التهديدات الأمريكية ضد سورية.. لماذا ولمصلحة من؟
د. معن منيف سليمان
حيث تعمل الولايات المتحدة الأمريكية منذ زمن بعيد على تكثيف ضغوطها على سورية محاولة منها لتليين موقفها المبدئي والثابت من القضايا الوطنية والقومية، ذلك أن المطلوب من سورية هو وقف دورها الممانع، وقطع علاقاتها مع إيران، وتغيير نهجها الوطني والقومي الداعم للحقوق العربية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وإجبارها على التنازل عن حقوقها المشروعة من خلال القبول بشروط السلام مع “إسرائيل”، وقد ترجمت هذه الضغوط عملياً من خلال الدعم الأمريكي العسكري والسياسي للجماعات الإرهابية المسلحة، وصولاً إلى التهديد بضربة عسكرية لسورية.
كانت العلاقات السورية- الأمريكية قد تدهورت بسبب فرض الولايات المتحدة عقوبات على سورية “قانون محاسبة سورية”، والخلاف على العديد من القضايا الإقليمية في لبنان وفلسطين، ورفض سورية احتلال العراق على الرغم من الجهود التي بذلتها سورية لاحتواء مليوني مهجّر عراقي.
وأخذ التصعيد الأمريكي والغربي يزداد حدة ضد سورية في هذه الأثناء استغلالاً للأوضاع التي تمر بها البلاد، ولذلك فرضت الإدارة الأمريكية عقوبات جديدة على الحكومة السورية، وجمدت أرصدتها “المفترضة” في الولايات المتحدة، كما حظرت استيراد المنتجات البترولية من منشأ سوري، وفرضت بموجب أحدث جولة من العقوبات على الكيانات السياسية في الحكومة السورية، حظراً على المؤسسات الأمريكية أينما كانت لإبرام أية صفقات أو معاملات تتضمن منتجات النفط السورية، وكانت إدارة الرئيس أوباما أدرجت مجموعة جديدة من الشركات السورية على القائمة السوداء، بينها المؤسسة العامة للنفط المملوكة للدولة التي تتبع لها صناعة النفط والغاز السورية.
وفرض كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية أيضاً سلسلة من العقوبات على سورية، بدأت في أيار 2011 بفرض حظر على تصدير أسلحة ومعدات إلى سورية، وفرض عقوبات بحق عدد من المسؤولين السوريين، ليتخذا بعد ذلك عقوبات إضافية على سورية، من بينها تجميد أرصدة عدد من الكيانات الاقتصادية السورية.
في الحقيقة، كان مردّ الاستياء الأمريكي في ذلك الوقت هو الانتصار السوري المتحقق بامتياز خلال عقد كامل، وتغلّب سورية على حملة الافتراءات والضغوط والعزل، ولاسيما أن هذه الغلبة تحققت بالصمود ودعم المقاومة، هذا الإحساس بالنصر أثار الخلافات مع واشنطن لكبح جماح الشعور بالانتصار، وتبدو أسباب الانزعاج أيضاً ناجمة عن المكاسب العديدة التي جنتها سورية فعززت مواقفها ومبادئها، وظهرت قوة رئيسها في تأجيل توقيع اتفاق الشراكة الأوروبية، وفي استمرار دعم المقاومة، وهي بدلاً من إظهار المرونة عكست قناعة بأن صمودها بدأ يعطي ثماره.
وفي هذه الأيام ازدادت حدة التصعيد الأمريكي والغربي تجاه سورية بعد نجاحها الملحوظ في مواجهة المخططات والمؤامرات التي تحاك ضدها، وقدرتها على السيطرة على الأرض، وتعزيز الأمن والاستقرار في البلاد، فكلما اقتربت الأوضاع في سورية من الهدوء والاستقرار ازداد الضغط الخارجي الذي تقوده الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، إذ إن حملة الضغوط والتصعيد تأتي نتيجة لشعور المتربصين بسورية أن الأمور بدأت تعود إلى الوضع الطبيعي بعد أن أدرك غالبية السوريين خطورة المؤامرة التي تحاك لبلدهم، وعبّروا عن دعمهم لبرنامج الإصلاح الشامل الذي أطلقه السيد الرئيس بشار الأسد.
إن الولايات المتحدة أعلنت جهارة أن أحد أهداف العدوان هو الحفاظ على أمن “إسرائيل”، فالسياسة الأمريكية لم تكن في يوم من الأيام لصالح شعوب المنطقة، بل كانت ومازالت في خدمة الاستراتيجيات الاستعمارية المناهضة لمصلحة المجتمعات العربية، واستمراراً للاستراتيجية الأمريكية الرامية إلى إعادة صياغة المنطقة، بما يحقق الحلم الأمريكي في “شرق أوسط كبير”، تنسحب منه الهوية العربية، بما يسمح بوجود محيط إقليمي أكثر مواءمة لـ “إسرائيل” وأمنها واستقرارها باعتبارها صنيعة الغرب الاستعماري، وبؤرة تستخدم لخلق صراعات إقليمية.
إن الادعاء الأمريكي بأن الضربة العسكرية المزمعة هي دفاع عن الشعب السوري، هو محض تضليل، فالولايات المتحدة لا تقيم أي اعتبار للدماء السورية، وما يهمها هو مصالحها بالدرجة الأولى، ومصلحة “إسرائيل”، ولو كان الأمر يتعلق بالقيم الإنسانية والأخلاقية التي تتشدق بها فلماذا لم تتحرك وتجيش العالم ضدّ الإرهابيين الذين ارتكبوا مجازر بحق أبناء الشعب السوري، والتي أقل ما يكمن وصفها بأنها كانت “إبادة جماعية” و”تطهيراً عرقياً” بكل ما تعني الكلمة من معنى؟!.
كما تندرج الضربات والتهديدات الأمريكية ضد سورية في إطار سعي الإدارة الأمريكية لإعادة التوازن بين الجيش العربي السوري والجماعات الإرهابية المسلحة، بعد سلسلة الانتصارات المؤزرة التي حققها الجيش العربي السوري في الأيام الأخيرة على تلك الجماعات الإرهابية، والحيلولة دون إحراز القيادة الوطنية السورية انتصارات ملحوظة على الأرض، لأن من شأن ذلك أن يعزز قوة محور المقاومة في المنطقة، وهذا من شأنه – كما تعتقد الإدارة الأمريكية- أن يسبب مزيداً من التحدي والتهديد للأنظمة الرجعية المتخاذلة في المنطقة بالإضافة إلى “إسرائيل”.
ولهذا فإن التصريحات الأمريكية والأوروبية التصعيدية لا تهم الشعب السوري، ولن تؤثر على معنوياته ومبادئه وثوابته الوطنية، وهي جزء مكمل للمؤامرة الخارجية على سورية التي يتم تخطيطها وتمويلها وتنفيذها بهدف المساس بأمنها واستقرارها، وإضعاف مكانتها إقليمياً ودولياً.
ويرى الشعب السوري أنه ليس من شأن الدوائر الأمريكية والأوروبية والصهيونية أن تعطي شرعية لأحد، وأن المواطنين السوريين الشرفاء مستعدون للدفاع عن وطنهم رغم ما تبثه بعض القنوات الإعلامية التحريضية من أخبار لا تمت إلى الحقيقة بصلة، كما يرى شعبنا السوري أنه لا يحق لأمريكا أو غيرها أن تفوّض نفسها متحدثاً باسمه وهو الذي قال كلمته وعبّر عن تأييده ودعمه الواضح والصريح لبرنامج الإصلاح الشامل والديمقراطية التي لم تكن هدفاً للولايات المتحدة في يوم من الأيام داخل المنطقة وخارجها، وإنما تحاول اتخاذها ذريعة لتحويل سورية بموقعها ودورها المهم إلى بلد يخدم المصالح الإسرائيلية في المنطقة.
إن سورية بلد له سيادته، والشعب السوري مقاوم يرفض كل أشكال التدخلات في شؤونه، ويدرك أنه سيحصل على مطالبه عبر الإصلاح، ولا يحتاج إلى من يقرر مصيره نيابة عنه، ولذلك يجب على الولايات المتحدة الأمريكية وقف ممارسة الضغوط على سورية أو تهديدها عسكرياً، والالتفات لحل مشاكلها الداخلية، والكف عن سياسة ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين، فيما العدو الصهيوني مستمر في عدوانه الغاشم وبمختلف أنواع الأسلحة على شعبنا العربي في فلسطين، يغتال الأبرياء، ويدمر المنازل على رؤوس ساكنيها، وينتهك حرمة المسجد الأقصى دون أي رادع!.