حرب غير مسبوقة وتصدٍ غير مسبوق (2)
د. مهدي دخل الله
بعد شرح بعض الخصائص التي جعلت من الحرب على سورية نمطاً غير مسبوق في المقال السابق، تجدر الإشارة إلى معادلها المقابل، أي التصدي الذي كان غير مسبوق أيضاً..
1- توقف الدول أثناء الحرب أي تطوير أو إصلاح لمنظومتها السياسية والحقوقية، إلا أن سورية أدهشت خبراء الحرب، ليس أنها حافظت على المسار الطبيعي للحياة السياسية، وإنما قامت بإصلاحات بنيوية (الدستور – قانون أحزاب – إعلام – إدارة محلية)، وباشرت فوراً بالتطبيق دون تأجيل (انتخابات برلمانية في وقتها 2012و2016، انتخابات رئاسية 2014، انتخابات إدارة محلية 2018).. الانتخابات الرئاسية جرت بين ثلاثة تيارات (يمين، يسار الوسط، يسار)، حيث نجح يسار الوسط ما يؤكد أن الشعب في سورية يميل إلى الاعتدال حتى في الإيديولوجيا ناهيك عن الدين.
2- إن تنظيم الدولة عادةً يضعف في الحرب، لكن الوضع في سورية كان عكس ذلك، إذ إن الدولة عززت وجودها في المناطق الآمنة، ونظمت الحياة بكل مكوناتها لدرجة أنك قد تكون قريباً جداً من أشرس المعارك، وتشعر أن الحياة طبيعية حيث أنت، بما في ذلك الغذاء والأسواق، بل ومرابع التسلية..
3- توقف الدول أثناء الحرب نشاط المعارضة، أما في سورية، فقد تم تشكيل عدة أحزاب معارضة أثناء الحرب، وهم ينشطون بشكل علني، ويجرون لقاءات على التلفزيون الرسمي، بل إن أعضاء من أعدى أعداء الشعب السوري (معارضة الرياض) مقيمون بشكل عادي في دمشق، ويسافرون لعقد اجتماعاتهم، ويعودون دون أن يزعجهم أحد. أتساءل هل كان تشرشل يسمح أثناء الحرب العالمية الثانية بمعارضة مدعومة من هتلر؟ ألم يقل لمعارضته الوطنية: «عليكم أن تصمتوا طالما هناك حرب»، على الرغم من أنها معارضة معادية لهتلر؟.
4- الدول أثناء الحرب تلغي العمل بالقوانين العادية، وتضع ما يسمى بقوانين الحرب بما في ذلك المحاكم الاستثنائية وحالة الطوارئ، بل إن جريمة غش أو بيع لحوم فاسدة يمكن أن يكون الحكم عليها بالإعدام العلني (ليتهم يفعلون هذا عندنا)، أما سورية فقد ألغت مع بداية الحرب حالة الطوارئ والمحاكم الاستثنائية..
5- إن الجيوش النظامية خسرت حروبها في حرب العصابات. فرنسا خسرت في الجزائر، وأمريكا خسرت في فيتنام، أما انتصار الجيش الروسي في الشيشان، فكان في إطار حرب محدودة وصغيرة نظراً لمساحة روسيا الشاسعة. في سورية كانت حرب عصابات إرهابية شاملة ومدعومة بقوة من أقوى دول الناتو، لكن الجيش السوري ينتصر عليها مسجلاً أول انتصار لجيش نظامي على حرب عصابات بهذا الحجم غير المسبوق، قد يكون السبب وراء هذه المعجزة تلاحم الشعب مع الجيش تلاحماً تفاعلياً وعملياً لا مجرد شعار.
6- في الحروب ينتقم المنتصر من أعدائه انتقاماً شرساً، أما في سورية، فقد كانت سياسات (الباصات الخضراء) والمصالحات تجربة جديدة لم تشهد مثلها الحروب من قبل.
mahdidakhlala@gmail.com