“نصيبنا” ليس ضربة حظّ؟
حدث اقتصادي وسياسي أيضاً، عنوانه العريض “معبر نصيب الحدودي مع الأردن”.. مالئ الدنيا وشاغل الحكومات حالياً في هذا الإقليم القلق.. وإن أفصح بعضهم وبقي آخرون يترقبون بصمتٍ على خبث.
لكنه على أي حال سيُشرع أبوابه لـ”رياح التجارة” القادمة من مضمار الجار الأردني وما قبله… الأردن الذي أبدت حكومته ورجال أعماله إصراراً لافتاً – ومريباً – على افتتاح بوابة “النصيب” بعد تحريرها من الإرهاب، وفي الوقت ذاته كانت احتجاجاتهم صاخبة عندما أعلنت وزارة النقل السورية عن رسوم جديدة لعبور الشاحنات.. فهل هي الرغبة بأن تبقى سورية “تكيّة” لتوزيع الهبات والعطايا على الجيران والأشقاء العابرين، ثم لماذا لم نسمع أصواتهم عندما كان ممراً لعبور قطعان المخرّبين؟!.
لا بأس فنحن اليوم أمام صفحة جديدة يُفترض أن تكون بيضاء، بما أن لهذا المعبر الاستراتيجي خصوصيته الاقتصادية أكثر من خاصّيته السياسية، وفي الحالتين لا غرابة من إضفاء النفحة البراغماتية على طريقة إدارته واستثماره، فلا الاقتصاد ولا السياسة يقومان على الوجدانيات التي “لا تطعم خبزاً” كما يُقال.
من هنا وبمناسبة افتتاح المعبر، لا بد من البدء بإعادة ترتيب الأوراق القديمة في العلاقات الاقتصادية مع الجوار، فما بعد أزمتنا ليس كما قبلها، ولهذا المعبر حكاية طويلة مع الشركاء لا بد من لحظ تفاصيلها، فنحن أبناء اليوم.. ولليوم حسابات مختلفة تمليها الوقائع الجديدة.
لعلّ بعضنا لا يعلم أن ليس “نصيب” هو المعبر، بل أراضي الجار الأردني هي المعبر الحقيقي الرحب لعدد كبير من الدول باتجاه المضمار السوري.. فمنه دخلت وعبرت بضائع ” إسرائيل” صوبنا في زمن تطبيقات منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، تحت عباءة شهادة المنشأ الأردني، ومنه أيضاً عبرت قوافل النسيج –الإسرائيلية أيضاً – بلبوس مصري، أو ليست الأخيرة مرتبطة مع “إسرائيل” بـ “اتفاقية كويز الشهيرة”؟!.
لقد كان المعبر لهم ولجيرانهم، وليس لنا وفق حسابات الاقتصاد الحقيقية، إن تحدّثنا بقيم العائد المباشر وغير المباشر، بدليل “الطرق العنيد” على أبواب نصيب صراخاً لإعادة فتحه منذ أن عاد إلى سيادة الدولة السورية.
بعيداً عن سرديات الماضي الكئيب، نعتقد أنه بات لدينا الآن ما يبيح تحويل رجحان الكفّة لصالحنا، وهذا ليس من المحرمات الاقتصادية، فقناة السويس عماد رئيس لواردات مصر بالقطع الأجنبي، ويجب أن يكون معبر نصيب مثلها رغم فارق النسبة والموقع.
المعبر كان ذا أهمية بالغة كبوابة عبور، للغير أكثر من أهميته للجانب السوري، إلّا أن الاعتبار المادّي هو المثقّل الأهم في حسابات المصالح السورية، وسيكون له ريعيّة وعائد هائل بعد تحرير إدلب والحدود السورية التركية، ولا سيما معبر باب الهوى، لأنه صلة الوصل البريّة الأهم على الإطلاق بين دول الخليج وتركيا، ثم أوروبا وبالعكس، والمطالبات الملحّة لفتحه كانت خليجيّة أغلب الظن، تمّ إطلاقها بالصوت واللكنة الأردنية.
على العموم هذا الممر الاستراتيجي هو ورقة رابحة بالغة الأهمية، كما هي بالغة الحساسيّة، ولعلنا أمام امتحان جديد لأداء مرفق الجمارك، الذي سيتصدّر موظفوه قائمة الأوصياء على المعبر، فالمستجدات لا تقبل الإبقاء على الذهنية القديمة البائسة، ولا بد أن يكون لخزينة الدولة من “نصيبنا” النصيب الأوفر، دون ضياعات في متاهات الفساد التقليدي التي بدّدت المليارات تلو المليارات!!.
ناظم عيد