الاستهتار الإجرامي والرد القادم
ليس “الاستهتار الإجرامي”، وهو الوصف الذي أطلقته موسكو على التصرّف “الإسرائيلي” في قضية الطائرة “ايل 20″، خاصاً بهذه المسألة وحدها فقط لا غير، بل يمكن القول، وبكل ثقة: إنه أسلوب حياة كاملة متكاملة لكيان استيطاني إحلالي منذ نشأته الأولى، وحتى اللحظة الراهنة، وما بعدها أيضاً، في ظل حماية مطلقة يتمتع فيها هذا القاتل الطليق من طرف ما يسمى “المجتمع الدولي” ودوله العظمى، والديمقراطية أيضاً..!!، وهي حماية كان آخر فصولها ذلك التهديد العلني السافر، والفاجر، الذي أطلقته واشنطن ضد المحكمة الجنائية الدولية، وقضاتها، فيما لو اقترب سيف عدالتها من جرائم واشنطن والكيان الصهيوني.
والحال فإن فكرة إقامة “إسرائيل” بحد ذاتها على حساب أرض وممتلكات شعب آخر، لحل مشكلة أوروبية داخلية محضة، تحت غطاء دعاوى تاريخية زائفة ومقولات تبريرية كاذبة من قبيل “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، كانت استهتاراً إجرامياً واضحاً بكل الحقائق والأعراف السماوية والأرضية من رعاة ولادة هذا “الكيان”، وهو استهتار سرعان ما استلهمه “الكيان الوليد”، واعتمده سياسة رسمية يُكافَؤ القائمون عليها باعتبارهم أبطال “الدولة”، بدءاً من قتل الوسيط الأممي “الكونت برنادوت”، لأن حقائقه لم تعجبهم، مروراً بمجازر كبرى لا حصر لها، ولا عدّ، بحق الشعب العربي في فلسطين وغيرها، ويمكن تعداد الكثير منها من “دير ياسين” و”بحر البقر” إلى “قانا”، وصولاً إلى آخر عدوان ارتكبه هذا القاتل المنفلت في سورية.
وبالطبع لا يجب أن نغفل هنا حقيقة أن هذه الحماية قدّمها أيضاً بعض من أهل الضحية حين منحوا هذا القاتل حمايتهم الأدبية والسياسية، والعسكرية أيضاً، منذ عشرات السنين – كما كشفت وثائق عدة كان آخرها ما نشرته وسيلة إعلام “إسرائيلية” مؤخراً – متحالفين معه ضد أبناء جلدتهم وجيرانهم لدوام كراسٍ وعروشٍ ما كان لها أن تدوم ساعة واحدة لولا حماية خارجية كاملة أفصح عنها “ترامب” علناً دون أن يسمع، ونسمع معه، مجرد استنكار واحد ممن عناهم بكلامه.
بيد أن للتاريخ منطقه الخاص ومساره الذي لا يمكن إعادته للخلف، وبالأمس كانت الخطوات الثلاث التي أعلنت عنها موسكو نقطة بداية هامة لإيقاف مسلسل الاستهتار الإجرامي “الإسرائيلي” الحالي، ونقول نقطة بداية، لأن الاستهتار الإجرامي ليس صفة لمسارٍ “إسرائيلي” فرعي، وإنما هو، كما يعرف كل دارس لتاريخ العدو، لبنة مؤسسة في بنيان كيانه، وإيقافه بالكامل يعني زعزعة هذا البنيان من أصله، وتلك قصة سيكون لها ارتدادات جيواستراتيجية هائلة على المنطقة والعالم، لذلك سنسمع في القادم من الأيام رفضاً وتهديداً، وربما خطوات ميدانية وأعمالاً إرهابية متنقّلة، لردع موسكو ودمشق عن المضي قدماً في هذه الخطوات، أو على الأقل تخفيض مردودها الاستثماري في عملية بناء سورية السيدة المستقلة، وبعض هذا الرفض والتهديد سيكون، للأسف، عربياً من ممالك ومشيخات وإمارات ترتبط بأسباب النشأة ودواعي الاستمرار بالكيان الصهيوني ارتباطاً مصيرياً كاملاً متكاملاً.
وللتذكير: الاستهتار الإجرامي هو الذي سمح لقاتل متمرّس من طراز “غابي أشكنازي” رئيس الأركان “الإسرائيلي” الأسبق ليقول بأعصاب باردة: إن جنوده ” قتلوا من يجب عليهم قتله”، و”تصرفوا بمهنية” خلال عدوانهم على أسطول الحرية الشهير. وهنا أيضاً، في قضية الطائرة الروسية، تصرّفت “إسرائيل” بالمهنية ذاتها، كما قال زعماؤها الجدد، وتلك صفاقة فاقعة مع دولة عظمى مثل روسيا لا يفسّرها سوى شعور القاتل بالاطمئنان للحماية الدولية المحيطة به، وهو ما يعني أنه سيستهين، وقد استهان، بكل الشرائع والسنن، وباتفاقات المصالح المشتركة، وقنوات الاتصال المفتوحة، لذلك لا يمكن سوى للقوة أن توقفه عند حده.. فدائماً كان “الحق ما سنّ القوي بسيفه..”، وبصواريخه القادمة أيضاً، وهذا ما سيكون عليه الحال دائماً وأبداً، والمهم البدء.. وقد كان.