في صناعة القرار..!
لعلّ الرّصانة تقضي بأن نرى القرارات الحكوميّة تنسال على أرض الواقع أفعالاً، وتُترجم تنفيذاً، لا تردّد فيه، لأنّها تستمدّ قوّتها من مضامينها، وتتّكئ على الأسباب الموضوعيّة التي أدّت إلى استصدارها، بعدما أناطت بالجهة صاحبة الاختصاص دستوريّاً وقانونيّاً تنفيذها، واعتمدت الأذرع والأدوات المناسبة عملانيّاً لوضعها على سكّة التّنفيذ..! إذ إنّ قوّة القرارات ورصانتها؛ تتأتّى من إمكانية تسييل فائض سلطة المؤسسات وتحويلها إلى أفعال، في فضاء من الهيبة والالتزام من المعنيّين بها، وعدم مخالفة مشمولاتها، وما تتطلبه من ديناميات تنفيذيّة وخطوات إجرائيّة. أمّا الذين يتسرّعون تارةً، ويتردّدون طوراً، في اتّخاذ القرار فإمّا أنّهم على ضعف ذاتيّ في القدرات والإمكانات؛ ما ينعكس انسياباً لهذا الضّعف مع حبر قراراتهم، وتنتُشُ بذور الفشل في تربة بياناتهم ومعلوماتهم التي استقتها واستندت إليها تلكم القرارات، أو أنّهم يفتقرون إلى فرق دعم القرار، أو للاستشارات الاحترافيّة والبطانة الكفوءة المؤهّلة، أو للأذرع والأدوات الجديرة بتسييل الإرادة في جوّ من الثّقة، والإقدام، والثّبات.
وثمّة قرارات تظلّ نصوصاً جامدة غير قابلة للحياة، أو أوراقاً مُلقاةً في أضابير ومصنّفات، دون أن يعيرها أحدٌ اهتماماً، أو يهمّ شخصٌ بتطبيقها؛ إنّها من دون شكّ: قرارات تنمّ عن هشاشة المأسسة وحضورها الخجول- في أحسن الأحوال- في بنيويّة الجهة التي أصدرتها، وكذا بؤس الأهداف التي تضمّنتها، ناهيك عن هزالة الأذرع والأدوات المستخدمة وعجزها؟! وحريٌّ ههنا بصاحب القرار -أنّى كان موقعه التّنفيذي- أن يضع نصب عينيه أنّ ما من شيء يخصم من الرّصيد المعنويّ للمؤسسة ويُحيله إلى أصفار؛ كالقرارات العصيّة على التّطبيق لاصطدامها بصخور الواقع الكأداء، أو بحيثيّات مُستولدة من رحم أزمة، وكذا القرارات التي تستبطن مزاجيّة أو شخصانيّة، والتي ينعكس أثرها على الشّريحة المستهدفة بها، فإذا ما لاقت مثل هذه القرارات حظّاً في التّنفيذ، وقدراً من التّطبيق؛ فإنّها لا تخدم غرضاً، ولا تُحقّق هدفاً، ذلك أنَّ الصّيغة العلمية لاتخاذ القرارات تقضي بأن تُصنع في مطبخ علميّ احترافيّ، وتُصاغ ممّن يحيطون بأبعادها، ويدركون أهدافها، ويُحكمون عباراتها، ويقيسون من ثمّ قابليتها للتّنفيذ، قبل استصدارها؛ بما هي جزء من تخطيط يتنافى مع منطق المصادفة والتّجريب، وما يخاله البعض إثباتاً للذّات في سوق التّجاذبات..!
والحال أنّ صناعة القرار المرتبط بالشّأن العام ليست مهنةً يسيرة، أو ملكةً سهلة المنال، فهي مهمّة تتطلب تأهيلاً عالياً، وسعة أفق، وتجربة ثرّة، وشخصيّة حصيفة عركتها الأيام، وأنضجتها السّنون علماً وعملاً، وقبل هذا وذاك إيماناً بدولة المؤسّسات، والعمل بروح الفريق الواحد المتكامل!
أيمن علي
aymanali66@hotmail.com