روسيا: إدلب عائدة حتماً والتفاهم السوري الأمريكي يصب في مصلحة الحل الجعفري: على القوات الأجنبية غير الشرعية المغادرة فوراً
جدد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري التأكيد على أن وجود القوات الأجنبية على الأراضي السورية دون موافقة الدولة السورية غير شرعي، وينتهك مبادئ وميثاق الأمم المتحدة وعليها الخروج فوراً. في وقت أعلن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين أن موسكو ترحّب بالبحث عن تفاهم متبادل بين سورية والولايات المتحدة الأمريكية، مشيراً إلى أن ذلك يصب في مصلحة عملية حل الأزمة، إلا أن مثل هذا الحوار ممكن فقط بشرط احترام سيادة ووحدة الأراضي السورية، مؤكداً حتمية عودة إدلب إلى كنف الدولة السورية في نهاية المطاف. في حين أكد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ضرورة تقديم المساعدة في عودة المهجرين السوريين جراء الإرهاب إلى بلدهم وتقديم المساعدات الإنسانية لهم.
وفي التفاصيل، قال الجعفري في بيان سورية أمس أمام الجمعية العامة حول تقرير الأمين العام عن أعمال المنظمة: لم يتطرق معدو التقرير إلى العدوان والوجود الأجنبي على أراضي بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة دون موافقتها، وذلك تحت ذرائع باتت مفضوحة كامتلاكها أسلحة دمار شامل غير موجودة أصلاً أو لحماية مدنييها من خطر وهمي غير موجود أصلاً أو بحجة نشر الديمقراطية المزيفة فيها، وأضاف: كان الأجدى بمعدي التقرير وصف هذا الوجود الأجنبي على أقل تقدير بأنه وجود غير شرعي، ويشكل خرقاً سافراً للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة واعتداءً على السيادة وتهديداً للسلم والأمن الدوليين، موضحاً أن المقصود هنا هو الوجود العسكري الأمريكي والبريطاني والفرنسي ودول أخرى غير الشرعي على الأراضي السورية، وتلك التي تدّعي أنها جزء من تحالف يفرض نفسه على هذه المنظمة الدولية.
وشدد الجعفري على ترحيب سورية بما جاء في تقرير الأمين العام حول مكافحة الإرهاب، وذلك حتى يتسنى بلوغ الهدف المنشود، وتوسيع نطاق الجهود المبذولة للتصدي للأسباب الجذرية التي تتيح تجنيد الإرهابيين وانتشار آفة الإرهاب، مضيفاً: مع ذلك كنا نأمل لو تكبد معدو التقرير عناء الإشارة إلى سورية، وليس فقط إلى العراق عند حديثهم عن تنظيم داعش الإرهابي، لأن هذا التنظيم وغيره من التنظيمات الإرهابية موجود أيضاً في سورية.
وتابع الجعفري: كنا نتوقع أن تحظى الحرب التي خضناها مع حلفائنا ضد الإرهاب بدعم المجتمع الدولي في إطار الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة الارهاب، وذلك من خلال إنفاذ الوسائل اللازمة لردع حكومات الدول المعروفة عن دعم وتمويل وتسليح الإرهابيين وإرسالهم إلى سورية، هؤلاء الذين يحلو للبعض تسميتهم المعارضة المعتدلة حيناً والمعارضة المسلحة أحياناً والمجموعات من غير الدول في ظروف أخرى وبالجهاديين أحياناً أخرى، ويتجاهلون عمداً وصفهم بالإرهابيين، وأشار إلى أن البعض جعل من سورية مقصداً للإرهابيين بلا حدود وعلى غرار هذه المنظمات المشبوهة كأطباء بلا حدود ومجرمين بلا حدود وقتلة بلا حدود، والمهم بالنسبة لهم أن يبقى الإرهاب بلا حدود وأن يصعب ضبطه والسيطرة عليه، لذلك فإن تجربة سورية في مكافحة الإرهاب بالتعاون مع حلفائها تستحق أن يفرد لها إشارة في تقرير الأمين العام، إلا أن معدي تقرير الأمين العام تجاهلوا ذلك للأسف.
وأكد الجعفري رفض سورية بشدة ما جاء في تقرير الأمين العام في الفقرة 112 بخصوص ما يسمى الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، هكذا سموها، وهي ليست بآلية ولا حيادية ولا دولية ولا مستقلة، وقد رفضت سورية هذه الآلية التي تم إنشاؤها بموجب قرار غير توافقي وغير شرعي ومملوء بالعيوب السياسية والقانونية، مبيناً أنه تم تزويد الأمم المتحدة بعدة رسائل، وآخرها رسالة موجهة إلى رئيس الجمعية العامة تؤكد جميعها عدم اعتراف سورية بهذه الآلية ولا قبولها بأي من أعمالها أو ولايتها، آخذين بالاعتبار أن القرار المسيس والمنحاز الذي أنشأها قدمته دول معروفة بأجنداتها المعادية لسورية، إضافة لكونها سابقة خطيرة في تاريخ الجمعية العامة التي لا تملك أصلاً ولاية لإنشاء مثل هذه الآليات نظراً لما تشكله هذه الآلية من تدخل سافر في الشؤون الداخلية لسورية من دول أعضاء صدّرت لسورية الإرهاب على مدار ثماني سنوات وانتهاك فاضح لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة ولاسيما المادة 12 ولأحكام القانون الدولي.
وتساءل الجعفري هل هناك اليوم من يعتقد بعد تصدير 101 من الدول الأعضاء في المنظمة الدولية الإرهاب إلى سورية على مدار ثماني سنوات، وهذا وفقاً لتقارير مجلس الأمن أن عمل هذه الدول هو عمل حيادي ومستقل وموضوعي؟ أترك الإجابة لكم ولضميركم.
وجدد الجعفري إدانة سورية استخدام أسلحة الدمار الشامل مستغرباً تجاهل تقرير الأمين العام ترسانة كيان الاحتلال الإسرائيلي الطرف الوحيد الذي يملك الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية في الشرق الأوسط، ويرفض الانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار، كما يرفض إخضاع منشآته لنظام الضمانات الخاص بالوكالة الدولية للطاقة الذرية وعلى الرغم من كل هذه الفضائح الإسرائيلية في هذه المنظمة خلا التقرير من أي ذكر لترسانة “إسرائيل” النووية.
وتساءل الجعفري عن سبب إغفال تقرير الأمين العام الإشارة إلى الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وللجولان السوري ولغيره من الأراضي العربية، معرباً عن الأمل لو استخدم معدو التقرير كلمة الاحتلال، وليس كما ورد فيه مصطلح النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، لأن كلمة الاحتلال هي التوصيف القانوني والأممي الصحيح، وذلك وفقاً لقرارات ووثائق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة منذ تأسيسها وحتى الآن، فكل قرارات الجمعية العامة تتحدث عن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، فهو إذن احتلال وليس نزاعاً.
ولفت الجعفري إلى أن التقرير تجاهل أيضاً الإشارة إلى التدابير القسرية الأحادية الجانب المفروضة على عدد من الدول ومنها سورية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهما، حيث كنا نتمنى أيضاً لو تعرض معدو تقارير الأمين العام إلى ضرورة إنهاء هذه التدابير التي يتنافى فرضها مع أحكام القانون الدولي ومع ميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ومع كل الدعوات لتنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030 والتي تم تضمينها في تقرير الأمين العام، فكيف ندعو لتحقيق التنمية والرفاهية لكل الشعوب بمن فيهم الشعب السوري بينما تقوم بعض الدول الأعضاء في الوقت نفسه بفرض عقوبات على تلك الدول، وتسهم بذلك في استمرار معاناة شعوبها، وتجعلها تتخلف عن الركب.
وأكد الجعفري استعداد الحكومة السورية لبذل كل جهد ممكن للتعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة في إطار احترام الميثاق والشرعية الدولية والقانون الدولي وهي التي عرفته وتعاونت معه عندما كان مفوضاً سامياً لشؤون اللاجئين، وأثمر التعاون معه حينها عن نتائج جيدة، ولاسيما أن هذا التعاون كان قد حصل خلال وبعد الغزو الأمريكي/ البريطاني للعراق عام 2003، معرباً عن الأمل باستمرار هذا التعاون معه، وهو يتبوأ أعلى منصب أممي.
إلى ذلك قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فيرشينين: إنه فيما يخص إجراء الحوار بين سورية والولايات المتحدة أفهم أن الحكومة السورية منفتحة له مع جميع الدول بما في ذلك مع الدول العربية، حيث يوجد العديد من الإشكالات لأنه في وقت ما تم تعليق عضوية سورية في جامعة الدول العربية، ولكن الحوار يجب أن يستمر على أساس اعتراف جميع المتحاورين مع سورية بسيادتها واستقلالها ووحدة أراضي البلاد، لأنه من الصعب إجراء هذا الحوار من دون ذلك إذا لم يكن هناك احترام لمحاورك.
وأضاف نائب وزير الخارجية الروسي: بالتأكيد أي تفاهم متبادل وإيجاد نقاط مشتركة مع أي دولة كالولايات المتحدة الأمريكية أو سورية ستكون مفيدة، ولكن مجدداً يجب أن يكون هذا شأن البلدين، وتكون مرتكزة على الاحترام المتبادل والمبادئ التي تحدثت عنها مسبقاً، وأشار إلى أن هناك عدداً كبيراً من الدول أدركت أن سورية العضو في الأمم المتحدة يحق لها تقرير مصيرها بنفسها وأن شعبها هو الذي ينبغي أن يحدد من يحكمه. وقال فيرشينين: إدلب في نهاية المطاف يجب أن تنتقل إلى سيطرة الدولة السورية، لافتاً إلى أن الاتفاق حول إدلب الذي تم التوصل إليه في سوتشي يتم تنفيذه بشكل جيد، والأجواء تغيّرت نحو الأفضل، معتبراً أن هناك إمكانية ليس فقط للحد من معاناة المواطنين في سورية وبشكل أساسي في إدلب، حيث يتحكم الإرهابيون بكل حركة للسكان المدنيين ما يخلق ظروفاً لا تطاق بالنسبة لهم.. بل سمح الاتفاق بشكل عام بتهيئة الظروف لتكثيف العملية السياسية.
ولفت فيرشينين إلى أن موسكو تعتبر مهمة إخراج الأسلحة الثقيلة والمجموعات المتطرفة من إدلب أمراً ممكناً، وأن مسألة الفصل بين الإرهابيين والمعارضة قضية معقدة، مشيراً إلى أن الجانب التركي يعمل في هذا الاتجاه بموجب اتفاق سوتشي بشأن إدلب، وأن موسكو ترغب في رؤية نتائج جيدة لذلك.
من جانبه قال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو خلال لقائه رئيس الأركان المشتركة لقوات الدفاع في اليابان كاتسوتوسي كاوانو في موسكو أمس: أعتقد أنه ستكون لدينا اليوم إمكانية لمناقشة العديد من المواضيع المتعلقة بتعاوننا العسكري والآفاق المستقبلية للعمل المشترك بشأن الأمن، وهذا بالطبع يتعلق بكل من مكافحة القرصنة، وتقديم المساعدة لسورية، وكذلك للمساعدة في مسألة عودة المهجرين.
بدوره أكد كاتسوتوسي أن وزارة الدفاع اليابانية تتخذ نهج روسيا نفسه فيما يتعلق بالأزمة في سورية.
من جهة ثانية أكد ايغور كوروتشنكو رئيس تحرير مجلة الدفاع الوطني الروسية أن الولايات المتحدة الأمريكية و “إسرائيل” يخافون من منظومات إس 300 لأنها قادرة على إسقاط طائراتهم في حال انتهكت مجدداً المجال الجوي السوري، وأشار إلى أن ردود فعل الولايات المتحدة و “إسرائيل” غير مهمة بالنسبة لروسيا التي ستنفذ التزاماتها تجاه سورية في مجال تعزيز دفاعها الجوي.
بدوره أوضح المحلل السياسي يوري زينين أن انتقادات الولايات المتحدة و “إسرائيل” لقيام روسيا بتزويد سورية بمنظومات إس 300 في غير محلها لأنه لو لم تكن هناك اعتداءات إسرائيلية على سورية لما كان هناك توتر في المنطقة، وشدد أنه على “إسرائيل” اليوم التفكير بعواقب عربدتها في المنطقة، حيث لم يعد بالإمكان الصبر أكثر من ذلك، فسورية تحارب الإرهاب الدولي الذي يشكل خطراً ليس عليها فقط، بل على المنطقة بأسرها وعلى روسيا أيضاً.
من جهة أخرى اعتبر السفير الروسي الأسبق في سورية ألكسندر زوتوف أن ما تسمى “المعارضة المعتدلة” في سورية فقدت مبررات وجودها، ولم تعد لاعباً يمثل قوة سياسية جادة يمكن للشعب السوري أن يثق بها، وأعرب الدبلوماسي الروسي عن ثقته بأن مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي انعقد في سوتشي والذي يمثل مختلف مكونات الشعب السوري بصورة موضوعية يمكن أن يكون قاعدة جدية وصلبة لأية تسوية في سورية.
ولفت الدبلوماسي الروسي إلى أن تركيا فعلت كل ما بوسعها لتأجيج الأزمة في سورية، وعملت على إطالة أمدها، إلا أنه لا يمكنها الاستمرار بهذا السلوك إلى ما لانهاية، ولا بد لها أن تلتزم بعلاقات حسن الجوار إذا أرادت ضمان ما تعتبره أمنها الوطني، وأشار إلى أن النظام التركي لن يكون قادراً على تنفيذ جميع التزاماته أمام الجانب الروسي حول اتفاق إدلب، وبالتالي لا يمكن لسورية ولا لروسيا الانتظار مطولاً لتحقيق ما تم الاتفاق عليه بشأن هذه المنطقة.