تصارع القوى في القرن الأفريقي
تصاعدت أهمية منطقة القرن الأفريقي منذ القرن الماضي لتصبح الآن محط أنظار شتى القوى العالمية والإقليمية، ولا سيما جيبوتي التي تكتسب أهمية جيواستراتيجية خاصة، نظراً لموقعها الفريد، ورغم صغر حجمها، إلا أنها تحتضن حالياً خمس قواعد عسكرية لقوى عالمية كبرى في محيط مضطرب تعمه الفوضى، وتعد حالة الاستقرار النسبي في البلاد أحد أهم الميزات التي اجتذبت تلك القوى، كما أنها تطل على باب المندب، وهو بوابة على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، يقابلها في الجانب الشمالي أحد أكثر المعابر البحرية ازدحاماً، قناة السويس، كما تصل هذه البوابة بمضيق هرمز ذي القيمة الاستراتيجية البالغة، فإن سيطرت إحدى تلك القوى أو غيرها عليه، فسيتبع ذلك تداعيات على بلدان العالم جمعاء، ولا سيما دول الخليج العربي.
كانت فرنسا أول من أسس قاعدة عسكرية في البلاد تحمل اسم “فورس فرانسيس جيبوتي”، تبعتها الولايات المتحدة عقب هجمات 11 أيلول، لتُقيم قاعدة ليمونييه تحت ذريعة التصدي للإرهاب، والآن أصبحت أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في القارة السمراء بقوام يصل لأكثر من 4000 جندي.
ومن ثم بدأت العديد من الدول بإقامة قواعد، أو تواجد عسكري لها على الأقل في البلاد، كاليابان وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا وآخرها الصين، وتدرس السعودية إقامة قاعدة عسكرية أيضاً لتحاصر اليمن، وتواصل جرائمها ضده، ولتزيد الضغط على إيران .
من سيقطف الثمار؟ وهل لجيبوتي حصة، أم أن الآثار السلبية لوجود هذه القواعد على أرضها ستكون أكبر بكثير من العوائد الإيجابية على أمنها القومي والإقليمي في المديين القريب والبعيد؟.
لا شك أن فقرها وندرة مواردها وثرواتها الطبيعية أجبراها على اللجوء لسياسة اقتصادية قائمة على السماح للدول الكبرى بإنشاء قواعد عسكرية، فعوائدها تشكل حصة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي.
وأدت الصراعات في محيط البلاد إلى اجتذاب القوى العسكرية، الذي سيؤدي حتماً إلى صراع دولي على الأراضي الجيبوتية، خاصة بسبب المزاحمة الأمريكية والغربية لنفوذ الصين وصعودها الاقتصادي السريع، كما أنه سيؤدي إلى صراعات إقليمية ستضر بالدول المجاورة التي تعاني من الاضطرابات أصلاً.
ولا شك أن هذه الآثار ستمس البلاد من الناحية الداخلية، فمن شأن هذا التواجد العسكري أن يُضعف من سيادتها ووحدة قرارها السياسي، لأن تلك الدول لن تألو جهداً في السيطرة على البلاد وعملية صناعة القرار فيها، ولو بشكل غير مباشر، ما سيخلق انتماءات سياسية مختلفة وخللاً اجتماعياً، ويعمل على زعزعة الاستقرار الداخلي، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى تدهور سياسي وأمني، نظراً لأن القرار السياسي سيخدم القواعد لا البلاد.
علاء العطار