المواجهة الصامتة و”العتاد” الناعم
بالفعل، إن “المعركة الحقيقية المقبلين عليها هي إعادة التأهيل لشرائح كانت حاضنة للفوضى والإرهاب لكي لا تكون ثغرة يتمّ ضرب استقرار سورية مستقبلاً من خلالها”.
هي الجملة التي وردت في سياق حديث الرفيق الأمين العام للحزب السيد الرئيس بشار الأسد خلال الاجتماع الدوري للجنة المركزية، ولامست نواة وجع حقيقي “هامد” ومغلّف حالياً بصخب تزاحم الأحداث، وتسارع التطوّرات على الأرض.
هو الدور الاجتماعي والمجتمعي الجديد والطارئ الذي لا بد أن ينهض به الحزب والمنظمات، وكل المؤسسات التي من الممكن أن تؤدي دوراً ما بحكم اختصاصها أو قربها من الاختصاص في هذا الاتجاه، وحتى المفاصل وقادة الرأي في المجتمع.. أي إننا أمام استحقاق مجتمعي متكامل نتوزّع مسؤولياته الثقيلة جميعاً.
والواقع نبدو اليوم أمام حاجة ماسّة للأدوات والمختصين في العلوم الاجتماعية، للاضطلاع بدور فاعل باتجاه إعادة التأهيل النفسي والمعنوي والذهني، لمن انزلقوا في متاهات التخريب، وكذلك من لفحتهم الأزمة بقسوة، وباتوا بأمسّ الحاجة للدعم النفسي، ليس تضليلاً، بل بناءً على وقائع حية وثوابت نفخر بها، ونقاط مضيئة مازالت تحتضنها وتزخر بها سورية، رغم كل ما لحق بها من دمار وخراب.
هي مهمة واسعة الطيف لجهة مضمارها الأفقي المفترض، ولا بدّ أن نبحث عن الكوادر القادرة على النهوض بها في سياق المؤسسات والمنظمات القائمة، وربما لا نفتقر إلى مثل هذه الكوادر، لكنها محيّدة عن الفعل الإيجابي بما أنها خارج إطار الوظيفة العامة، بحكم اختصاصاتها التي تمّ استبعادها من قوائم التوصيف الوظيفي للمؤسسات الوطنية في القطاعين العام والخاص.
الرفيق الأمين العام للحزب وجّه، وعلينا جميعاً أن نجيد التطبيق، وهذا لا يمكن أن يكون بشكل عشوائي، بل عبر عمل ممنهج وممأسس، حتى ولو اضطررنا إلى تأهيل الكوادر التي سيقع على عاتقها مهمة ترميم التشوهات النفسية والذهنية التي أنتجتها الحرب بكل فصولها وتفاصيلها.
لقد أمعنّا لسنوات طوال في تسخير جامعاتنا لتخريج الكوادر المهنية وفق إملاءات سوق العمل بكل ما تنطوي عليه من تشوّهات هيكلية عميقة، أي ركّزنا منذ التسعينيات الماضية على العلوم التطبيقية، وأهملنا التركيز على العلوم الإنسانية، فكانت النتيجة أننا استولدنا مهنيين لا مفكرين في نسق طويل عريض من جيل الشباب الذي بات اليوم في سن العمل والمسؤولية، وقد يكون هذا أحد الأسباب التي أفضت إلى الخلل في تلقّي مفاهيم الوطنيّة والانتماء، فالوطن ليس حالة مادية بتاتاً، أما الانتماء فهو فهم وشعور ومعنى، ثم سلوك يعكس موجودات الحالة النفسية والقوام الذهني.
فلتكن توجيهات الرفيق الأمين العام بداية لاستدراك حالة خلل مزمنة في توزيع حصص الاستيعاب الجامعي، وتوطين مناهج العلوم الإنسانية والاجتماعية في كافة مراحل التعليم، وإيجاد فرص عمل للخريجين في المؤسسات التي تناسب اختصاصاتهم وكذلك المنظمات، ثم نشر مراكز الأبحاث الاجتماعية على نطاق واسع، تستوعب أعداداً غير قليلة من الخريجين المتميزين، وبرواتب جيدة وجاذبة.. وهنا نسأل: ما الفائدة من تعيين مهندس انضم بموجب مكنة التوظيف التقليدي إلى طوابير البطالة المقنعة في مؤسساتنا.. أليس العبء المادي ذاته الذي يرتبه تعيين حامل اختصاص من اختصاصات العلوم الإنسانية.. رغم أننا على يقين من أن الأخير سيكون منجزاً أكثر، فيما لو وجدنا له فرصة الإنجاز؟!.
نحن اليوم بحاجة إلى متخصصين قادرين على رفع المعنويات، بناءً على قرائن قائمة لم نعدمها بعد، سيما في مواجهة الضخ السلبي الذي برع به “المدجّنون” على وسائل التواصل الاجتماعي، وناشري ضروب الإحباط الذين تحوّلوا فعلاً إلى تهديد حقيقي لمفهوم الأمان الاجتماعي.. فلنبحث عن هذه الكفاءات الوطنيّة الفاعلة في المواجهة، ونجزم بأن لدينا منها الكثير الكثير.
ناظم عيد