التوجيهات من خلف المكاتب لا تجدي نفعاً.. ولا يمكن المنافسة بالغش تجربة مستوردة أطاحت بالصادرات الزراعية و8 ملايين خسارة ثلاث حاويات تم تسويقها في موسكو
دمشق– فداء شاهين
تركت تجربة الكوريدور الأخضر “زوبعة” متخمة بالخسارات والسلبيات حالت دون الاستمرار بإبحار المنتجات الزراعية شرقاً، فبدلاً من إسعاف هذه المنتجات وتخفيف الأعباء عن الفلاحين والمصدّرين، فقد جاءت بمنزلة همّ زائدٍ يضاف إلى هموم وزارة الزراعة ليرسو زبد ذاك الحديث عند شاطئ الإيقاف، فبعد حشد الجهود والأموال بقصد أن تكون التجربة معبراً بديلاً عن المعابر التي أغلقتها المجموعات الإرهابية المسلحة، لم تتمكن حتى من كسر الحصار الاقتصادي المفروض على البلاد. ومع أن دراسة الكوريدور الأخضر أخذت وقتاً وجهداً من الفريق المعدّ، وهي على غرار التجربة المصرية، إلا أنها اصطدمت بأمواج وتيارات البحر ليقع الفلاحون ضحية هذا العمل، وتعرضوا للخسارة لأسباب إما أن الدراسة لا تزال تحتاج الكثير من الدقة والواقعية، أو أن التطبيق كان بأيدٍ غير خبيرة وغير مختصة، فضلاً عن ضعف التنسيق بين الجهات المعنية، في حين أن تجربة الكوريدور الأخضر بين مصر والاتحاد الأوروبي نجحت، ونتج عن المشروع زيادة كبيرة بالصادرات المصرية من الفواكه والخضار إلى إيطاليا وعبر إيطاليا إلى أوروبا.
جيدة ولكن..!
لم يخفِ رئيس غرفة زراعة دمشق وريفها وجمعية المصدّرين السوريين للمنتجات الزراعية المهندس عمر الشالط الإشكاليات والصعوبات التي تعرّضت لها شحنات التصدير عبر الكوريدور، وخسارة 8 ملايين ليرة ثمن ثلاث حاويات ضمّت الحمضيات والخضراوات والفواكه تمّ تصديرها إلى روسيا نهاية العام 2015 ولم يتمّ استلام ثمنها حتى الآن، لعدم توفر معتمد لاستلام المال، علماً أن البضائع بيعت في موسكو وكانت جيدة، معتبراً أنه في حال كانت مغشوشة بالفعل لا يتمّ استلامها بالأساس على الباخرة ولهذا السبب توقف التصدير!.
وبيّن الشالط لـ”البعث” أن المادة التي تعرّضت للتلف في الشحنة هي الباذنجان فقط، وذلك نتيجة الجهل في تحديد درجة الحرارة المفترض أن تكون 5 درجات بدلاً من 12 درجة كما حصل وأدى إلى تلف هذه المادة، في حين كان وضع باقي المنتجات جيداً وتمّ بيعها في سوق موسكو، مشيراً إلى أنه وبعد أن أبحرت المنتجات أتى المصدّرون وأخذوا شهادات المنشأ من غرفة زراعة دمشق قبل الإبحار، كما أنه لم يتمّ معرفة أية معلومات عن الجمارك في روسيا أو الدول الصديقة لجهة قيمتها على كل مادة، ومدة الحجر الصحي الزراعي لهذه الدول. كما كان من المفروض على الجهات المعنية -بحسب الشالط- دراسة الأسواق العالمية المستهدفة للتصدير، ومعرفة احتياجاتها وطرق النقل والمدد الزمنية للشحن، ومواصفات المواد المطلوبة لهذه السوق، مشيراً إلى أن التوجه اقتصر على الكلام فقط، دون تعلم كيفية التصدير، والزراعة من أجل التصدير، والتصدير التعاقدي لمعرفة الكمية المطلوبة والوقت المناسب.
يُشار في هذا السياق إلى أن “البعث” حاولت التواصل مع اتحاد المصدّرين السوري لتزويدنا بالتفاصيل عن تجربتهم في هذا المجال إلا أنه لم يتمّ الرد على ما تمّ إرساله لهم من أسئلة؟!.
تقاطع
وتقاطعت هموم ومشكلات بعض مصدّري الخضار إلى روسيا مع ما أورده الشالط، ونقلوا معاناتهم من مشكلات التوضيب والنقل عبر “البعث”، مؤكدين أن عملية التصدير عبر الكوريدور لم تحقّق النتيجة المراد منها، ولاسيما أنها تحتاج للنقل بطرق سريعة، إضافة إلى انعدام توعية الفلاحين بمسألة “الزراعة لأجل التصدير” وضرورة تطبيقها على أرض الواقع لا التحدث عنها في الندوات والمكاتب فقط!!.
لم تنجح
رغم أن فكرة الكوريدور الأخضر اعتمدت نظام الـ(RORO) القائم على أن تدخل الشاحنة بحمولتها إلى السفينة من دون تفريغ وتذهب إلى بلد المقصد للحفاظ على الجودة وتخفيف تكاليف الشحن والتفريغ والحفاظ على البضائع –بحسب معاون مدير التسويق في وزارة الزراعة المهندس عبد الله عتوم– إلا أنها لم تنجح لعدة أسباب منها تأخر الباخرة في البحر وفي الميناء، ما أدى إلى تلف البضائع، علماً أن دور وزارة الزراعة تمثّل بإعداد وتقديم الدراسة في بداية الأزمة وتعميمها على الوزارات المعنية لتطبيق الفكرة، إضافة إلى أنه تمّ إجراء دراسة للأسواق الخارجية المستهدفة مع تزويد الجهات المعنية بقائمة المواد المتاحة للتصدير، في الوقت الذي يتمّ العمل على تطوير جودة المواصفات للمنتجات الزراعية النباتية والحيوانية من خلال تدريب المزارعين والإرشاديين والمهندسين، وتقديم المعلومات عبر الترويج للصادرات السورية من خلال المعارض، حيث إن أهم المنتجات الزراعية التي يمكن المنافسة بها بقوة في الأسواق الخارجية هي “الكمون– الحمضيات– التفاح– زيت الزيتون– الكرز– الرمان- اليانسون– الكزبرة– صوف الأغنام”، مشيراً إلى أن زيت الزيتون والكمون يتمّ تصديرهما إلى أكثر من 40 دولة في العالم.
ولفت عتوم إلى الصعوبات التي تعترض الكوريدور الأخضر، يتصدّرها عدم توفير العبّارات التي تنقل البضائع، وعدم انتظام وجودها في المرافئ السورية، وضعف البنية التحتية في عمليات الفرز والتوضيب، وعمليات ما قبل وبعد الحصاد، ما يستوجب تشكيل لجنة لمراقبة الصادرات الزراعية بهدف تحسين سمعة المنتجات، وتنظيم النقل البري، وتأمين عددٍ كافٍ من السفن والبواخر، ووجود آلية لتنظيم العمل وفتح المعابر البرية، وأن يكون هناك هيئات واتحادات نوعية متخصّصة لتصدير المواد المهمّة القابلة للتصدير.
مساعٍ وشجون
مدير عام هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات الدكتور إبراهيم ميده أكد أن الهيئة سعت إلى دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات من خلال تطبيق مجموعة من الخطط والبرامج عبر التوجّه للقطاعات الاقتصادية الإنتاجية المولّدة للقيمة المضافة الأكبر في القطاعين الزراعي والصناعي منها دعم عقود شراء العنب من المزارعين، ودعم تكاليف التصدير لمواد محدّدة ذات قيمة مضافة عالية ضمن برنامج دعم حوافز التصدير لتغطية التكاليف المتغيّرة للشركات المصدّرة في مطارح الدعم المعتمدة (كهرباء– تأمينات اجتماعية– ضرائب مالية)، إضافة إلى دعم نفقات الشحن الجوي للصادرات السورية بتحمّل الهيئة جزءاً من تكاليف الشحن من قطاعات محددة.
وأمل مدير الشركة السورية الروسية للاستثمار نايف أبو زينة بزيادة التعاون الاقتصادي والتجاري بين سورية وروسيا، وتوضيح الآليات التجارية الناظمة للعلاقات الاقتصادية وتطويرها وعلى رأسها تنظيم علاقة مصرفية خاصة بين البلدين، داعياً إلى إنشاء مناطق حرة صناعية روسية سورية في سورية بحيث تقوم بضخ الاستثمارات الروسية، وتضخ 10% من إنتاجها في السوق السورية.
وتحفّظ الدكتور أكرم حوراني من كلية الاقتصاد في جامعة دمشق على موضوع التقاص المالي بين سورية وروسيا، معتبراً أنه لا يصلح في الوقت الحالي، إذ كان يمكن الحديث عنه قبل 100 عام، مؤكداً وجوب تقديم سلع ذات مواصفات جيدة، ولاسيما إذا ما استذكرنا وجود تاريخ أسود في العلاقة مع مجموعة الدول الاشتراكية عندما تمّ تصدير المربيات إليها، مشيراً إلى أن المنتجات تأتي من جميع دول العالم وبالتالي لا يمكن المنافسة بالغش، بل يجب معرفة القدرة على المنافسة في الأسواق الروسية.