ثقافةصحيفة البعث

الدراما التلفزيونية اللبنانية والسيارات الصينية

 

عند الحديث عن موضوع الدراما التلفزيونية اللبنانية، يحضر إلى الذهن موضوع بعيد تماما عنها، ويبدو للوهلة الأولى أن لا علاقة بينهما، وهو موضوع صناعة السيارات في الصين!، ولكن ما هذا الكلام؟ وما علاقة فن الميكانيك بفن الدراما؟ ناهيك عن المسافة الشاسعة التي تفصلنا عن ذلك الشعب المسالم.

في العقدين الأخيرين، حققت الصين قفزات جيدة في مجال صناعة السيارات، فبعد الانفتاح الاقتصادي هناك، ذهبت العشرات من شركات السيارات العالمية، طمعا بسوق استهلاكي يُشكل أفراده خمس سكان الكوكب تقريبا، غير أن ذكاء الحكومة الصينية، اشترط على أي مصنع أو شركة، أن تشارك معها شركة سيارات صينية، كشرط رئيسي لمنح الرخص والموافقات، وبنسبة تفوق ال 51% لصالح الشركة الصينية، وهكذا تعلم الصينيون هذه الصنعة، وانفصلوا بشركات لها علامتها التجارية الصينية الخاصة، وبعد تجارب درامية تلفزيونية مروعة، من ذلك النوع الذي أصبح مادة للتندر، إذ يظهر فيها ممثل أو ممثلة لبنانية، يتحدثون بلهجة شاعرية، يقف خلفها بقليل أو العكس، وينظران معا إلى الكاميرا، بعد تلك التجارب قرر صُناع الدراما في بلاد الأرز، أن يستعينوا بُصناع الدراما السورية، فالجار للجار، يغريهم في ذلك أوضاع الحرب في سورية واستعداد الكثير من العاملين في هذا المجال، للعمل عندهم، سيما أن خط بيروت-دمشق، لا يتجاوز طول ال 140 كيلو متر، وهكذا بدأت شركات الإنتاج اللبنانية، بمشاركة صُناع الدراما السورية (وبعض شركات الإنتاج السورية)، على طريقة شركة السيارات الصينية، وذلك على أمل أن تنفصل الدراما اللبنانية لاحقا، بنتاج خاص لها، غير مشترك، بعد أن يلتقطوا “سر المهنة”.

هكذا صرنا نرى مسلسلات تحدث “ديكوريا” في لبنان، بيوت بمفروشات فارهة، أزقة وزورايب مع قرى وبيوت من الحجر الحنون، شاليه تلحس قدميه الأمواج، مع ممثلة لبنانية، كانت “موديل” للأزياء أو متوجة من مسابقة ما لملكات الجمال، ليشتغلوا على نص من تأليف كاتب سوري، ومخرجه أيضا سوري، المصور سوري، والمونتاج يحدث هنا بين ظهرانينا، كل ذلك على أمل أن ينفصلوا لاحقا، بنتاج محلي لبناني صرف لا يشاركهم فيه أحد، على طريقة انفصال شركات السيارات الصينية عن تلك العالمية.

بعد ما يقارب الخمس سنوات من بداية تلك الشراكة الدرامية الإستراتيجية، يبدو الأشقاء لحد الآن بعيدين عن صناعة دراماهم الخاصة، صحيح أنهم حققوا قفزات على صعيد أعداد الممثلين اللبنانيين المشاركين في بعض الأعمال مؤخرا، إلا أن الذين يقفون خلف الكاميرا، وخلف أجهزة الصوت، وأجهزة المونتاج، وأخيرا وليس أخرا من يجلس ليكتب، الأخير هنا الحلقة الأهم في السلسلة، هم سوريون.

عند البدء بأي مشروع من ذلك النوع المشترك، يحدث صدام فني على هذه الطريقة: الأفكار، الرؤية الإبداعية، من السوريين، يقابلها العقلية “الفيديو-كليبية” من الجانب الشقيق، فيظهر المسلسل، أقرب إلى فيديو كليب تعرض للعملقة، بقدرة قادر، بدلا أن يكون ثلاث أو خمس دقائق، يصبح ثلاثين حلقة، ويمكن لأي عمل من ذلك النوع، أن يُختصر إلى خمس دقائق مع أغنية أو بدون.

وهكذا يمكن لمسلسل كامل أن يُختصر إلى فيديو كليب، من الممكن ذكر ثلاثة أمثلة، مسلسل “طريق” (سلام كسيري (إعداد)-رشا شربتجي) يصبح خمس دقائق، رجل يقف بين الأغنام مع بداية الأغنية، يفتح باب سيارة “بورش” –للدلالة على أنه ثري- ويُخرج كيس شعير فاخر، ويطعمها، ثم لقطة تُظهره في محكمة لديه قضية ما، فيعجب بالمحامية، لا ننسى أن الأغنية مسموعة الآن، بعد ذلك لقطات تعبر عن تعارفهما، لقطة يضعان المحابس وتفاصيل العرس، ثم يتناول معها ومع زملائها العشاء، تنظر إليه بإحراج لأنه يتناول المعكرونة أو غيرها بطريقة عفوية، لقطة لشجار في المنزل يصيحان فيه، لقطة له وحيد يسير في الليل، وهي وحيدة عند الكوافير وحزينة، ثم لقطة لأحدهما بجانب حصان وشجره، أو بجانب “فيراري” وشجر، فيظهر الآخر ويتصالحان.

ويمكن لمسلسل “الهيبة” (هوزان عكو-سامر البرقاوي) أن يكون هكذا: امرأة حزينة في مستشفى، وإلى جانبها طفل وزوجها الميت، من النافذة تبدو ناطحة سحاب للدلالة على أنهما في بلد أجنبي، طائرة تقلع من هناك، -أغنية هذا الفيديو كليب مستمرة طبعا-تهبط في لبنان، الدرك يوقف جنازة، ثم شجار بينها وبين أم المرحوم، -ما نسمعه هو الأغنية لكن ما نراه يدل على شجار، بينما كل واحدة منهن تسحب الولد، تُعجب بأخ المرحوم لأن لديه أسلحة وسيارات جيب سوداء، ثم يتزوجان، انتهى الفيديو كليب.

لماذا في كل موسم، يجب على الجمهور أن يكابد ثلاثين حلقة لمشاهدة ما يكفي ليعرض بخمس دقائق؟ وقبله كابد كاتب سوري لتحويل تلك الخمس دقائق القابعة في ذهن المنتج اللبناني إلى ثلاثين حلقة!.

ما ينجح في عالم الصناعة والميكانيك، على طريقة شركات السيارات الصينية، لا ينطبق على عالم الدراما، المحركات والمعادن والإطارات يمكن أن يتم تقليدها، أما في الفنون عموما والدراما خصوصا، فالمسألة تحتاج إلى فنان، يكون خلاصة وعصارة مجتمعه، وعندما ينتقل إلى مجتمع مختلف، يكون أمام أحد احتمالين: إما أن ينتج فنا ينتمي إلى مجتمعه الأول، أو أن يقوم بتوليفة بين المجتمعين، لكن ما يجده الفنان السوري في لبنان، كاتبا أو مخرجا كان، هو أن التجارب الفنية التي جاء بها من مجتمعه، يقابلها ليس فن آخر ومجتمع آخر، بل فيديو كليب.

تمّام علي بركات