بعيداً عن المسكنات والخطابات موسم التفاح في السويداء.. سباق تسويقي في مضمار الوعود.. وجهات في امتحان الالتزام بالمهام والمسؤوليات
ليست بحالة جديدة تأخر الجهات المعنية بالتسويق في اتخاذ القرارات التي تطمئن الفلاح على موسمه الزراعي، ورغم الاجتماعات شبه اليومية التي تعقد على كافة المستويات ابتداء من الحكومية، وصولاً إلى الجمعيات الفلاحية، والخطابات (الصميديعية)، ونقصد بها الخشبية التي تنهال في تلك الاجتماعات عن دور الفلاح والقطاع الزراعي، وأهمية التسويق، وغيرها من خطابات، إلا أن تلك الجعجعة لم تعط طحناً حتى اللحظة!.
ولا شك أن عدم البت بقرارات تهم المزارع ومنتجه الزراعي يندرج في خانة الوعود التي اعتاد عليها المزارع، وأوصلته إلى قناعة سد أذنيه عن سماعها، وهي كثيرة كإقامة مجمعات تنموية، وتشغيل شركات تصنيع العصائر، وعقود تسويقية، ومصدرين لمواسم التفاح مهما كانت كميته، كلها تصريحات متكررة لوزارة التجارة الداخلية، والنتائج المحققة حتى الآن توزيع نحو 200 ألف صندوق بلاستيكي على مزارعي السويداء دون تحديد أسعار أو آليات عمل، فهل يحتاج الأمر لكل هذا التخبط، نتساءل ويتساءل المزارعون؟!.
خسائر فادحة
مشكلة تسويق التفاح ليست بجديدة، فهي متجددة كل عام في ظل عدم وجود إجراءات واضحة وحقيقية لحلها من قبل الحكومات المتعاقبة التي كانت كالحالية تجيد تسكين الأوجاع بالوعود، ولكن الجديد هذا العام أن 50% من المنتج تندرج في خانة المشوه نتيجة موجة البرد التي تعرّضت لها الأشجار، وهذا يجعل من عملية تسويقه معقدة جداً، خاصة إذا وقع الفلاح فريسة التجار الذين ينتظرون مثل هذه الفرص لاصطياد المنتج بأبخس الأسعار، يشير هنا رئيس اتحاد فلاحي السويداء إحسان جنود موضحاً سعي وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لتفعيل عمل شركة عصير الجبل التي من المفترض بها استقبال كامل التفاح المصاب من المزارعين، والذي تزيد كمياته عن نصف الموسم المنتج لهذا العام، بتشكيل مجلس إدارة جديد للشركة يجمع بين القطاعين العام والخاص، لافتاً إلى أن هذه الخطوة منقوصة، إذ يجب أن تتبعها خطوة ثانية ينتظرها عشرات المزارعين على ساحة المحافظة، وهي تشغيل الشركة، واستجرار التفاح المتضرر أو المصاب، وخاصة أن المجلس يتم تشكيله للمرة الثانية، ومع ذلك مازالت عجلة العمل متوقفة، علماً أن هناك 50% من التفاح المتضرر في المحافظة، وبقاء الشركة متوقفة سيوقع المزارعين بخسائر مالية فادحة جراء تدني أسعار التفاح المصاب مقارنة مع ارتفاع مستلزمات الإنتاج من جهة، كما أن التعويضات عن الأضرار التي لحقت بالموسم مازالت تدرس لدى وزارة الزراعة، ولم يتم اتخاذ القرار بها حتى اللحظة، وأكد جنود ضرورة الإسراع باتخاذ القرار لأن عملية تسويق التفاح باتت على الأبواب، ويجب إصدار التسعيرة بأسرع وقت، وتفعيل مجلس إدارة شركة عصير الجبل، وتحريك عجلة الإنتاج بها بأية طريقة قانونية لإنقاذ الموسم والفلاح على حد سواء.
تشوهات بالبرد
طبعاً يقف التجار والسماسرة الآن متفرجين بانتظار ساعة الانقضاض على الموسم في لحظة عجز متوقعة من قبل القطاع العام، وحالة استسلام الفلاح لقدره بعد أن أنهى ما يترتب عليه من واجبات تجاه منتجاتهم الزراعية، تلك الواجبات التي تبدأ من بداية فصل الربيع، حيث عمليات التقليم، وحراثة الأرض، ومروراً بعمليات الرش والمكافحة الحيوية، وصولاً إلى انتظار موسم القطاف، تلك الواجبات التي كبدتهم الكثير من المال والوقت والجهد لضمان وصول منتجهم الزراعي إلى بر الأمان، هذا البر الذي لا يمكن الوصول إليه مع وجود مجموعة من التجار والسماسرة الذين أعينهم دائماً ترنو إلى أكل البيضة من هذا الموسم، وترك “تقشيرتها” للفلاح في أحسن حالات عطفهم عليه وحنانهم، خاصة أن واقع المنتج صعب، والذي يشرحه مدير زراعة السويداء أيهم حامد بالقول: تعرّض موسم التفاح لثلاث موجات من البرد خلال الشهرين الرابع والخامس، الأمر الذي أدى إلى حدوث تشوهات كبيرة في الثمار ازداد وضوحها مع ازدياد حجم الثمرة، موضحاً أن هذه الإصابات انعكست انعكاساً كبيراً على تصريف المنتج!.
هيئات تسويقية
الإجراءات المتخذة على أرض الواقع بعيداً عن المراسلات والورقيات والخطابات توزيع ما يزيد عن 200 ألف صندوق بلاستيكي على مزارعي التفاح بغية استجرار المادة، كما بيّنت مديرة فرع الشركة السورية للتجارة في السويداء المهندسة هيام القطامي، مؤكدة وجود مساع حقيقية لاستجرار كامل إنتاج المحافظة من التفاح.
انتهى كلام القطامي لنشير إلى دراسة أجراها الدكتور يوسف جزان من قسم الاقتصاد في كلية العلوم السياسية حول أهمية التسويق الزراعي الذي له عدة قنوات أهمها إنشاء هيئات تسويقية للتسويق الخارجي والداخلي، والعمل بما يتناسب مع العرض والطلب من جهة، وأن تكون لها صفة بحثية علمية تبدأ من رأي المستهلك وذوقه، وطلب السوق حتى التوضيب والتخزين والتسويق، والأسعار المحلية والدولية، والاهتمام بالتخطيط التسويقي، واعتماد الزراعات النظيفة، وإيجاد صناعات لثمار التفاح، إضافة إلى الصناعات الحالية، حتى يـستثمر كامل الإنتاج من التفاح المصاب بالبرد، أو صغير الحجم، أو الذي لا يلقى أسواقاً للتصريف الطازج، وكذلك اعتماد نشر عملية تجفيف ثمار التفاح غير الملائمة للاستهلاك، وخلطها مع ثمار أخرى كالمشمش والأجاص والكرز والزبيب، وغيرها لتستخدم كشراب طبيعي لتكون بديلاً عن الشراب الصناعي.
منافسة عالمية
تعتبر مشكلة التسويق من أهم المشاكل التي تعاني منها منتجاتنا الزراعية في ظل الافتقار إلى وجود أسواق هال نظامية في السويداء، وفي مراكز المدن، وعدم وجود آليات للتدخل من قبل الجهات الحكومية والمنظمات في أوقات ذروة الإنتاج الزراعي، وذلك فيما يتعلق بالسعر، وتوفير أجهزة ومعدات ولوحات ميدانية لقياس الرطوبة، ودرجة الحلاوة والحموضة، واللون، والآثار المتبقية، وتكليف جهات رسمية بالعمل عليها في إطار حماية المستهلك، وكذلك عدم وجود قاعدة بيانات للمنتجات الزراعية (طازجة ومصنعة) على مستوى المؤسسات، ووحدة الإنتاج، وغياب حملات الإعلان والترويج، وعدم الاهتمام بالتصنيع الزراعي للاستفادة من القيمة المضافة عبر إقامة المنشآت الصناعية، والاهتمام بعمليات التعبئة والتغليف والتوضيب وفق ذوق المستهلك، رغم الميزات الكبيرة التي يتمتع بها منتج محافظة السويداء، وامتلاكه سر منافسة للتفاح العالمي بكل أصنافه.
وحول تلك الميزات العالمية يقول “حاتم أبو رأس”، رئيس غرفة زراعة السويداء: إن سبب جودة تفاح السويداء ومنافسته للتفاح العالمي يعود لعدة عوامل أولها أن زراعة التفاح في المحافظة هي زراعة طبيعية بعلية تعتمد على مياه الأمطار، حيث يبلغ متوسط الهطول المطري السنوي في مناطق الزراعة نحو 525مم، وثانيها أن التربة البازلتية ذات المنشأ البركاني تحتفظ بالرطوبة بطريقة جيدة، وهذا ما ينعكس بدوره على جودة ثمار التفاح من حيث زيادة نسبة المواد الصلبة الذائبة فيه، والسكريات التي تصل نسبتها إلى 20%، ومن ثم انعكاس ذلك على القدرة التخزينية للثمار، كما أن انتشار زراعة هذه الشجرة، بدءاً من ارتفاع 1200 متر وحتى 1800 متر عن سطح البحر، يوفر لها في الشتاء إضاءة وسطوعاً شمسياً جيداً، إضافة إلى العدد الكافي من ساعات البرودة التي تزيد عن 2000 ساعة برد، كما يوفر هذا الارتفاع للأشجار تعرّضها للأشعة فوق البنفسجية في الصيف، وهو ما يكسبها لوناً وطعماً ونكهة مميزة، ما يجعلها من أفضل الأصناف التجارية الرئيسة في العالم، كما أن الرطوبة النسبية في شهري حزيران وآب تساعد فيما يعرف بظاهرة قطف الندى التي تمتاز بها الحجارة البازلتية السوداء، وهو ما يساهم في تحسين صفات الثمار من حيث الحجم واللون.
بالمختصر المفيد
باختصار، الجهات المعنية متحمسة وفق تصريحاتها الإعلامية، والقرارات التي تنتج عن اجتماعاتها لإيلاء القطاع الزراعي الأهمية القصوى، وإن كان ذلك ليس لسود عيون الفلاح كما يقال، بل لأن هذا القطاع هو المولد الأكبر لفرص العمل في ظل هذه الظروف، والمولّد الأهم للمواد الأولية للكثير من الصناعات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يجدها المختصون الحل الأنسب لتعافي الاقتصاد الوطني، والمفيد هنا أهمية دعم الفلاح فعلاً لا قولاً عبر إيجاد قنوات لتصريف إنتاجه وبأسعار مجزية بعيداً عن الأسعار الموضوعة حالياً بانتظار تصديقها من رئاسة مجلس الوزراء، والتي لا تزيد عن سعر تكلفة الإنتاج، أي ما يضعه الفلاح خلال العام من مصاريف تحت مسمى مستلزمات الإنتاج، ولكن لابد أيضاً من تحقيق هامش ربح له يؤمن له حياة قريبة من الكريمة، أو ضمن الحدود الدنيا لها في موازاة حبيبات العرق التي يسكبها طيلة العام.
وفي المحصلة، إذا كان الجميع مهتماً بإيجاد الحلول، يبقى الأهم أن يتلمس المزارع نتائج هذا الاهتمام واقعاً ملموساً بعيداً عن الخطابات والتصريحات التي مازالت حتى اللحظة لا تسمن ولا تغني من جوع، وكلها تصب في خانة تسكين الأوجاع، وتسكيت الأفواه!.
رفعت الديك