من وحي تجارب الغير.!
إذا ما شئنا التمعن بأسباب تطور الدول الأوروبية وبعض دول آسيا، إضافة إلى دول جنوب شرق آسيا المصطلح على تسميتها بـ”النمور الآسيوية”، في جميع مناحي الحياة بما فيها الاقتصاد، لوجدنا أن الإدارة هي الأساس.!
فأغلبنا يعلم خروج ألمانيا –كدولة أوروبية- من الحرب العالمية الثانية مدمرة بالكامل، وكذلك الأمر بالنسبة لليابان كدولة آسيوية، وكان وضع ماليزيا من الناحية الاقتصادية –كدولة من جنوب شرق آسيا- أسوأ من وضع سورية بكثير في خمسينيات القرن الماضي.!
المفاجأة أن ألمانيا استطاعت بعد أقل من عقد من الزمن أن تكون صاحبة أكبر وأقوى اقتصاد في أوروبا ورابع أكبر اقتصاد على مستوى العالم، ويرجع نجاح ألمانيا في تحقيق معجزتها الاقتصادية إلى تبنيها لنهج اقتصاد السوق الاجتماعي، القائم على تبني قواعد السوق الحرة مع الحفاظ على حقوق المجتمع والعمال، فالدولة وفقا لهذا النهج مسموح لها التدخل بالحدود التي تمكنها من تحفيز النشاط الاقتصادي ووضع سياسات تضمن بيئة تنافسية بعيدة عن الاحتكار ووضع سياسات اجتماعية لحماية الفرد والعمال. ما أسهم في تحفيز المجتمع المدني على إقامة شركات مساهمة للإنتاج وإعادة الإعمار بالتعاون مع المصارف، فظهرت كبرى شركات صناعة السيارات وشركات الحديد والصلب، وقد تم ربط الشركات الكبرى بأخرى أصغر ومشروعات صغيرة ومتناهية الصغر تقدم خدماتها ومنتجاتها للشركة الكبرى الأم، وهذا ساعد بدوره على ازدهار هذه المشروعات وساعد في تحولها إلى شركات متوسطة تستوعب الكثير من الأيادي العاملة، حيث أصبحت الشركات المتوسطة أبرز مولد لفرص العمل في البلاد.
أما في اليابان فقد تم إلغاء السياسات العقابية واعتماد سياسة الإصلاح وإعادة البناء، وقاد قامت هذه السياسة على منهجية الصفقة الجديدة التي تقوم على مبدأ رئيسي يقوم على الاعتراف بالدور الرئيسي لنقابات العمال في الحفاظ على حقوق العامل والإسهام في إدارة شؤون العمل. ومن أهم السياسات ذات الأولوية التي ركز عليها اليابانيون كان إصلاح التعليم وكتب التاريخ والمناهج الدراسية، ومما توافق عليه اليابانيون آنذاك هو أن الأمة خسرت الحرب لكن المدارس لم تفقد استحواذها على الطلاب.
في حين أن ماليزيا اعتمدت بكل بساطة على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، إذ تم التركيز على تنمية المناطق بكفاءات إدارية تتناسب ومقومات كل منطقة.
ما تقدم يظهر بما لا يدع مجالا للشك أن الإصلاح المؤسساتي يبقى الركن الأهم في عملية إعادة الإعمار للدول التي عانت من الحروب والدمار، مهما اختلفت ظروف هذه الدول، وهو الطريق الوحيد الذي لا بد من سلوكه لبناء الدولة القوية العادلة، ما يعني أن عدم إعطاء عملية الإصلاح المؤسساتي الأولوية كإحدى أهم مسارات عملية إعادة الإعمار في بلدان ما بعد الحروب يعد قفزا في المجهول ومجازفة قد يكون لها تداعياتها السلبية الكبيرة على عملية الاستقرار والتنمية وعلى مستقبل تلك الدول برمته.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com