تأخر صدوره أتاح المجال لسيطرة الغير.. غياب قانون التأمين يدخل المحاكم التأمينية في متاهة التناقضات
دمشق – فاتن شنان
على الرغم من مضي قرابة العام على قرار إحداث المحاكم التأمينية بموجب القانون رقم 5 لعام 2017، إلا أن عملها لا يزال يشوبه الكثير من التناقض والتخبط، بحسب الإحصائية الأخيرة لعدد الحالات المسجلة والمفصولة في هذه المحاكم، ولعل غياب المبادئ الأساسية اللازمة لتكون محاكم متخصصة ذات خبرة ومهنية عالية تمتلك كافة العوامل للبت والسرعة المطلوبة في أي نزاع تأميني يعرض عليها، هي أولى العثرات التي تواجهها بحسب المستشار القانوني أحمد نمير الصواف، الذي قدم قراءة معمقة لعمل المحاكم التأمينية خلال عام من إحداثها في ندوة التأمين أمس في الهيئة العامة للإشراف على التأمين، إذ حاول الإشارة إلى مواطن الخلل في عملها والإشكاليات التي تعترضها، بغية تسليط الضوء عليها ومعالجتها لتحقيق مصالح السوق التأميني وجميع المتعاملين بهذا المجال.
تقصير قانوني
بيّن الصواف خلال الندوة أن صدور هذا القانون في ظل غياب تشريع خاص بالتأمين يحكم وينظم العلاقات والتعاملات، ويضبط النزاعات بنصوص قانونية آمرة في قطاع بحجم قطاع التأمين، وازدياد أعماله ذات الصلة بالتعاملات التجارية والصناعية وغيرها، أبقى التشريعات على شكل قرارات ومراسيم تشريعية، وبالتالي بقي عمل المحاكم التأمينية محدد بالقوانين العامة التي يدخل في موادها نشاط التأمين بكافة مجالاته كالقانون المدني، وقانون الشركات، وقانون السير، وقانون أصول المحاكمات المدنية والجزائية، وبالتالي فالمحكمة تقوم باختيار المواد الواجبة التطبيق على النزاع المعروض أمامها للبت فيه.
تجاوزات
وفي دارسة مفصلة لبعض القرارات الصادرة عن المحاكم التأمينية، بيّن الصواف وجود بعض التناقض في الأسس القانونية التي تبنى عليها الأحكام، إضافة إلى إلزام جهة التأمين بمبالغ تتجاوز حدود مسؤوليتها المحددة بوثيقة التأمينات وبالتشريعات واجبة التطبيق، وساق الصواف مثال على ذلك القرار رقم 1 بالدعوى أساس 1 لعام 2017 الصادر عن محكمة بداية الجزاء في تدمر، إذ تجاوزت المحكمة بهذا القرار بشكل كبير حدود مسؤولية التأمين لجهة التعويض المادي، وبالأرقام قدم الصواف إحصائية لعدد الدعاوى المسجلة في دفتر قيد المحكمة التأمينية بدمشق لعام 2018 والتي بلغت نحو 1210 دعاوى لغاية 18 أيلول الماضي، في حين بلغت الدعاوى المفصولة بقرارات بدائية حسب دفتر الفصل 401 دعوى لغاية التاريخ ذاته.
تناقضات
وأرجع الصواف أسباب صدور مثل هذه القرارات لعدد من العوامل، أولها عدم وجود كادر قضائي مدرب ومؤهل بكافة تفاصيل العمل التأميني والقوانين المتعلقة به فنياً وإجرائياً، مشدداً على ضرورة تأهيل القضاة قبل تعيينهم في المحاكم التأمينية على غرار قضاة المحاكم المصرفية ومحاكم جرائم المعلوماتية والاتصالات، إذ نص القانون رقم 9 لعام 2018 على ضرورة التدريب والتأهيل قبل التعيين بشكل صريح، بينما أُهمل البند في قانون المحاكم التأمينية، إضافة إلى غياب تشريع خاص بشكل قانون موحد خاص بالنزاعات التأمينية يتضمّن مواد آمرة تلزم المحكمة بتطبيقها وتخضع لرقابة محكمة النقض باعتبارها محكمة قانون تصدر اجتهادات قضائية على القوانين، وتكون واجبة الاتباع من محاكم الدرجة الأولى والثانية، الأمر الذي دفع بقضاة التأمين إلى اللجوء للقواعد العامة في القانون المدني وبعض التشريعات المتفرقة لتكون الأساس القانوني الذي تستند عليه القرارات الفاصلة بالنزاع المعروض أمامها، والتي هي بحد ذاتها بحسب الصواف متناقضة في كثير من الحالات، كالإشكالية القانونية التي سببها قرار رئاسة مجلس الوزراء رقم 1915 لعام 2008 المتعلق بإجراءات التقاضي وحدود التعويض عن الأضرار الناشئة عن حوادث السير، فعلى الرغم من تحصين هذا القرار بالكثير من التعاميم والاجتهادات القضائية لإعطائه صفة التشريع الآمر، إلا أن معظم المحاكم لا تزال تعتبره غير ملزم لها كونه لا يعدل أو يلغي أحكام المسؤولية المنصوص عنها بالقوانين كقانون السير من جهة، إلى جانب تفويض القرار الجهات ذات العلاقة بتحديد بدلات التعويض التأميني وشموليته من جهة أخرى، وبالتالي تبقى المواد التي نصت على أن حق المتضرر تجاه التأمين محدد بالمبالغ المذكورة بالعقد التأميني معطلة وغير فعالة أمام النصوص القانونية المعمول بها.
خلاصة القول
وخلص الصواف إلى أن الأجدى العمل على إصدار قانون خاص بالتأمين بالدرجة الأولى لضبط عمل المحاكم، إضافة إلى إجراء دورات مكثفة لقضاة المحاكم التأمينية بكافة أنواع التأمين، ودورات تدريبية لمحامي شركات التأمين لزيادة خبرتهم في مجال قوانين التأمين.
تأخر صدوره أتاح المجال لسيطرة الغير.. غياب قانون التأمين يدخل المحاكم التأمينية في متاهة التناقضات