هل كشفت الأزمة سوء أزماتنا النفسية
إذا كانت الأزمات رياحا تعصف فتذرو القش وتظهر حقيقة الحبوب تحتها، فأي نوع من البشر أظهرت الأزمة السورية.. ألم تدهشنا كمية الكراهية والحقد والأنانية والوصولية التي ظهرت لدى البعض من أبناء جلدتنا؟ ألم تظهر الأزمة كمَّاً هائلا من النباتات الطفيلية المتسلقة على أوجاع الآخرين؟ كيف انساق البعض لفكر متطرف لم يكن يوما من ثقافتنا؟ فأي ثقافة مجتمعية وأي تنشئة نفسية أفرزتنا؟ وإن قبلنا مجازا بمقولة “إذا أردت أن تزرع لعام فازرع قمحا ، وإذا أردت أن تزرع لعشرة أعوام فازرع شجرا، وإذا أردت أن تزرع لمئة عام فازرع رجالا” فما المأمول من زرعنا القادم إن كانت بذار اليوم أطفالا شهدوا الدمار والدماء وقطع الرؤوس.. أو عايشوا النزوح والتشرد.. وبأحسن الأحوال فقد تربوا وسط أهوال الرصاص والقذائف؟.. وأي خطط أعددنا لإصلاح نفوس مزقتها الحرب أو كادت؟ فمنذ عقود كانت أعراف المجتمع والتقاليد الأسرية دستورا مصانا، وكان للتعليم هيبته وللمعلم احترامه، ومع ذلك أنتجنا هذا الجيل من المتعنتين ومستبيحي دم الآخر من الفاسدين وتجار الأزمات، فهل كانت تربيتنا خاطئة؟ ومن أي جِبِلَّة ستكون أجيالنا اللاحقة التي فقدت الكثير من القيم أولا، ثم شهدت الحرب لاحقا؟
أين الخلل
كمجتمع شرقي نحن نعاني من مشكلات تربوية واجتماعية عميقة قبل الأزمة وجاءت الأزمة لتجلل تلك النفوس المثقلة بأحمال نفسية إضافية.
المعلمون والمربُّون هم بالأساس أطفال نشؤوا على الغالب في أسر لا تعرف الحوار إلا في مفهومه السطحي.. حوار ما إن يصل إلى نقطة يعارض فيها الابن رأي أحد أبويه حتى تشهر السلطة الأبوية سلاحها القمعي تحت مسمى “الطاعة”.. إذاً كيف لمن تربَّى على غياب الديمقراطية – إن لم نقل على التعنيف – صغيرا، أن يتقبل رأي الآخرين بالغا؟.. كيف لمن نشؤوا على القرارات الفردية أن يتمتع بثقافة الحوار مع من لا يوافقونه فكرا ومعتقدا فيتقبل أفكارهم؟.
نحن بحاجة لإصلاح مجتمع بأكمله بدءا من الأسرة.. بحاجة لترسيخ طريقة التعامل مع الطفل على أنه فرد يملك شخصية مستقلة وليس تابعا لنا.. وهذا لن يتم بقرارات وزارية.. بل يحتاج لأعوام مديدة من التوعية للوصول إلى جيل صلب من الداخل غير مهزوز الثقة.. عندها سنحصل على آباء يصلحون للتربية وعلى معلمين قدوة.