لن نرى هيمنة دولة واحدة بعد الآن
ترجمة: عناية ناصر
عن موقع فالدي كلوب 20/9/2018
يعتقد شيانغ لانكسين، الأستاذ بمعهد الدراسات الدولية والتنموية الذي يتخذ من جنيف مقراً له، أن بروز الصين والهند كلاعبين دوليين رئيسيين سيحدث تحولاً في النظام الدولي نحو نظام متعدّد الأقطاب. وقد أوجز رؤيته للعالم الآتي على هامش المنتدى الاقتصادي الشرقي في فلاديفوستوك.
قال شيانغ “إن التحول الرئيسي الذي سيحدثه صعود الصين والهند هو على الأرجح انعكاس تاريخي للمنطق الجيوسياسي الذي اقترحه في الأصل السير هالفورد ماكيندر في القرن التاسع عشر”، حيث كان ينظر إلى أوراسيا باعتبارها “قلب” أو مركز العالم، لذلك فإن من يسيطر عليها يسيطر على العالم بأسره. والآن بدأ محيط هذا المشهد الأوروبي الآسيوي، الذي يعني الصين والهند، في التأثير على ما يحدث في المركز، وسيكون ذلك بمثابة تحدّ كبير.
لطالما رحبت روسيا بصعود الهند والصين على أمل أن يساعد ذلك في جعل رؤيتها لعالم متعدّد الأقطاب قابلة للتطبيق. في تسعينات القرن الماضي، كانت هناك أفكار حول مثلث يجمع موسكو وبكين ونيودلهي لمواجهة الهيمنة الأمريكية، وهو أمر يعتقد شيانغ أنه لا علاقة له بما يحدث اليوم. وقال: من وجهة النظر الدبلوماسية، رحب الروس بفكرة التوافق مع الصين والهند، خاصة في عهد وزير الخارجية يفغيني بريماكوف. إذا كان لدينا مثلث بكين- نيودلهي- موسكو، فمن الواضح أن روسيا ستكون في وضع أفضل. العلاقات الثلاثية تعني أن لديك دولة تستطيع إدارة المثلث ، والتي هي روسيا وفقاً لرؤية بريماكوف، لكن هذا النهج عفا عليه الزمن.
عندما عبّر بريماكوف لأول مرة عن فكرة “المثلث”، كانت العلاقات بين الصين والهند تهيمن عليها النزاعات الحدودية، وقلق الهند من دعم الصين لخصمها باكستان. لقد تغيّر ذلك. ووفقاً لـ شيانغ، فإن الدولتين لديهما اليوم آلية منتظمة رفيعة المستوى لمناقشة أي شيء يتعلق بالأزمات الحدودية، وليس لأي من الطرفين مصلحة بإثارة مواجهة أخرى. إضافة إلى ذلك، وخلافاً لحقبة الحرب الباردة، تتمتّع الصين الآن بعلاقات جيدة مع كل من الهند وباكستان، والدول الثلاث، إلى جانب روسيا، أعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون.
وفي الوقت نفسه، وصلت روسيا والصين إلى مستوى غير مسبوق من الثقة في علاقاتهما، وهذا في الحقيقة يمثّل تغيراً في المحيط، حسب شيانغ. يرجع الدور الكبير لروسيا في (أوراسيا) إلى التقارب التاريخي بين الصين وروسيا، والذي لم نشهده منذ كاترين العظمى. لقد تمكن البلدان اللذان لم يرتح كلّ منهما للآخر على مدى قرون، من إيجاد أرضية مشتركة حقيقية بغرض تغيير أو تحويل النظام الدولي الحالي الذي تهيمن عليه الدول الغربية.
من الواضح أن الولايات المتحدة تشعر بالقلق من هذه الحالة في أوراسيا مع اتساعها على نحو متزايد، وردها الجزئي على ذلك هو إستراتيجية الهند والباسيفيك، التي أطلقتها إدارة ترامب. وفقاً لـ شيانغ، فإن هذه الإستراتيجية، كما ترى واشنطن، وإن لم تكن محدّدة بوضوح، تركز على ما يُسمّى بقضية “حرية الملاحة” مع أمريكا التي تحاول إيقاف التوسع البحري الصيني.
هذا أمر محطّ اهتمام البنتاغون، لأن توسع الصين إلى المحيط الهندي سيكون بمثابة ضربة إستراتيجية رئيسية للولايات المتحدة. وعلى عكس ما حدث في أيام أوباما، أصبح لدى البيت الأبيض الآن نظرة أكثر تماسكاً، وفقاً لما قاله شيانغ.
ولكن ما الذي تمّ القيام به بالفعل لتنفيذ هذه الإستراتيجية؟ قال شيانغ إن الولايات المتحدة تعهدت الشهر الماضي باستثمار 180 مليون دولار في المنطقة، وهو أقل من مشروع صيني واحد أعلن عنه قبل أسبوعين. لا تستطيع الولايات المتحدة متابعة هذه الإستراتيجية ما لم تستثمر أموالاً حقيقية. وأضاف: إن أمل الأمريكيين السري سيكون تحفيز القطاع الخاص على الاستثمار بشكل أكبر في المنطقة.
ستكون الولايات المتحدة قادرة على الحفاظ على هيمنتها العسكرية في المنطقة، كما يعتقد شيانغ: لا أحد في آسيا والمحيط الهادئ، باستثناء روسيا، سيكون قادراً على تحديها. أعتقد أن الصينيين، لا يستطيعون تحدي القوة العسكرية الأمريكية. لكن السؤال هو ما إذا كانت الولايات المتحدة ستحاول السيطرة عليها بطرق أخرى؟. وفقاً لـ شيانغ، فإن مثل هذه المحاولات لن تكون مجدية. لا أعتقد أن لدى الولايات المتحدة أي قدرة على الهيمنة على آسيا والمحيط الهادئ، إذا لم تتمكن من إجبار اللاعبين الرئيسيين في المنطقة إما على الاستسلام أو اتباع قواعد اللعبة الأمريكية، وهذا لن ينجح مع الصين والهند، وحتى اليابان تدرك أنه لا يمكنها أن تتبع الأمريكيين على نحو أعمى. وقال شيانغ “لا أعتقد أن أحداً يستطيع أن يهيمن على منطقة آسيا والمحيط الهادئ”.
وخلص شيانغ إلى القول: لذلك لن نرى هيمنة دولة واحدة بعد الآن، والتغيير المحتمل الآخر هو مقاربة الحكم العالمي، بحيث ينبغي ألا تكون هناك دولة أو عدة بلدان تهيمن على الدبلوماسية الدولية. يجب أن يكون هناك نهج متعدّد الأطراف. وبعبارة أخرى، لا يمكن لأي بلد أن يضع القواعد للجميع، بل يجب أن تناقش القواعد من قبل جميع اللاعبين.