وسواس النظافة.. حالة مرضية بتداعيات اجتماعية.. وسلوكيات تؤدي إلى العزلة
كثيرة هي حالات الطلاق التي سمعنا عنها، والتي كان سببها الرئيس ما يسمى الوسواس القهري للنظافة، ولعل الأخطر من عدم الاهتمام بجانب النظافة، هو الاهتمام المفرط بالنظافة، والذي يصل إلى حد الوسواس القهري، والمبالغة به إلى حد الجنون، وكما هو معلوم، الزيادة كالنقصان، والإفراط والتفريط كلاهما مذموم، ولعل من الجميل أن نحرص على نظافة بيوتنا ومحيطنا، وأن نهتم بعملية الترتيب في المنزل، ولكن ليس إلى حد يخلق من ذلك الاهتمام مشاكل وسلوكيات تزعج الآخرين وتجرح شعورهم، غير أن البعض قد يتجاهل ذلك، سواء بقصد أو دون قصد، وتكون النتيجة صدامات مع الأهل، وعزوفاً من محيط الأصدقاء، فيشكّل هذا المرض عبئاً وحرجاً كبيراً على صاحبه، ويمتد ذلك لجميع من يتعامل معهم، وبالذات أسرته، وقد يصل لدرجة يشعرهم بالأرق، والضجر، والتعب النفسي، والمجهود العضلي في آن واحد!.
كارثة زوجية
إحداهن تغسل الخبز بالماء، وأخرى لا تأكل إلا المغلف، وثالثة تغسل يداها 300 مرة في اليوم، وأخرى تفتح الأبواب بكوعها… وغير ذلك من الحالات التي تعيشها مهووسات النظافة في الكثير من تفاصيل الحياة، فعبير حزاني، (معلّمة لغة انكليزية)، لا تمسك النقود إلا بالمناديل، وتعلل ذلك بوجود الملايين من الجراثيم والبكتيريا على هذه النقود، وحنان الشيخ، “صيدلانية”، لا تأكل أو تشرب أي شيء لدى زيارتها للآخرين سوى الماء المعبأ في عبوات زجاجية، وتعلل ذلك بأنها لا تستطيع أن تأكل لديهم، خوفاً من عدم نظافة الطعام، أو الأطباق والأشخاص، وتشكو إسراء من هوس صديقتها بالنظافة، فهي لا تتناول طعاماً إلا من يدها، أو يد أمها، وما دون ذلك لا يمكنها تناول شيء من الطعام، هي نماذج كثيرة عجيبة لأناس قد يرى المجتمع أنهم يبالغون في هوس النظافة، هذه النماذج حين تطفو على سطح الحياة الزوجية تنتقل من مستواها الطبي إلى الاجتماعي، وتتحول إلى كارثة داخل البيت حين تتحول إلى قنبلة موقوتة تفجر براكين الغضب، والنفور، والسخط من كلا الطرفين المعتدل والمريض بالفوبيا، وحين يفقد الإنسان السيطرة على التمييز يتحول إلى ضحية نفسه، وفي النهاية يحدث الطلاق، ليس من الفوبيا نفسها، بل من السلوك الذي أصبح مرضاً!.
اكتئاب
أكدت دراسة أمريكية حديثة أن هوس النظافة قد يكون مرتبطاً بارتفاع معدلات الاكتئاب، واعتبرت الدراسة أن الإفراط في التنظيف قد يعيق قدرة دماغنا على إنتاج بعض المواد الكيميائية التي تجعلنا سعداء، مثل السيروتينين، ما يتسبب بالاكتئاب، وأشارت الدراسة إلى أن معدلات الاكتئاب أعلى جداً في العالم الغربي منه في الدول الفقيرة، لأن نظام المناعة عند الناس أقل تدرباً للتعامل مع البكتيريا، وقال أحد الباحثين: “نعتقد أن نظام المناعة يتسبب بالاكتئاب، ففيما ينمو الناس يتطور نظام المناعة لديهم، وإذا تعرّضوا لبكتيريا وطفيليات أكثر يصبح جسمهم أكثر قدرة على السيطرة على الالتهابات”.
وسواس
وسواس النظافة هو الاهتمام الزائد على الحد الطبيعي بالنظافة، وهو فعل دائم ومتكرر، ويأخذ شكل الطقوس كتكرار الوضوء، وغسل الأيدي، والاستحمام، ونظافة البيت والملابس، وتسمى هذه الحالة بوسواس النظافة، وليس فوبيا، فالفوبيا تعني الخوف، حسب رأي الدكتور ماجد دريبي، “علم نفس”، وتبدأ الأعراض عادة في سن مبكرة، ولكن يتأخر المريض في عرض نفسه على الطبيب النفساني في أغلب الأحيان، جهلاً منه بالمرض، أو خجلاً من الأعراض، فيخفيها عن الناس، أو حتى الخوف من حديث الآخرين عنها، وتكون وساوس النظافة ناتجة عن شعور الإنسان بالذنب، وتهديدات للذات، فيحاول الهروب منها بما يمارس من أفعال قهرية، ويدرك الإنسان أن ما يقوم به تافه، إلا أنه يجد نفسه مجبراً على القيام به فيما يعرف باضطراب الوساوس القهرية، وهذه الوساوس قد تتخذ شكل الأفكار القهرية، أو الخيالات القهرية، أو السلوكيات القهرية، حيث تصل إلى المرض الحقيقي، إذ يعاني ذلك الشخص من وساوس نظافة، ومن اضطراب في شخصيته، ما يؤدي به إلى إرهاق من حوله، خاصة أنه لا يعترف بأنه مريض، وأن لديه مشكلة، وتختلف شدة المرض من مريض لآخر، فمنهم من يعاني من أمراض نفسية أخرى كالاكتئاب النفسي، أو القلق، ومنهم من يحتاج لعناية باطنية طبية، ويجب على المريض أخذ العلاج النفسي الدوائي بواسطة الطبيب النفسي، والذي يهدف لمقاومة الأفكار الوسواسية، ومنع الأفكار القهرية.
ميس بركات