ثقافةصحيفة البعث

ندوة “الترجمة ودورها في الحفاظ على التنوع الثقافي واللغوي”

 

واصلت ندوة الترجمة أعمالها لليوم الثاني حيث تحدثت في الجلسة الأولى -التي أدراها الأديب مالك صقور- د.نورا آريسيان حول “دور الترجمة في التنوع الثقافي” من خلال تناول مفهوم التنوع الثقافي في إطار الأمم المتحدة حيث قالت: أصبح التنوع الثقافي أكثر ظاهرة متواجدة ومتداولة في الكثير من المجالات، ونظراً لما للترجمة من دور في ترويج التنوع فإنه من الممكن التدليل على ضرورة وضع سياسة للترجمة على المستوى العالمي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن السياسة والتخطيط اللغوي مرتبط بالتحولات الاجتماعية، إذا استطعنا أن نضمن استمرار قدرة لغات العالم على البقاء، فعلينا أن نجد طرقاً تمكننا من تحقيق هدفين وهما: حفظ أو صون التنوع اللغوي بحماية اللغات وتنشيطها، والترويج لتعددية اللغات والترجمة وذلك من خلال وضع سياسات على المستوى الوطني.
وأضافت آريسيان: لا بد من الإشارة إلى أن الترجمة غير مقيدة بحدود اللغات ومفرداتها وقواعدها، وتلعب دوراً مهماً في دفع تطور الحضارة الإنسانية والتمازج الثقافي لندرك ونؤكد على أهمية التنوع الثقافي في ظل العولمة. أما من المنظور المحلي حيال التنوع الثقافي في سورية فلم يغب مفهوم التنوع من الأطر القانونية والفكرية واللغوية، وقد ضمنت سورية هذا التنوع في الدستور وحفظت وكفلت حقوقه باعتباره تراثاً وطنياً يعزز الوحدة الوطنية، ومفهوم التنوع الثقافي يطرح أفقاً لهوية متنوعة أو مركبة ينبغي الوقوف عندها، وقد ارتبط مفهوم التعددية الثقافية بظاهرة التنوع التي يعكسها واقع المجتمع السوري ليجسد حالة المساواة لجميع المواطنين الذين يحتفظون بهوياتهم وأصولهم فيعلو مفهوم المواطنة كمبدأ جامع لكل الشرائح الاجتماعية وفق مبدأ سيادة القانون وأعطت مثالاً عن العلاقة بين اللغة الأرمنية والعربية كنموذج.
وأكدت على المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق المترجم في نقل ثقافات الشعوب وذلك يبرز الدور الأكبر للترجمة في التبادل الثقافي والتنوع الثقافي واللغوي، واقترحت أن تقوم أقسام الترجمة في جامعاتنا بإحياء يوم التنوع الثقافي يتم فيه تبادل الكتب المترجمة بهدف إبراز أهمية تعزيز التنوع الثقافي وتعدد اللغات والثقافات.

الانفتاح اللغوي
وعن أهمية التطور اللغوي والثقافي الذي نشأ بفضل الترجمة قال د.جمال شحيد في حديثه عن “الانفتاح اللغوي والثقافي في الترجمة”: إننا لا نكتب العربية حالياً كما كانت تُكتب في العصر العباسي، ولا في القرن التاسع عشر إذ كانت العربية مثقلة بالمحسنات البديعة وبالسجع، ونكتب النثر بطريقة مرسلة طليقة من كل زخرف وتصنّع، ولا نكتبها بأسلوب طه حسين -رغم معاداة الأزهر له- بقي متأثراً بلغة الأزهريين جزئياً. وعن الترجمة والتطور الثقافي أضاف: لم تؤثر الترجمة في المفردات بل أيضاً في المفاهيم والأفكار، فعن طريق الترجمة تم استيعاب ثقافات الشعوب المترجمة من لغاتها وهضمها. كما لم تعرف الترجمة في ديار العرب قفزة نوعية، كي تحرك الواقع الثقافي والمعرفي المتخشب والمتكلس رغم كل الجهود المبذولة، ورغم ذلك حركت المترجمات العربية المياه العربية الراكدة على أكثر من صعيد، وساهمت الترجمة في إطلاق شعر الحداثة في أوروبا. ولفت د. شحيد إلى أن الترجمة حوار إثرائي بين لغتين وثقافتين وتهدف إلى تمتين العلاقة بين الذات والآخر وقال عنها الشاعر الرائي رامبو “أنا هو الآخر”.

المثاقفة ودورها
وعن الترجمة والمثاقفة قالت د. ميسون علي أنها مجموعة من الظواهر الناتجة عن احتكاك مستمر ومباشر بين مجموعات من الأفراد، وأكدت على ضرورة التمييز بين المثاقفة والتغير الثقافي، فالمثاقفة ليست سوى شكل من أشكال التغير الثقافي، الذي ينشأ لأسباب داخلية ولا ينبغي الخلط بين المثاقفة والتماثل الذي يجب أن يفهم على أن المرحلة النهائية من مراحل “المثاقفة” هي مرحلة من النادر بلوغها.
وعن علاقة الترجمة بالمثاقفة قالت د.علي: ترتبط الترجمة بالمثاقفة من زاوية تواصلية إذا تتخذ شكل أداة للتواصل الثقافي، كما أنها ترتبط بها من زاوية معرفية لتغدو فعلاً معرفياً يساهم في إغناء الثقافات، ومن زاوية إيديولوجية لأن الترجمة تتحول إلى فعل يدعم الغزو الثقافي، وترتبط الترجمة من زاوية ما تتعلق بإشكالية “الهوية”. ومن هنا تبدو العلاقة بين الترجمة والمثاقفة متجهة إلى تشييد رؤية معرفية غايتها محو وإلغاء كل تصور سلبي يجعل المثاقفة فعلاً ينبني على الإلغاء والتفاضل.
وعن كيفية إسهام الترجمة في المثاقفة؟ أجابت د.علي أنه عبر تحديد بعض القنوات التي من خلالها تسهم الترجمة في تنمية المثاقفة منها: قناة التواصل والتفاعل والحوار المجتمعي، الهوية والاختلاف، التنمية الأخلاقية، فمثاقفة التنوع الثقافي هي التي تجعل للترجمة دوراً رديفاً لأنها تبقيها حيوية الأداء ليس في عصر العولمة فحسب وإنما في ما يمكن أن تتطور إليه البشرية، فهي توفر الأمان لهويات الشعوب كما تحمل على الدوام أسمى مضامين الحرية، وتتخذ من الديمقراطية نهجاً ومضموناً فعلياً وإيحائياً وتقوم في جوهرها على الاختلاف وترفض الكيان الأوحد والأنموذج الأوحد.

الترجمة والعولمة
وعن الترجمة والعولمة الثقافية قال د. حسام الدين خضور: العولمة عملية تفاعل وتكامل بين الناس والشركات والحكومات، توجد ثلاثة أنماط رئيسية للعولمة سياسية واجتماعية ثقافية واقتصادية. وقد ساعدت العولمة على زيادة الوعي الثقافي بمساعدة الناس على إدراك كم هو مهم معرفة التراث الثقافي وهذا يتضمن تفاعلا بين الأمم والثقافات والأعراق المختلفة مما يعني الكثير من التنوع. وفي الحقيقة العولمة لا تحب الانعزال وتطلب من كل ذي شأن أن يقدم ما لديه، بل وتذهب إليه بكل عظمتها وتكلمه بلغته وتتفنن في إبراز خصائصها لتحمل السلعة التي تعرضها منتجاً كانت أم خدمة. وما يميز الترجمة في هذه الحقبة أنها غدت تتخلل نسيج حياتنا اليومية وأصبحت أوسع استخداماً إلى درجة لا نستطيع عزلها حتى غدت لغة العالم واقعياً.
وأضاف خضور: بقدر ما تتشعب مشكلات الترجمة المعاصرة تجد حلولاً بالتعاون مع المؤسسات اللغوية في اللغة الأم وفي تجارب الشعوب وعليه ربما كانت العلاقة بين الجهات المعنية بالترجمة ومجمع اللغة العربية ضرورية وهي مفيدة للجهتين لأن تعاونهما سيجد حلولاً عملية تغني لغتنا وتجعلها أكثر قدرة على التفاعل الإيجابي مع اللغات التي تتعامل في الشرق والغرب.

الأدب المقارن
في الجلسة الثانية التي أدارها د.فريد الشحف تناول الأديب مالك صقور موضوع “الترجمة والأدب المقارن” حيث قال: ينهض الأدب المقارن على الترجمة فهي العمود الفقري له، وتضاعفت في أيامنا هذه أهمية الترجمة الأدبية في عالمنا المعاصر مع زيادة حركة الاتصال بين الشعوب وزيادة إتقان اللغات الأجنبية بحيث شكلت هذه الترجمات تياراً هاماً إلى جانب الأدب المقارن، مما جعله يحتل مكانته في جامعاتنا، كما يولي المقارنون أهمية خاصة لدراسة الترجمة ذاتها، لأنها هي أساس الحظوة التي لاقاها الكتاب والشعراء لدى الشعوب التي ترجمت كتبهم إلى لغتهم وبها يُعرف مدى تأثر الكتاب الآخرين بهم في تلك البلدان، كما يولي المقارنون الانتباه إلى الاختلاف بين الأصل والترجمة ولهذا الاختلاف معناه وسببه من اختلاف ذوق العصر أو الأمة التي ترجم لها، ومن اختلاف أغراض المترجمين اجتماعية أو ذاتية.
وعن دور الترجمة في تطوير الأدب المقارن قالت الباحثة ناهد تاج هاشم: شكلت الترجمة الجسر الذي يربط بين الثقافات والرافعة لتأثرها ببعضها البعض، وأسهمت في إغناء النتاج الثقافي الإنساني وكان من أهم هذه الإسهامات أنها وضعت الأساس لظهور تخصصات كالأدب المقارن، كما ساهمت في تعريف العالم بأعمال كبيرة ودراسة تاريخها وأثرها على الثقافات المختلفة، وما لذلك من أثر في المثاقفة وهدم الهوة بين الشعوب والانتقال من فكرة التبعية وفق النمط الاستشراقي لفكرة التعددية والأخذ والعطاء أو الثقافة الهجينة كما يسميها إدوارد سعيد، كما استطاعت الترجمة أن تسهم في خلق واقع ثقافي جديد وفهم ثقافات الشعوب المستعمرة، وفي مقاومة السرد الاستعماري من خلال فتح الفضاء أمام آداب الشعوب المستعمرة أمام فضاء عالمي راح يعترف بهذه الآداب وبالتالي ينصت لصوتها.

الاستعارة
وقدمت د.لميس إسماعيل عمر ورقة عمل بعنوان “الاستعارة حسب النظرية المعرفية” حيث قالت: الاستعارة ذات بنية مفاهيمية مؤلفة من ثلاثة مكونات: الأصل والهدف ووجه الشبه بينهما، وأهم أسس الاستعارة متركزة في المحاور الآتية: استعارة ذات طبيعة عالمية قائمة على تجسيد العمليات الفكرية، واستعارة ديناميكة ذات محتوى ثقافي وفردي متنوع حيث لا توجد مفاهيم ذات محتوى دلالي موضوعي ومجرد صرف.
وعن ترجمة الاستعارة قالت أستاذة الترجمة: الاستعارة عملية فكرية تسهم في الإثراء اللغوي والمعرفي للثقافات، وهذا يقتضي أن ترجمة الاستعارة من القضايا المحورية التي يجب إيلاء الأهمية لها في سياق الحديث عن دور الترجمة في الإثراء الفكري واللغوي والثقافي.
ويساعد مبدأ عالمية الاستعارة المفاهيمية على عملية نقلها عبر اللغات دون الحاجة إلى تطبيق انزياح أو ضياع في أي من مكوناتها الأساسية في معظم الحالات، وحسب مبدأ التعرض المتكرر للمفاهيم والأفكار الجديدة تصبح الاستعارة أكثر استساغة وقابلية للذوبان في منظومتنا الفكرية والثقافية الأمر الذي قد يخلف أثراً على معتقداتنا وطريقة تفكيرنا، وهذا يطرح مسألة توخي الحذر في ترجمة بعض المفاهيم المجازية ذات الطابع الثقافي والتقليدي والتي قد تحمل في طياتها تغييراً في القيم الثقافية والأخلاقية للغة الهدف.
وفي نهاية الندوة كرم مدير الهيئة العامة للكتاب د.ثائر زين الدين كل من الأدباء: د.نورا آريسيان، مالك صقور، ناهد هاشم، د.ميسون علي، د.فريد الشحف، د.لميس عمر، د.زينب منصور، د.جمال شحيد، د.لبانة مشوح، د.حسام الدين خضور.
علا أحمد- جمان بركات