أخبارصحيفة البعث

هل الحرب العالمية على الأبواب؟

 

لم يحدث أن ازدحمت الأساطيل والسفن الحربية في بحار العالم على هذا النحو منذ أكثر من سبعين عاماً، حيث إن وتيرة المناورات في البحار والمحيطات ازدادت بطريقة هستيرية: مناورات في الشرق الروسي يجريها أكثر من 300 ألف جندي روسي وصيني، وأخرى في البلطيق لأسطول الشمال الروسي، وثالثة لـ”ناتو” في بولندا، ورابعة في البحر المتوسط للجيش الروسي، بالتزامن مع مناورات تجريها دول حلف شمال الأطلسي في البحر ذاته، وأخرى بريطانية في الخليج العربي، تقابلها مناورات بحرية إيرانية في الخليج وبحر عُمان.

ما الذي يجري حقيقة؟ وما سبب هذا التحشيد العسكري الغريب في القارات الثلاث، هل تلوح في الأفق نُذر حرب عالمية ثالثة؟.

إن أحداً من المراقبين والمحللين العسكريين لا يستطيع أن ينكر أن هذه المرحلة يسودها شيء من انسداد الأفق بالنسبة للقوى الكبرى في العالم، فالولايات المتحدة الأمريكية بدأت تشعر أن العالم بدأ يتغيّر، وأنها تفقد تدريجياً السيطرة والتحكم في كثير من المناطق في عالم كانت هي المهيمنة عليه اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، فالاقتصاد الذي كانت تتربّع على عرشه لم يعُد متاحاً لها أن تكون القوة الأولى المؤثرة فيه، لأن اقتصادات بموارد بشرية هائلة بدأت تزاحمها على هذا العرش، فالصين التي تمتلك الحصة الكبرى من سندات الخزينة الأمريكية أصبحت بدافع من الحرب التجارية التي فرضتها عليها واشنطن تفكّر جدياً في استخدام هذه الأدوات لمعاقبتها، وكذلك ما يقرب من ربع الاقتصاد العالمي بدأ يتفلّت من عقدة الدولار في تعاملاته التجارية، ما يعني أن الحامل الأساسي للاقتصاد الأمريكي بدأ يهتز، وربما تظهر ارتدادات ذلك في قابل الأيام.

أما سياسياً، فيبدو أن السياسة الهوجاء التي يتبعها ساكن البيت الأبيض دونالد ترامب، بدأت تأتي بنتائج عكسية على كل المستويات، لأنها جعلت حلفاء واشنطن يتوجسون منها، ويخشون أن يكونوا أولى ضحاياها، وخاصة أن واشنطن لا تراعي مصالح أقرب حلفائها، لأن فوبيا السقوط جعلتها تفترض أن إضعاف الجميع هو الحل لبقائها، وهذا التصرّف لا يأتي من عبث، بل تحرّكه قناعات، لذلك نجد أن الأوروبيين بدؤوا يتوجسون من ذلك ويعتقدون –وهم إلى حد ما مصيبون- أن الحليف الأمريكي صار يعمل على تقسيم أوروبا وتفتيتها لإضعافها وتحويلها إلى رافعة للاقتصاد الأمريكي، وهذا بالذات ما يعمل الأوروبيون حالياً على مقاومته، لأنهم لا يشكّون في أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان هدفاً أمريكياً بالدرجة الأولى أو على الأقل بسعي أمريكي.

عسكرياً، تجسّد الصراع على نحو آخر، حيث من المعهود أن تثير واشنطن مجموعة من الأزمات الدولية، وتعمل على عسكرتها وصولاً إلى تشغيل مصانع السلاح الأمريكية، وهذا الأمر كان هدفاً رئيسياً للأزمات المفتعلة في السنوات العشر الأخيرة، ولكن الأمريكي اكتشف متأخراً أنه بدل أن ينعش سوق السلاح الأمريكي ذهب هذا الانتعاش إلى سوق سلاح آخر، وهو السوق الروسي، فصفقات التسليح الكبيرة الآن على مستوى العالم تتجه نحو روسيا، حيث تعاقدت عدة دول آسيوية “الصين والهند” وأوروبية “تركيا” على شراء منظومات الدفاع الجوي الروسية (اس 300 واس 400)، وخرج كثير من الدول من السيطرة الأمريكية في هذا المجال، ما يعني أن سوق السلاح بالكامل بدأت تخرج من يد واشنطن، وهذا ما يجعل ترامب يغضب كثيراً من مجرّد سماع أن الصين التي هي أكبر اقتصادات العالم حالياً تتجه نحو موسكو لشراء أحدث منظومات الدفاع الجوي والطائرات الحربية، ويفرض عقوبات على الصين تحت هذا العنوان وقبلها على تركيا.

باختصار، هناك تضارب كبير في مصالح الدول الكبرى في العالم، تفرضه حاجة أمريكية للبقاء في الذروة، ورفض من جانب آخر للهيمنة الأمريكية على العالم تقوده دول كبرى كروسيا والصين والهند، بمعنى أن هناك معسكرين، أحدهما غربي بدأت بوادر سقوطه تطفو على السطح، والآخر يمكن أن نسمّيه شرقياً يتمثّل في صعود قوي لدول مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي وغيرها من التحالفات الاقتصادية التي ظهرت كرد فعل على الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي، وهذا التضارب يعزّزه انسداد الأفق بالنسبة إلى التوافق السياسي والاقتصادي حول مجموعة من القضايا، ما يجعل الصراع في العالم الآن يتخذ طابعاً وجودياً، أي أن الصراع بين هذه الدول سوف يحدّد طبيعة العالم ومكانة الدول فيه، وإذا لم يتم التوافق سياسياً على جميع القضايا المطروحة وخاصة على صعيد الاقتصاد والتجارة، فإن الحلول العسكرية ستفرض نفسها بالنتيجة، بغض النظر عن المنطقة التي سيندلع فيها هذا الصراع، سواء أكانت الشرق الأوسط أم الأدنى، وإن كانت كل الإشارات تقول: إن منطقة الشرق الأوسط، وخاصة سورية هي التي ستحدّد شكل العالم الجديد، وستفرز القوى الكبرى الجديدة في هذا العالم، فهل أزفت ساعة الحرب؟.

الأمور كلها ستتضح قبل نهاية هذا العام، فإما أن يتوافق العالم على السلام، وإما أن تكون حرب عالمية ثالثة، تنطلق شرارتها في مكان ما، ولا يستطيع أحد أن يتكهّن بأبعادها، ولكن الجميع مدرك أنها إذا اندلعت يجب ألا يكون هو الطرف الوحيد الخاسر فيها، ولن يخوضها أحد في ظل توازن قوى يمنعه من تحقيق النصر، لأن المنتصر هنا سيغيّر وجه العالم.

طلال الزعبي