صناعة الموت.. صفقات الأسلحة الأمريكية
ترجمة: سمر سامي السمارة
عن موقع: FPIF 27/9/2018
طوّر تجار الأسلحة التابعون لنا نموذجاً تجارياً يتغذى على الحرب والإرهاب والفوضى، وعدم الاستقرار السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان. فقد أدى قصف السعودية لحافلة مدرسية في اليمن في 9 آب 2018 إلى مقتل 44 طفلاً وجرح الكثيرين. ضرب الهجوم على وتر حساس في الولايات المتحدة، حيث تواجه الجمهور الأمريكي مع الوحشية المتعمّدة للحرب التي قادتها السعودية على اليمن، عندما كشفت “سي إن إن” أن القنبلة التي استُخدمت في الغارة الجوية كانت من صنع شركة “لوكهيد مارتن” الأمريكية لصناعة الأسلحة، طالت فظاعة الرعب الكثير من الأمريكيين.
يتكرّر حدوث قتل وتشويه المدنيين بأسلحة من صنع الولايات المتحدة في المناطق التي تدور فيها الحروب في جميع أنحاء العالم، ما يعني أن القوات الأمريكية مسؤولة بشكل مباشر عن الخسائر المدنية التي لا تُحصى في جميع حروب أمريكا، كما أنها أكبر مصدر للأسلحة في العالم.
حينها ألقى البابا فرانسيس باللوم علناً على “مصانع الموت” لإذكاء “حرب عالمية ثالثة”، حيث يستخدم المجمع الصناعي العسكري الأمريكي “تأثيراً غير مبرر” على السياسة الخارجية الأمريكية التي حذّر الرئيس أيزنهاور الأمريكيين منها في خطابه الوداعي في عام 1961.
كانت الحروب الأمريكية على أفغانستان والعراق و”الحرب العالمية على الإرهاب” بمثابة غطاء لحدوث زيادة ضخمة في الإنفاق العسكري الأمريكي. بين عامي 1998 و2010 أنفقت الولايات المتحدة 1.3 تريليون دولار على حروبها، ولكن أكثر من ذلك، 1.8 تريليون دولار، لشراء طائرات حربية جديدة، سفن حربية وأسلحة، معظمها لا علاقة لها بالحروب التي كانت تشنّها. تهيمن الشركات الأمريكية الخمس (رايثيون، ونورثروب غرومان، ولوكهيد مارتن، وبوينغ، وجنرال دايناميكس) على تجارة الأسلحة العالمية، حيث جنت أرباحاً بقيمة 140 مليار دولار من مبيعات الأسلحة عام 2017، وتشكل مبيعات التصدير حصة متزايدة من أعمالها التجارية وصلت إلى 35 مليار دولار في عام 2017.
وفي تقرير جديد لـ Code Pink وDivest من “حملة آلة الحرب”، قمنا بتوثيق استخدام المملكة العربية السعودية و”إسرائيل” الممنهج للأسلحة التي تنتجها هذه الشركات الأمريكية الخمس لقتل المدنيين وتدمير البنية التحتية المدنية وارتكاب جرائم حرب أخرى. كان قصف الحافلة المدرسية الأحدث فقط في نمط ثابت للمجازر التي ترتكبها السعودية والغارات الجوية على أهداف مدنية، ابتداء من المستشفيات إلى الأسواق، وتتبع مبيعات الأسلحة الأمريكية لـ”إسرائيل” نمطاً مشابهاً.
تقتضي القوانين الأمريكية تعليق مبيعات الأسلحة للدول التي تستخدمها بطرق غير قانونية، لكن وزارة الخارجية الأمريكية لديها سجل فظيع في تطبيق هذه القوانين وبتأثير من مساعد وزير الخارجية بالإنابة “تشارلز فولكنر”، العضو السابق في جماعات الضغط المؤيدة والداعمة لشركة رايثيون، فإن الوزير بومبيو قدّم شهادة زائفة للكونغرس حول امتثال السعودية والإمارات العربية المتحدة للقانون الأمريكي في استخدامهما للأسلحة الأمريكية.
تبيع الولايات المتحدة أسلحة للمملكة العربية السعودية وحلفاء آخرين لإبراز القوة العسكرية الأمريكية بالوكالة من دون وقوع الخسائر العسكرية الأمريكية، تنتج ردة فعل سياسية داخلية معاكسة، ومقاومة دولية عن الاستخدامات المباشرة للقوات العسكرية الأمريكية، في حين أن زيادة مبيعات الأسلحة للحكومات المتحالفة تعزّز المصالح الصناعية العسكرية للولايات المتحدة.
هذه السياسات المدفوعة بمزيج من المصالح العسكرية-الصناعية، يمثلها الآن وزير الخارجية بومبيو، مساعد وزيرة الخارجية بالإنابة فولكنر، ومجموعة من الديمقراطيين المتشدّدين الذين يصوتون باستمرار مع الجمهوريين حول قضايا الحرب والسلم. إنهم يضمنون أن “الطرف المؤيد للحرب” يفوز دائماً بمعاركه في الكونغرس بغض النظر مهما كانت كارثية سياساته في العالم.
سخر الجمهوريون من عقيدة الرئيس أوباما للحرب السرية وحرب الوكالة بأنها “القيادة من الخلف”، لكن إدارة ترامب فاقمت إستراتيجية أوباما الفاشلة، وسلّمت المزيد من السلطة لعملاء أجانب مثل السعودية و”إسرائيل”، ولـ”التأثير غير المبرر” للمجمع الصناعي العسكري الأمريكي.
تجني شركة لوكهيد مارتن 29.1 مليار دولار كمبيعات من صفقة الأسلحة السعودية التي تبلغ قيمتها 110 مليارات دولار والتي تمّ الإعلان عنها في أيار 2017، وهي الصفقة التي عُقدت في الوقت الذي كانت الحرب تقتل آلاف المدنيين في اليمن. ومع ذلك، لا يوجد أي تضارب في المصالح واضح لمديري شركة لوكهيد مثل رونالد بيريلو، الذي شارك في فعاليات عامة للترويج للحرب والدفاع عن السعودية وحلفائها، معتبراً أن على الولايات المتحدة “مساعدتهم لإنهاء المهمة” في اليمن.
كما تبيّن ارتباط بوينغ، ثاني أكبر منتج للأسلحة في الولايات المتحدة والعالم بعد لوكهيد مارتن بهلاك مئات المدنيين في اليمن.
تمّ العثور على أجزاء من صواريخ بوينغ “جاي دام” في الحطام الناتج عن الهجمات على سوق بالقرب من العاصمة اليمنية صنعاء عام 2016 التي أسفرت عن مقتل 107 مدنيين، من ضمنهم 25 طفلاً. ووجدت هيومن رايتس ووتش أن الغارة الجوية تسبّبت بهلاك مدنيين بعشوائية بشكل متعمد، في انتهاك لقوانين الحرب، ودعت إلى تجميد مبيعات الأسلحة للسعودية.
لجني أرباح من الحروب على بعض من أفقر الشعوب وأكثرهم ضعفاً في العالم، من اليمن إلى غزة إلى أفغانستان، قامت رايثيون ونورثروب غرومان ولوكهيد مارتن وبوينغ وجنرال دايناميكس بتطوير نموذج أعمال تجارية يتغذى على الحرب والإرهاب والفوضى، وعدم الاستقرار السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان وتجاهل القانون الدولي وانتصار النزعة العسكرية على الدبلوماسية، حيث تشكّل الدبلوماسية الحقيقية الرامية لإحلال السلام ونزع السلاح في عالمنا الذي مزقته الحرب “التهديد” الأكبر على أرباحها. لكن الشعب الأمريكي لم يصوّت أبداً لتحويل الحصة الأكبر من ضرائبنا لحرب لا نهاية لها وأرباح تتنامى باطراد لـ”صناعة الموت”.
لقد حان الوقت للعملاق النائم، وهو ما وصفه الرئيس أيزنهاور بأنه “المواطن المنتبه والمطّلع على بواطن الأمور”، للاستيقاظ من سباته، وتحمّل المسؤولية عن السياسات الخارجية لبلدنا والعمل بحزم من أجل السلام.