مزج بين الهواية والاحتراف المرأة ومهنة التصوير.. إبداع نسائي يكسر احتكار الرجل.. ولمسات فنية تثبت النجاح
خلال سنوات قليلة استطاعت رولا، خريجة معهد الفنون التطبيقية، أن تؤسس مشروعها الخاص الذي كان بمثابة حلم لها، علاقتها بالكاميرا بدأت باكراً عندما كانت تلتقط صوراً أثناء تواجدها مع والدها في استديو التصوير الخاص به، حيث تمكنت من ترسيخ موهبتها في فن التصوير، وتطويرها مع الوقت، وما ساعدها على ذلك دراستها في المعهد الذي تخصصت فيه بقسم التصوير، ما شجعها على التواصل مع الكاميرا بشكل دائم من غير انقطاع، وعلى الرغم من الجدارة التي أثبتتها، إلا أنها مازالت تنظر للموضوع على أنه هواية بالدرجة الأولى، قائلة: وجود سيدة في استديو التصوير يمنح البعض الثقة للوقوف والتقاط الصور.
نساء يثبتن نجاحهن
ربما الخصوصية، والمرونة، بالإضافة إلى الديناميكية التي يتمتع بها المجتمع السوري تجعل منه مميزاً عن غيره من المجتمعات المحيطة به في كثير من المجالات، وبغض النظر عن طبيعة بعض الفئات الموجودة التي يغلب عليها طابع الانطواء والتحفظ، خاصة فيما يتعلق بعمل المرأة فيها، إلا أن المجتمع السوري في العموم كان ومازال يعطي هامشاً من الحرية للنساء اللواتي قد يقمن بمزاولة بعض المهن التي قد يعتبرها البعض حكراً على الرجال كمهنة التصوير الفوتوغرافي التي استطاعت المرأة أن تثبت بممارستها لها أنها قادرة على أن تزاولها بقدر كبير من الحرفية والجمال والمهنية شأنها شأن الرجل، وأكبر دليل على ذلك ارتفاع أعداد السيدات اللواتي يمتهن هذه المهنة، واللواتي أصبحن نلحظ وجودهن في استديوهات التصوير.
مزج بين الهواية والاحتراف
غالباً ما كانت الناس تتفاجأ عندما تدخل إلى استديو تصوير، وترى أن المصور سيدة، وفي الحقيقة البعض كان ينسحب بطريقة فظة، والبعض بطريقة ألطف بداعي العودة لاحقاً، وبالتأكيد لا يعود، فالكثير من الأشخاص كانوا لا يثقون بمزاولة النساء لمهنة التصوير الفوتوغرافي، بهذه الكلمات بدأت السيدة سماح حديثها لنا عن تجربتها التي باتت تقارب العشرين عاماً بمجال التصوير، متابعة حديثها: اليوم أصبح الموضوع أكثر يسراً وسهولة، ففي البداية كان عملي مقتصراً على تصوير حفلات الأعراس والمناسبات التي يمنع حضور الرجال فيها، فكان لابد من أن تكون المصورة سيدة، ما منحني الكثير من الخبرات والمهارات مع الوقت، خاصة أن التصوير بالنسبة لي كان عبارة عن مصدر رزق، ولذلك كان الأمر يتطلب الكثير من التركيز، والحرص، والأمانة، وهذه صفات ضرورية جداً لا يمكن لأي محترف تصوير ألا يمتلكها، فالسمعة الحسنة هي رأسماله الوحيد، ويسعدني جداً أن النظرة تغيرت تجاه المرأة المصورة، ما أعطاها الكثير من الثقة لتكمل عملها، وربما الحرب علّمت النساء السوريات دروساً قاسية جداً، من أهم هذه الدروس ضرورة أن تتعلّم المرأة الاعتماد على نفسها في كل شيء، وأن تجرب إلى جانب دراستها أن تتعلّم حرفة قد تكون سنداً لها في حياتها، وهذا ما أعلّمه الآن لبناتي اللواتي ربيتهن بمفردي، وكل هذا كان بفضل احترافي لمهنة التصوير.
الكاميرا صديقتي أينما ذهبت!
استطاعت سناء توثيق أقسى وأجمل اللحظات التي عاصرتها في مدينتها (حمص) أثناء الحرب، وها هي اليوم توشك على المشاركة بمعرض هناك يوثق لحظات لا يمكن لأحد نسيانها، فيها الكثير من الألم عن مشاهد كانت قاسية، وغايتها من ذلك توثيق يحمل الكثير من الصدق لما حدث من جرائم بحق مدينتها من قبل الإرهابيين، تقول سناء: الصورة هي أبلغ وأصدق تعبير، فهي قد تغنيك عن كتابة مجلدات كاملة لما تحمله من حقيقة وواقعية اللحظة، ولطالما كانت الصور هي البطل الرئيسي في كتابة تاريخ أية منطقة أو مدينة أو بلد، وهذا ما أحاول فعله، وما يساعدنا على ذلك التطور التكنولوجي الحاصل الذي سمح لأي شخص، هاوياً كان أو محترفاً، من أن يصور في أي وقت وتحت أي ظرف كان، لقد حصلت على أول كاميرا عندما كنت في السابعة عشرة من عمري، وكانت في وقتها هدية مميزة، ومنذ ذلك الوقت وهي صديقتي في كل لحظات حياتي، وها أنا اليوم استطعت افتتاح استديو خاص بي، خاصة أنني لم أستطع الحصول على وظيفة، مع العلم أنني تخرجت في كلية الآداب، قسم لغة عربية، منذ أكثر من عشر سنوات، لذلك أقوم اليوم، بالإضافة إلى إعطاء الدروس الخصوصية في منزلي، بممارسة مهنة التصوير التي أتمنى أن تلقى اهتماماً أكبر.
وفي النهاية إذا توفرت الإرادة لدى الإنسان، بغض النظر عن جنسه، يستطيع أن يحقق ويثبت لنفسه قدرته الدائمة على العطاء، وعلى إدهاش الغير، وهذا حال المرأة السورية اليوم التي تحاول بكل إمكاناتها وطاقاتها أن تثبت وتؤسس مكانة مميزة لها في المجتمع، محاولة تجاوز كل الصعوبات والعوائق التي يمكن أن تقف في طريقها، والتي قد تكون أبرزها بعض العادات والتقاليد البالية، لذلك دعم النساء في أي مشروع أو خطوة يقدمن عليها هو الأهم اليوم، والمرأة السورية أثبتت نفسها على نطاق أوسع كمخرجة ومصورة منذ عشرات السنين، وتميزها ليس بالأمر المستجد عليها، فالدراما والمسرح والسينما تعج بأسماء أهم المخرجات السوريات على مستوى الوطن العربي اللواتي كن على الدوام سباقات ومتقدمات على غيرهن من نساء المحيط، لذلك حمل المرأة للكاميرا، سواء للتصوير الفوتوغرافي، أو وجودها خلف الكاميرا كمخرجة، ليس بالأمر الجديد عليها، وهذا ما يجعل المرأة السورية مميزة في أي مجال، فلا يمكن الحديث أو الإضاءة على أي أمر مميز وحضاري إلا وملاحظة وجود وحضور مميز لها، فهي دائماً في الصف الأول أينما حلّت، حيث إنها تعتبر النموذج الحضاري والمتألق الذي نفتخر جميعاً بانتمائنا إليه.
لينا عدرة