“الرئيس مفقود” رواية سياسية هزيلة برؤية العين الواحدة
عندما تقرأ رواية الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون المشتركة مع أحد أهم كتاب روايات الإثارة في الولايات المتحدة الأمريكية جيمس باترسون والصادرة حديثا 2018تحت عنوان “الرئيس مفقود”تستغرب كيف إنها تصدرت قائمة نيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعاً على مستوى الأعمال الأدبية لعدة أسابيع متتالية، فهي لا تتعدى كونها سيناريو لفيلم هوليودي من النوع “الأكشن”السخيف الذي درجت السينما الأمريكية على غزو العالم بها، سينمائيا،والتي تتحدث عن بطولات الأمريكيين المستهدفين من “الإرهاب الإسلامي”والتخمة الإنسانية التي يتمتعون بها لكن ما أن تنتهي من قراءتها حتى ينقشع الإبهام ويتضح سر الاهتمام الإعلامي بها.
يبدأ كاتب الرواية بتنويه “إن الشخصيات والأحداث في هذا الكتاب وهمية وأي تشابه مع أشخاص حقيقيين يعيشون بيننا هو محض صدفة وغير مقصود” مع إن أحداثها لا تخرج عن كونها تلخيص للسياسة الأمريكية وعلاقتها بالكثير من الأحداث المشتعلة في مناطق جغرافية عدة تسمى بمسمياتها، لكن بأسماء أشخاص مستعارة، فهي تروي حكاية رئيس أمريكي يدعى جوناثان لينكولن دنكان يواجه مع فريقه السياسي والعسكري وبمساعدة حليفين دوليين هما إسرائيل وألمانيا أصعب هجوم فيروسي مدمر تواجهه الولايات المتحدة، مصدره منظمة إرهابية تدعى “أبناء الجهاد” يقودها تركي مسلم غير متدين،كما يعرفه الكاتبان، اسمه “سليمان سيندوروك”،هجوم لو كتب له النجاح لدمر البلاد وأعادها عشرات السنين إلى الوراء، لكن شجاعة الرئيس وحرصه على بلاده وشعبه ومساعدة حليفيه أحبطا الهجوم.
تقسم الرواية بنيويا إلى أكثر من مئة فصل ينطلق السرد فيها من جلسة استجواب يخضع لها الرئيس، حول علاقته بمنظمة إرهابية، من قبل ثلاثة عشر نائبا أمريكيا يشبههم بأسماك القرش المفترسة التي تريد النيل منه وإسقاط رئاسته، وينطلقون في استجوابه من خبر نشرته صحيفة اللوموند الفرنسية تذكر فيه أن الرئيس الأمريكي أجرى مكالمة هاتفية مع “سليمان سيندوروك”وانه على علاقة بإحباط هجوم قامت به مجموعة من الانفصاليين الموالين لأوكرانيا لقتل سيندوروك المختبئ في مزرعة شمال الجزائر وقد تم إفشاله من قبل عملاء وكالة الاستخبارات الأمريكية وهروب سليمان ومقتل احد الأمريكيين في العملية، الحدث الذي يستغله خصومه السياسيين ضده في الكونغرس.
ثم تدخل الرواية في موضوع الحريات وحقوق الإنسان المحترمة في أمريكية، كما تقول الرواية، والمنتهكة خارجها “إنهم لا يشعرون بالقلق على أطفالنا كما نشعر نحن السنا مختلفين، تتساءل ايريكا بيتي مديرة CIA. بعدها تعرج على حادثة وفاة زوجة الرئيس “راشيل كارسون دنكان” بالسرطان، ولنلاحظ هنا المغزى السياسي للاسم المرتبط بإسرائيل”يقول الرئيس” عندما كنت ادفن راشيل كانت كوريا الشمالية تختبر صاروخا بالستيا، وكانت سفارتنا في فنزويلا تتعرض لهجوم من قبل انتحاري”، أي أنهم مجردون من الإنسانية، لم يراعوا الحالة الكئيبة التي يمر بها الرئيس الأمريكي، هذا الرئيس الذي يتذكر أيام التمييز العنصري في بلاده ويصفها بأنها أقدم لعنة على بلاده، مع أن اللعنات كثيرة ليس أولها مجازر الهنادرة وليس آخرها مجازر العراق، وانه أول من عين امرأة سوداء من أصول افريقية في منصب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، لكن هذا الرئيس نفسه يتنكر وينزل إلى الشارع فيرى شرطيين يحاولان رمي طفل أمريكي من أصول افريقية أرضا، فيتساءل “لو كان الطفل أبيضا هل كانوا سيتعاملون معه بهذا الأسلوب، لربما هذا الأسود سرق محفظة أو ارتكب جناية أو أغضب رجال الشرطة” أي أن الأسود فقط هو الذي يرتكب هكذا جرائم.
كل ما سبق كان مجرد تمهيد واستهلال للدخول في صلب الحدث الكبير والمثير، وهو تعرض أنظمة الحاسب الأمريكية لهجوم الكتروني فيروسي نجح رئيس منظمة “أبناء الجهاد”في اختراقها بعد حصوله على كلمة السر وهي”العصور المظلمة” والتي يعرفها ستة من أركان الحكم، هم رئيس وكالة الأمن القومي، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، ووزير الدفاع، ومدير وكالة الاستخبارات، ووزير الأمن الداخلي، ونائب الرئيس، أي أن احد هؤلاء سرب الكلمة إلى المنظمة الإرهابية وساعدها على اختراق الشبكة ليكتشف الكتاب أن الخائن هو نائبة الرئيس وغايتها إسقاط الرئيس وتولي السلطة بعده.
وإذا توقفنا عند الدلالة الرمزية لكلمة السر هذه نجد أنها تحيل القارئ إلى النتيجة الكارثية التي يمكن أن تصل إليها الدولة في حال وقعت بيد أي عدو عندها يمكن أن تعيد الولايات المتحدة إلى عصور الظلام لأن مصدر قوتها، كما، يشير، هو ذاته مصدر ضعفها، ففي حال حدث خلل ما سيؤدي إلى توقف أنظمة “الكمبيوتر” المتحكمة بكل مفاصل الحياة من مياه وطاقة ومال وأسلحة وغيرها، يعني العودة إلى عصور الظلام.
في هذا الجانب من السرد التقني الذي يتخلله بعض المنولوج الخارجي والداخلي يحتاج الراوي إلى متخصصين محترفين في مجال الكمبيوتر وتكنولوجيا المعلومات للحديث فيه وهو مالم ينسبه الكاتبان لنفسيهما فقد شكرا في النهاية كل من ساعد في المسائل التقنية. أي أن كلنتون لا يتعدى دوره في هذا العمل تقديم الأفكار المستمدة من سيرته كرئيس سابق للبيت الأبيض بين عامي 1992-2001 لا أكثر وترك للروائي بترسون مهمة الصياغة الأدبية، وللفنيين المعلومات التقنية وأقتصر دوره، كما هو واضح،على قبض الملايين وكسب ود إسرائيل وآل سعود.
الرئيس دنكان بطل رواية “الرئيس مفقود”، وبعد أن حقق انتصارا على الإرهاب وتجاوز محنة الفيروس المدمر في أيام عصيبة قضاها مع فريقه والتقنيين الأمريكيين والإسرائيليين والألمان الذين نجحوا في السيطرة على الفيروس واكتشاف كلمة السر الخاصة به، يلقي خطابا أمام الكونغرس يبين فيه ما جرى وكيف نفذ “سليمان سيدوروك” الهجوم بتمويل من أمراء سعوديين أثرياء كانوا يعتزمون استغلال غياب أمريكا من المشهد العالمي للإطاحة بالملك السعودي”سعد بن سعود”، والتصالح مع إيران وسورية. وتأسيس خلافة تكنوقراط حديثة باستخدام العلم والتكنولوجيا لرفع مكانة العالم الإسلامي، بمساعدة “شرير آخر” هو روسيا التي أغلق سفارتها في أمريكا وطرد دبلوماسييها، فهو يعتبر تأسيس دولة إسلامية متقدمة متصالحة مع إيران وسورية قمة الشر بالنسبة لأمريكا وحليفها السعودي، أي أن كلنتون يؤكد ارتباط وجود الأسرة السعودية الحاكمة وتكريس حالة التخلف فيها بوجود أمريكا فإذا ذهبت لن يبقي الشعب السعودي هذه الأسرة يوما واحدا في السلطة، وأمريكيا تعي جيدا هذه الحقيقة وتستغلها إلى أقصى حد والشعب السعودي يدركها أيضا، وهذا ما تجرأ وذكره المخرج الأمريكي مايكل مور في فلمه الوثائقي “فهرنهايت 11/9” الحاصل على السعفة الذهبية في مهرجان “كان”2004عندما تحدث عن الاستثمارات السعودية في أمريكا التي تجاوزت 860 مليار دولار وان 60 بالمئة من ودائع البنوك الأمريكية هي لعرب خليجيين أي أنها مصدر المال الأمريكي ورحيل ملوكها الطيعين يعني دمار للاقتصاد الأمريكي.
“الرئيس مفقود” رواية مشتركة لا ترقى إلى مستوى العمل الأدبي المتكامل المبني على أسس فنية خلاقة لأنها مجرد فصول عديدة غير مترابطة مكانيا وزمانيا تقترب أكثر من السيرة الذاتية هزيلة الصياغة التي تطغى عليها المفردات السياسية والتقنية الجافة وتندر فيها المفردات والجمل الوصفية والأدبية بمدلولاتها الإنسانية المعبرة.
آصف إبراهيم