الثروة الحيوانية في أرقام توجب الاهتمام لا الاتهام
تتعرض الثروة الحيوانية في قطرنا لتراجع متسارع منذ سنوات، بدلاً من النمو المتصاعد الواجب التحقيق، فإحصاءات وزارة الزراعة تظهر أن مجموع عدد الأبقار (بأنواعها الثلاثة المحلية والشامية والأجنبية والمحسنة) قد بلغ /1168328/ رأس عام /2007/، وبدلاً من التزايد المتتابع عاماً بعد عام، حدث العكس وانخفض هذا العدد إلى /883789/ عام /2016/، علماً أن النقص كان على أقله في الأبقار المحسنة التي تتراوح نسبتها بين 70 – 80 % من مجموع الأبقار، بل حصلت عليها زيادات طفيفة في أعوام 2011 حتى عام 2014.
والحالة نفسها موجودة بالنسبة لأعداد رؤوس الأغنام، التي تناقصت من /22865366/ رأساً عام 2007 إلى 13809923 عام 2016، أما أعداد الماعز بنوعيها الشامي والجبلي الذي يشكل 97% فقد خالفت الاتجاه، إذ ارتفعت أعدادها من 1561256 رأساً عام 2007 إلى 2294239 رأساً عام 2013 ولكنها استأنفت الهبوط إلى أن بلغت 1583184 رأساً عام 2016. والذي خالف الاتجاه أكثر هو الجاموس، حيث ارتفعت أعداد رؤوس الجاموس من 5651 عام 2007 إلى 7196 عام 2016. واللافت للانتباه أن أعداد رؤوس الجمال التي يأكل لحمها ويشرب حليبها شريحة غير قليلة من المواطنين لم ينتابها نقص بل حققت زيادة من 27358 رأساً عام 2007 إلى 58715 رأساً عام 2014، ولكنها شهدت انخفاضاً ملحوظاً في عامي 2015 – 2016.
كما أن أعداد الحيوانات الزراعية الخيول والبغال والحمير التي تخدم العمل الزراعي، تناقصت أعدادها من 125929 رأساً عام 2007 إلى 95225 رأساًَ عام 2016 إذ انخفض عدد البغال من 4115 رأساً عام 2007 إلى 2368 رأساً عام 2016، وانخفض عدد الحمير من 107431 رأساً عام 2007 إلى 76968 رأساً عام 2016 ولكن أعداد رؤوس الخيول الخدمية تراوحت صعوداً وهبوطاً بين 14383 رأساً عام 2007 و15889 رأساً عام 2016. واللافت للانتباه أن الخيول العربية الأصيلة التي لا تدر لحماً ولا حليباً ولا تخدم العمل الزراعي بل هي للرفاهية والمناسبات لم تتناقص بل تزايدت تتابعياً بدءاً من 2927 رأساً عام 2007، إلى أن أصبحت 6547 عام 2016.
كما تبين الأرقام أن إنتاج الدواجن قد تعرض بأنواعه إلى النقص المتتابع، وكذلك إنتاج الثروة السمكية، ومن المؤكد أن هذا التراجع الملحوظ في نمو أعداد أنواع الثروة الحيوانية، قد واكبه بالتوازي تناقص في كمية اللحوم والحليب الناتج، فقد هبطت كمية اللحوم الناتجة عن البقر والغنم والماعز من 277242 طناً عام 2007 إلى 206249 طناً عام 2016، وأيضاً هبطت كمية الحليب الناتجة من 2679596 طناً عام 2007 إلى 2098476، ولا جدال أنه قد ترتب على هذا التراجع سلبيات كبيرة، بدلاً من الإيجابيات التي كانت ستترتب على النمو المطلوب الذي يحتاجه تزايد النمو السكاني.
وعلى الأغلب قد تظهر أرقام عامي 2017 – 2018 – حال صدورها – بعض الزيادات الملحوظة في أعداد رؤوس الثروة الحيوانية، إذ من المفترض أن نرى بعض التحسن بتأثير جهود مديرية تنمية الثروة الحيوانية ومشروع تطويرها، وخاصة بعد تتابع استتباب الأمن في الكثير من المناطق التي تربي الثروة الحيوانية.
هذه الأرقام التي أصبحت بين يدي المواطن والمسؤول توجب التمعن بها ملياً من كليهما، واجتناب لجوء أي منهما لتحميل الطرف الآخر الخلفيات التي تسببت بذلك، والخطأ الكبير يتم عندما يعمد البعض للاستفراد بوزارة الزراعة وتحميلها أسباب ونتائج ذلك، فهذه الأرقام توجب الاهتمام لا الاتهام، لأن تناقص الثروة الحيوانية يعود لأسباب عديدة، وفي طليعتها هذه الهجمة التكفيرية التي يتعرض لها قطرنا منذ سبع سنوات، فكما فتلت البشر والحجر، قتلت أيضاًً الغنم والماعز والبقر، عبر قطعانها الضارية في كل مكان سكنوه، ومهربيهم في كل حي دخلوه، ومن خلال كل حد عبروه، وإثر كل أسرة مربية تهجرت مكرهة، ففقدت سكنها وفقدت معه ثروتها الحيوانية أو استشهد معظم أفراد أسرتها، أو انتابها ما أضعف قدرتها على الاستمرار بتربية حيواناتها، وما أكثر هذه الأسر. فوزارة الزراعة معنية والاتحاد العام للفلاحين معني وغرفة الزراعة معنية، ووزارة الإدارة المحلية معنية عدا عن كثير من الجهات، ويبقى المواطن في المرتبة الأولى.
كل الأمل معقود على تحقق تنمية الثروة الحيوانية تتابعياً، تواكباً مع تحرير كامل تراب سورية من الإرهاب، وتلمس مواطنينا أهمية هذه الثروة، التي تؤسس للنهوض في الاقتصاد الوطني، نظراً لدورها الكبير في تحقيق الأمن الغذائي المنشود، من خلال عشرات المواد الاستهلاكية المتنوعة التي تنتجها الثروة الحيوانية، والتي يندر ألا تكون إحداها مادة استهلاك يومية أساسية على طبق جميع الأسر فقيرها وغنيها، عدا عن أن نمو هذه الثروة يشكل دعماً كبيراً للإنتاج الزراعي، من خلال استخدام مخلفاتها كسماد عضوي مديد الفاعلية وآمن صحياً، بدلاً من السماد الكيماوي الآني الفعالية الغالي الثمن والمتعدد المخاطر.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية