خلافات بريكست تهدد “المحافظين”
عقد حزب المحافظين البريطاني مؤتمره السنوي، أمس، في مدينة برمنغهام، وسط انقسامات بداخل الحزب حول “بريكست”، بينما تواجه المفاوضات حول خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي مأزقاً، ما يسبب انقسامات عميقة حول الاستراتيجية التي يجب اتباعها قبل ستة أشهر من الموعد المحدد لـ “بريكست”.
وستعمل رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، التي أضعفها رفض القادة الأوروبيين خطتها مؤخراً، على توحيد الحزب تحت قيادتها، بينما يحاول أنصار القطيعة الواضحة مع المفوضية الأوروبية فرض وجهة نظرهم.
وقبيل المؤتمر، وجهت ماي رسالة للمشاركين قالت فيها: “نحترم القرار الذي اتخذ من قبل البريطانيين لمغادرة الاتحاد الأوروبي واستعادة السيطرة على أموالنا وقوانيننا وحدودنا”، لكن من غير المتوقّع أن تكشف ماي، التي تختتم المؤتمر الأربعاء، كيف ستعيد النظر في خطتها، كما طلبت المفوضية الأوروبية، مع اقتراب القمة الأوروبية التي ستعقد في 18 و19 تشرين الأول.
ويرى الخبير السياسي سايمن هاشروود، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ساري، أن من المحتمل أن “تعدّل ماي موقفها بعد المؤتمر وليس خلاله، لأنها إذا قدّمت تنازلات الآن، فستبدو ضعيفة وتحت ضغط الاتحاد الأوروبي”.
وكانت رئيسة الوزراء البريطانية قد أكدت أن “خطة تشيكرز”، التي قدّمتها، وتدعو إلى إقامة علاقة تجارية وثيقة مع الاتحاد الأوروبي عبر إبقاء القواعد المشتركة، هي “الاقتراح الجدي والصادق الوحيد”.
وقبل يومين من المؤتمر انتقد وزير الخارجية البريطاني السابق بوريس جونسون، في مقال نشره في صحيفة “تلغراف”، خطة ماي لـ “بريكست”، واقترح التفاوض على اتفاق للتبادل الحر، ورأى أن خطة ماي “إهانة أخلاقية وأدبية” و”كارثية”، معتبراً “أنها تجبر المملكة المتحدة على مواصلة القبول بقوانين وقواعد ورسوم الاتحاد الأوروبي.. دون أن تكون لها كلمة في الأمر”.
والموقف نفسه عبّر عنه النائب جاكوب ريس موغ، ووزير “بريكست” السابق ديفيد ديفيس، اللذان يدافعان عن اتفاق للتبادل الحر مثل الاتفاقية التي وقّعت بين الاتحاد الأوروبي وكندا.
وقال النائب مارك فرنسوا العضو في مجموعة البحث الأوروبي (يوروبيان ريسيرش غروب) المؤيدة لـ “بريكست”: “كان من الأفضل أن تلتفت إلى اتفاق للتبادل الحر بدلاً من عرض اقتراحها على مجلس العموم ومواجهة هزيمة”.
وذكرت المجموعة أن ماي التي لا تملك سوى أغلبية ضئيلة في البرلمان، أصبحت تحت رحمة تمرد نوابها.
وفي وقت سابق، اعتبر جونسون أن ماي “طوّقت البلاد بحزام انتحاري”، وأضاف: “إن المباحثات الحالية حول بريكست بقيادة ماي، تبدو مهينة جداً”.
وفي تموز الماضي عرضت ماي خطة نصّت على خروج بريطانيا من السوق الموحّدة مع إنشاء منطقة تبادل حر جديدة للبضائع ومنتجات الصناعات الزراعية مع الاتحاد الأوروبي، تقوم على اتفاق جمركي ومجموعة من القواعد المشتركة، ولكن المشروع واجه معارضة قوية من دعاة “بريكست”، إذ اعتبروا أنه ينحرف عن نتيجة الاستفتاء، الذي أفضى إلى الخروج من الاتحاد، ووصف جونسون خطتها بأنها “مختلة”، بينما قال ديفيز: إن مقترحاتها “خطأ”، وذلك في إطار هجوم منسّق على رئيسة الوزراء، التي تقوّضت زعامتها الهشة بدرجة أكبر.
إلى ذلك أظهرت دراسة أن قرار بريطانيا الانسحاب من الاتحاد الأوروبي “بريكست” كلّف الحكومة 500 مليون جنيه استرليني (650 مليون دولار) أسبوعياً، ليمحو في الوقت الحالي أي وفورات قد تتحقق في المستقبل بعد وقف المدفوعات للاتحاد.
وقال مركز الإصلاح الأوروبي، وهو مجموعة أبحاث تركز على الاتحاد الأوروبي: إن الاقتصاد البريطاني حالياً أصغر بنحو 2.5% عمّا كان سيكون عليه لو وافق الناخبون على البقاء في الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء الذي أجري في حزيران 2016.
واستندت النتائج إلى تأثيرات القرار على الاقتصاد حتى نهاية حزيران 2018.
وتقلّصت المالية العامة للدولة بواقع 26 مليار استرليني سنوياً، بما يوازي 500 مليون استرليني أسبوعياً، والرقم في ازدياد، حسبما ذكر المركز.
وكان فريق ماي يأمل أن يعطيها مؤتمر الحزب فرصة لتجديد تعهداتها بمساعدة الناس “الذين بالكاد يدبرون حياتهم”، ومحاولة جذب الانتباه بعيداً عن الخروج من الاتحاد الأوروبي إلى البرامج الداخلية، لكن إعلانها جباية ضريبة إضافية على مشتريات الأجانب للمنازل لم تساعدها في ذلك، وعاد الاهتمام لينصب على الخروج من الاتحاد الأوروبي واحتمال إجراء انتخابات مبكرة.
وبسبب هذه الخلافات، يرى روبن بيتيت الأستاذ في جامعة كيغستن في لندن أن المؤتمر سيشهد صراعاً على النفوذ بين كبار شخصيات الحزب، وقال: “حالياً لا يريد أحد أن يحل محل ماي حتى لا يضطر لمعالجة “بريكست””، وأضاف: “لكن سيكون هناك الكثير من المؤامرات، وسيحاول كل واحد أن يضع نفسه في موقع القائد المقبل”.