذي انهار

عبد الرحمن غنيم

كاتب وباحث من فلسطين

لا شك أن العنوان العريض الذي أديرت على أساسه الحرب الكونية على الوطن العربي، ولا نقول على القطر العربي السوري وحده، لأن الحرب عليه كانت جزءاً من الحرب على الأمة العربية كلها، بل وعلى دول الجوار أيضاً، يتمثّل في عبارة واحدة مقتضبة ملتبسة الدلالة هي “ضمان أمن إسرائيل”، وآخر من أقرّ بهذه المسألة رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي التي تعهدت بالدفاع عن “اليهود”، والتزام أمن “إسرائيل”.

وسواء أعلنت تيريزا ماي عن ذلك أو لم تعلن، وسواء أعلن شركاؤها الغربيون عن ذلك أو لم يعلنوا، فإن كل الأطراف المنخرطة في “ائتلاف الثمانين” الذي استهدف سورية، أو في “تحالف الستين” الذي يستهدفها، هي أطراف تتبنى هذا الهدف، بحكم كونه معلناً من قبل الإدارة الأمريكية طوال الوقت، بل إننا نستطيع القول بأن كل أولئك الذين صنفوا أنفسهم في هذه الحرب على أنهم “معارضة” أو “معارضات”، وحملوا السلاح، ومن وضعوا أنفسهم في خدمة المخطط الأمريكي، متصوّرين أن هذا المخطط يخدم مصالحهم وأهدافهم الخاصة، وانتظروا العون والسند سواء من الأمريكي أو الصهيوني أو غيرهما من أطراف “الائتلاف” و”التحالف”، يتبنون هذا الهدف صراحة أو مداورة بحكم كونه معلناً من قبل الإدارة الأمريكية التي أرادت أن تبرر نفسها أمام الرأي العام الأمريكي والعالمي بالقول إن حربها تستهدف أمرين هما: خدمة المصالح القومية الأمريكية، وضمان أمن “إسرائيل”، حتى لا تقول للناس بأنها ومن معها مجندون كلياً في خدمة ما يسمّى “أمن إسرائيل”.

وإذا كنا قد تحدثنا عن الائتلاف والتحالف اللذين استهدفا سورية، فلا يعني ذلك مطلقاً أن سورية كانت وحدها المستهدفة، إلا أنه من المفارقات الغريبة العجيبة أن بعض الأقطار العربية المستهدفة بالمخطط الشيطاني حجزت لنفسها منذ البداية مكاناً ضمن “الائتلاف” أو ضمن “الائتلاف والتحالف”، وكانت بهذا التصرف تعمل ضد نفسها طوال الوقت، متصوّرة أنها تضمن بذلك النجاة من خلال نيل الرضى الأمريكي عليها، وجعل سورية وأقطار أخرى عربية أو إسلامية هي الضحية، وهو تفكير إن دلّ على شيء فعلى انعدام الرؤية عند أصحابه، وانعدام الإرادة أيضاً، لأن الذي يرهن إرادته للأعداء لا تعود له إرادة.

 

أطماع الكيان الصهيوني

ما الذي يعنيه الهدف الأمريكي الامبريالي الغربي المعلن طوال الوقت والقائل بـ “ضمان أمن إسرائيل”؟.

دعونا نلاحظ أولاً أن بعض المحللين السياسيين في بلادنا يصرون طوال الوقت، ومنذ بدء ما سمي بـ “الربيع العربي”، أو مخطط “الشرق الأوسط الجديد”، على التخفيف من دلالة هذا الهدف، فقد يعترفون بأن أمريكا تريد إعادة رسم خريطة المنطقة، وقد يعترفون بأن أمريكا تريد أن تغير الأنظمة السياسية في المنطقة بأنظمة تكون موالية لأمريكا أولاً، وتضمن إقامة حالة سلام بين الأقطار العربية وبين الكيان الصهيوني ثانياً، وقد يتحدثون عن أطماع في النفط والغاز العربي كسبب للحرب الكونية عليهم ثالثاً، ولكنهم يقفون عند هذا الحد، ولا يشيرون إلى أطماع الكيان الصهيوني التوسعية على حساب الأرض العربية، وما تنطوي عليه هذه الأطماع من مخاطر احتلال الأرض، وقتل وتشريد المزيد من المواطنين العرب، وتغيير الخريطة الجغرافية لكامل المنطقة، بما ينسجم مع الأهداف الصهيونية في التوسع والسيطرة، فهذه كلها تبدو بالنسبة لهم وكأنها أحلام مزعجة يتصوّرها أناس لا يريدون النظر إلى الأمور نظرة واقعية منطقية، أو أنها تدخل في إطار “نظرية المؤامرة”، هذه النظرية التي يصرون على إبقائها بعيدة عن التداول من خلال نفي وجود المؤامرة، وسبب ذلك بالطبع أن الاعتراف بوجود المؤامرة من شأنه أن يجعل المتورطين فيها يكشفون عن وعيهم لحقيقة الدور الذي يلعبونه في المؤامرة، بينما هم رغم تورطهم المكشوف في التآمر يحاولون تبرئة أنفسهم، زاعمين أن دوافعهم ذاتية وليست بفعل تأثيرات خارجية، وإلا أقرّوا بأنهم عملاء لتلك الجهات الخارجية التي يخدمون خططها.

من السهل اختصار منطق هؤلاء بالقول إن ما تريده أمريكا من وراء هذا المخطط الشيطاني، وما تضمنه من استهدافات، يتمثّل في إيجاد أنظمة موالية لأمريكا من جهة، ومسالمة لـ “إسرائيل” من جهة ثانية، ولكن دعونا نطرح عليهم السؤال البسيط التالي: هل كان نظاما حسني مبارك في مصر، وزين العابدين بن علي في تونس مواليين لأمريكا أم معاديين أو معارضين لها؟ فإذا كانا مواليين– كما هو معروف من قبل الجميع– فما هو مبرر انخراط واشنطن في عملية الإجهاز عليهما؟ وإذا كانت واشنطن قد استهدفتهما واستهدفت ليبيا وسورية بهدف تغيير الأنظمة لصالح جماعة “الإخوان المسلمين” التي تواطأت مع المخابرات المركزية الأمريكية مسبقاً في اللعب، فكيف نفسّر التطورات الدالة على أن واشنطن، وإن لعبت بورقة “الإخوان المسلمين”، لم تشأ مطلقاً أن توصل هذه الجماعة إلى مرحلة التمكين؟ وما هو السر الكامن وراء إصرار واشنطن على أن تتعدد أوراق اللعب بحيث لا يمكن لهذه الأوراق، إذا ما نجحت في تنفيذ ما هو مطلوب منها وفق المقاييس الأمريكية، إلا أن تمزق الخريطة الجغرافية للوطن العربي شرّ ممزق؟ ألا يعني هذا أن أمريكا تريد أن تلعب بمصير هذا الوطن لصالح طرف معاد لهذا الوطن هو الكيان الصهيوني بالذات؟.

 

التفتيت الاستراتيجي

إن اللعب على التعدد الطائفي والقومي والإثني كاللعب على تعدد الجماعات السلفية الإسلاموية وتصارعها، وكاللعب على التناقض بين العلماني والديني، وكاللعب على العلاقة بين الأنظمة العربية، بما فيها تلك الموالية لواشنطن موالاة تامة، كما هو الحال في الإيقاع بين إمارة قطر وبعض دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، فكل ذلك يعني عملياً أن واشنطن إنما تريد تمزيق الوطن العربي شر ممزق، سواء كانت الأنظمة السياسية فيه موالية لواشنطن أو غير موالية، فلماذا هذا التمزيق؟ وما هي المصلحة القومية الأمريكية المباشرة من وراء هذا التمزيق؟.

إن هذه المصلحة لا يمكن أن نتعرف عليها إلا من خلال ما يتطلبه الهدف المعلن في “ضمان أمن إسرائيل”، فكلما ازداد العرب ضعفاً ازدادت “إسرائيل” قوة، والهدف الأمريكي على هذا النحو من شأنه أن يتطابق مع هدف رئيسي من أهداف الاستراتيجية الصهيونية يتمثّل في “التفتيت الاستراتيجي”، وهو يعني منطقياً أن الولايات المتحدة سخّرت نفسها، وسخّرت معها “ائتلاف الثمانين” و”تحالف الستين”، وأحزاباً وجماعات وعصابات تتولى تشغيلها والتحكم بها، أو توجّه سلوكها ولو بشكل غير مباشر لتستغلها، وذلك كله من أجل تحقيق هدف الصهاينة في “التفتيت الاستراتيجي”.

وإذا انبرى البعض ليقول بأن ما يعني واشنطن في التزامها بأمن “إسرائيل” هو أن تسود حالة السلام بين العرب والكيان الصهيوني من خلال قيام أنظمة عربية تقبل بمبدأ السلام مع هذا الكيان، تساءلنا: ألا يفترض فيمن غايته إحلال السلام في منطقة ما من مناطق العالم أن يقنع الأطراف المتحاربة جميعاً بحاجتها المشتركة للسلام، وإمكانية تحقيق السلام، وبعدم وجود مخاطر يمكن أن تنعكس على أي طرف من هذه الأطراف في حالة إقرار السلام، فإذا كان هذا هو المنطق فهل تعمل واشنطن بهذا المنطق، أم أن ما يحدث عملياً أنها تقف وراء العدوانية الصهيونية، وتؤمن لهذه العدوانية أدوات العدوان أولاً، والتغطية السياسية لهذا العدوان ثانياً، ومحاولة تقويض إمكانات العرب في التصدي لهذا العدوان ثالثاً؟ وهذا كله يعني في التفكير المنطقي أن أمريكا لا تريد السلام في المنطقة، وأنه من غير الوارد أن تسلك سبيلاً من شأنه قمع الممارسات العدوانية الصهيونية، أو الأطماع التوسعية الصهيونية، حتى لو تحولت كل الأنظمة في الوطن العربي ومحيطه إلى أنظمة موالية لأمريكا، فطالما أن الهدف الصهيوني في التوسع يتناقض مع هدف إحلال السلام، فإن أمريكا ستنحاز إلى الصهاينة لتمكينهم من تحقيق أهدافهم في التوسع حتى ولو على حساب أنظمة موالية لواشنطن، فالولاء لواشنطن في هذه الحالة لن يكون سوى أحد أسباب ضعف الأنظمة الموالية، ما يجعلها عرضة للاجتياح والعبث من قبل الصهاينة، وكل تصور خلاف هذا إنما هو تصور بعيد عن رؤية حقيقة الخطر الذي يمثّله الصهاينة على الوطن العربي، فأطماع الصهاينة في أي قطر عربي سيسعون إلى تحقيقها بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي في ذلك القطر، وعلاقات هذا النظام، بما فيها علاقته مع الكيان الصهيوني نفسه.

وعلينا أن ننتبه إلى الحقيقة القائلة بأن المخطط الصهيوني الساعي إلى “التفتيت الاستراتيجي” للوطن العربي دخل نطاق التنفيذ، سواء على أيدي الصهاينة، أو بالاستعانة بأطراف أخرى لهم تأثيرهم عليها منذ زمن بعيد، وقد اتخذ هذا المخطط في تنفيذه أشكالاً متعددة، وبعضها كانت تبدو كما لو كانت ذاتية المنشأ، إلا أن دخول واشنطن على خط تنفيذ المخطط الشيطاني بشكل علني، وخاصة منذ مطلع عام 2011، وضع الصراع على المنطقة في أوجه.

سورية كانت الحصن الأخير

إن الحقيقة التي يجب أن ننتبه إليها هي أن سورية كانت الحصن الأخير المتبقي الذي يعرقل وجوده تنفيذ المخطط الصهيوني. ولو أنهم نجحوا في تقويض هذا الحصن كما أملوا من خلال حربهم الكونية بإدارة الطاغوت الأمريكي لكان العدو الصهيوني قد وجه ضربته الأخيرة للأمة العربية منذ بضع سنوات، ولكانت خريطة المنطقة الآن غير ما هي عليه حتى الآن.

إن عكوف الصهاينة على تنفيذ مخطط “التفتيت الاستراتيجي” بدأ منذ زمن طويل، وعلينا أن نفهم الحقيقة القائلة بأنهم بدؤوا اللعب باستهداف الأمة بطعنها في الظهر بدلاً من البدء بطعنها في الصدر، ومخطئ من يظن بأن مشاكل الوطن العربي المتفاقمة تعود إلى مشاكل بنيوية ذاتية، فالمشاكل البنيوية الذاتية جرى استثمارها بالتأكيد، ولا يعقل إلا أن يستثمرها كل متآمر غايته التفتيت الاستراتيجي بشكل أكيد، لكنها ليست كل شيء، ولننظر كيف جرى تقويض الثورة التحررية الارتيرية، وكيف جرت “صوملة” الصومال، وكيف أغرق السودان في الفتن حتى وصل إلى التقسيم بين شمال وجنوب، وكيف استهدف عمق العرب الأفريقي في أثيوبيا، وتشاد، ومالي، ونيجيريا، وأماكن أخرى، وكل هذه التطورات جاءت بعد إخراج مصر من الصراع العربي– الصهيوني من خلال اتفاقيات كامب ديفيد، ولننظر إلى خلفية إثارة الحرب الأهلية اللبنانية بدءاً من نيسان 1975، وتسليط عصابات الإرهاب الإخوانية وغيرها على سورية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وإشغال الثورة الإسلامية الإيرانية التي فاجأت الامبرياليين والصهاينة بإثارة الحرب بين العراق وإيران عام 1979، ثم لنتذكر تحريض أمريكا لصدام لاحتلال الكويت، ثم انقضاضها عليه وعلى منطقة الخليج في “عاصفة الصحراء”، والحصار الذي فرضته على العراق وصولاً إلى احتلاله عام 2003، ومحاولة القضاء على المقاومة اللبنانية عام 2006 بعد وضع لبنان في أجواء الفتنة من خلال اغتيال رفيق الحريري. ولنضف إلى ما سبق استهداف الجزائر التي تعتبر ظهيراً لجبهة المواجهة في الصراع العربي– الصهيوني، ووضع ليبيا في دائرة الاستهداف وصولاً إلى الانقضاض عليها في نطاق مخطط الشرق الأوسط الجديد عام 2011، وهذا التطور جاء في سياق مخطط شامل استهدف الوطن العربي ككل، وهكذا شملت الأحداث مصر، وتونس، واليمن، والبحرين، وسورية في نطاق الهجمة الكبرى التي أراد لها الأعداء أن تكون حاسمة قاصمة، ولنتذكر في هذا السياق ما جرى من احتواء أمريكي للوضع في أفغانستان، بدءاً من خروج القوات السوفييتية، مروراً بتمكن طالبان من السيطرة على السلطة، ثم انقضاض أمريكا على أفغانستان بعد هجمات 11 أيلول على برجي التجارة في نيويورك، ولنتذكر أيضاً التحولات التي طرأت على النظام السياسي في تركيا لجعله مؤهلاً للإسهام في مؤامرة الشرق الأوسط الجديد كما لو كان هذا الإسهام يستند إلى دوافع عقائدية.

إن كل هذه التطورات كانت ترمي إلى محاصرة سورية من جهة، ومحاصرة إيران من جهة ثانية، والانقضاض على سورية من جهة، ثم الانقضاض على إيران من جهة ثانية، وأما ما بعد ذلك، أي ما بعد تغيير آخر ما بقي من أنظمة سياسية مستقلة في المنطقة، فإنه ليس قيام السلام بين العرب والكيان الصهيوني، بما يحقق أمن “إسرائيل” كما يزعمون، وإنما يتمثّل فيما قاله هنري كيسنجر أمام المنتدى العالمي للاقتصاد والجغرافيا السياسية أوائل عام 2012، وحين كان متفائلاً بأن المؤامرة ستصل إلى غاياتها المرسومة في السيطرة على سورية أولاً، ثم على إيران ثانياً دون أن يثير ذلك ردود فعل من قبل روسيا والصين، كما كان أصحاب المخطط الشيطاني يتوقعون.

روسيا والصين

في الإجابة عن السؤال: متى يمكن لروسيا والصين أن تواصلا مراقبة أمريكا وهي تجني المكاسب دون تدخل؟، يقول كيسنجر: “سوف يستيقظ الدب الروسي الأكبر والمنجل الصيني من سباتهما”، ولكن متى سيكون هذا الاستيقاظ؟ يقول كيسنجر: “سيحدث ذلك حين سيكون على “إسرائيل” أن تقاتل بكل ما أوتيت من قوة وسلاح لقتل أكثر ما تستطيع قتله من العرب، على أمل أن يحدث ذلك على أكمل وجه، سيكون نصف الشرق الأوسط إسرائيلياً”، متى كان يمكن لهذا التطور المتمثّل بالاجتياح الصهيوني للمنطقة أن يحدث؟.

لا نظن أننا بحاجة إلى كثير من التفكير للإجابة عن هذا السؤال، ففي ضوء الأدوات التي استغلت في الحرب على سورية بات بوسعنا أن نعرف تماماً أبعاد المخطط الشيطاني الجهنمي الذي رسمه الشيطان الصهيوني للطاغوت الأمريكي، فعصابات الإرهاب بمختلف تشكيلاتها كان مطلوباً منها أن تنفذ مهمة أساسية محددة تتمثّل في تجريد سورية من جيشها، وفي ضوء البنية التنظيمية والفكرية لهذه العصابات فإنها كانت ستعمد إلى تأسيس إماراتها المتصارعة، بل إنها قامت بذلك بالفعل خلال سنوات الحرب في أماكن تواجدها، كما أن هذه العصابات التي أوجدها الغرب ويستثمرها لحساب الشيطان الصهيوني ومخططه ستعمد إلى تنفيذ عمليات إرهابية متفرقة في أوروبا الغربية، مثلما ستعمد إلى توسيع سيطرتها لتشمل لبنان، والأردن، وأماكن أخرى، وقد رأينا حجم تواجد “داعش” في العراق كدليل على أبعاد المخطط.

إن نقطة ضعف هذه العصابات في نهاية المطاف تتمثّل في أن الطاغوت والشيطان يتحكمان بمصادر تسليحها، مثلما يتحكمان بشبكات الاتصال الموضوعة تحت تصرفها، والأهم أن وجود هذه العصابات، واتساع دورها الإرهابي، وشموله غرب أوروبا ومناطق أخرى من العالم، من شأنه أن يوجد رأياً عاماً يطالب بتخليصه من هذه العصابات، وهكذا سيتقدم الصهيوني لاستخدام أسلحته بما فيها أسلحة الدمار الشامل بذريعة القضاء على الإرهاب وتخليص العالم من شروره، وهدف “إسرائيل” كما حدده كيسنجر واضح: “قتل أكثر ما تستطيع قتله من العرب”، فالحرب الإرهابية على العرب ستكون قد شرّدت الملايين وقتلت مئات الآلاف إن لم يكن أكثر، وحرب “إسرائيل” على الإرهابيين ستكون غايتها قتل أكبر عدد ممكن من العرب، وتشريد أكبر عدد ممكن منهم، وبالسيطرة على نصف الشرق الأوسط الكبير ستكون أمريكا ومن معها من المتآمرين قد حققوا الهدف المعلن المتمثّل في “ضمان أمن إسرائيل”، فهذا بالضبط هو المعنى الذي ينطوي عليه هذا التعبير المراوغ الذي يصر بعض العرب على تخفيف وطأته، وخداع الرأي العام العربي من خلال إعطائه دلالة “التعايش السلمي” وليس دلالة تحقيق “السلام الإسرائيلي” على حساب الوجود العربي من خلال قتل وتشريد أكبر عدد من العرب، واحتلال “إسرائيل” لنصف منطقة الشرق الأوسط.

المخطط الشيطاني

هذه في الواقع هي حقيقة المخطط الشيطاني الذي انهار، وانهياره كان بسبب الصمود السوري، وإسهام الشركاء في محور المقاومة في مواجهة المخطط، وموقف روسيا والصين، واستخدامهما للفيتو أكثر من مرة لإحباط مشاريع القرارات الغربية التي تستهدف تمكين العصابات الإرهابية من تنفيذ الدور المطلوب منها توطئة للدور اللاحق الذي يتولاه الصهاينة، وكذلك لدخول روسيا بشكل مباشر على خط محاربة الإرهاب.

إن انهيار هذا المخطط يعني تقويض نتائج أكثر من نصف قرن من التآمر المتواصل على الوطن العربي، ووضع المشروع الصهيوني أمام مأزقه التاريخي، وسبب ذلك هو أن ما حدث لابد أن يحفر عميقاً في الضمير العربي والإنساني، وأن يؤسس لهجوم مضاد شامل في مواجهة الامبريالية والصهيونية وأدواتهما الرجعية الإرهابية، ويأتي هذا الهجوم المضاد منطقياً على قاعدة انتصار تحقق على الأرض، ومن شأن تحققه أن يحفز الجماهير العربية التي كانت مستهدفة بالإبادة والتنكيل بالدفاع عن وجودها ومصيرها في مواجهة مخطط شيطاني إجرامي يستهدف هذا الوجود وهذا المصير.