الذين ربحوا حربهم!…
د. مهدي دخل الله
الحرب على سورية، أو الصراع مع سورية، حرب لها ضحاياها الذين يدفعون الثمن بدمائهم، لكن هناك أشخاصاً يحصدون الثمن مادياً، فيصبحون بسبب الحرب غير ما كانوا عليه قبلها.
“أغنياء الحرب” يربحون بمجرد وقوع القتل والدمار، لايهمهم أبداً نتيجة الحرب، ومن يفوز ومن يخسر، لا يهمهم حتى معرفة الأسباب الحقيقية للحرب، ولا السياسات والإيديولوجيات، والمواقف المحركة للأطراف، لا يهمهم منِ الجلّادُ ومن الضحية، أما عدد القتلى فيهمهم، ليس من وجهة نظر إنسانية، وإنما باعتبار الدم ” مصدر رزق ” لهم، وكلما ازدادت كمية الدم، وطال الصراع، ازداد تدفق اليوروهات والدولارات إلى جيوبهم. إنهم مصاصو الدماء المعاصرون!..
هم أنواع عدة، لكن تجارتهم واحدة: القتل والتدمير. من بين هؤلاء مجموعة تجار السلاح الذين يعون تماماً أنه كلما ازداد القتل، ازداد الطلب، وارتفعت الأسعار. ومن بين هؤلاء المتسكعون. بائعو الضمائر الذين جاءتهم الحرب فرصة لإثبات الذات، واستدرار المال من أسياد الحرب، بل إن الحرب أعطتهم فرصة كي يجتمعوا بالأمراء والسياسيين، ويتباركوا بهذا الاتصال ” من النوع الثالث ” ( أي الاتصال المباشر ) بعد أن كان أهم هدف لديهم، ربما التسكع على باب أمير، أو مسؤول من الدرجة العاشرة.
أعرف منهم الكثير. كانوا يعيشون على هامش الحياة في المدن الخليجية، فإذا بهم بين ليلة وضحايا يركبون السيارات الفخمة، ويسكنون الفيلات ويتحدثون لوسائل الإعلام. أصبحوا نجوماً تتنقل في سماء العواصم الدولية، اسطنبول، باريس، واشنطن.. وتظهر على شاشات التلفزة بعد أن كانوا لا يحلمون بمشاهدة التلفزيون إلا في المقاهي العامة.
وأولئك الإعلاميون الذين أصبحوا في عداد أصحاب الملايين، أحدهم يعاكس في اتجاهه حتى ضميره.. يعاكس ” النظام السوري ” الذي فتح له أبواب الجامعة والسفر إلى الخارج لإكمال التعليم، بل ويعاكس تاريخ محافظته، وأصالة أبناء هذه المحافظة الشماء الذين حملوا لواء الثورة السورية ضد أسياد أسياده المعاصرين.. الفرنسيين. تتصفح تعليقاته على الفيسبوك والتويتر، فلا تعلم هل أنت أمام مثقف، أم ” بائع مازوت ” مع الاحترام الشديد لبائعي المازوت، عدا أولئك الذين يزيدون في السعر، فهم أيضاً من تجار الحرب الصغار.
أما ذاك الأستاذ الجامعي في باريس الذي كان يسكن في شقة متواضعة، ويقود سيارة صغيرة كأي أستاذ جامعي، فإذا به نجم الأضواء، وإذ ثروته تقدّر بعشرات الملايين من اليوروهات، فهو مثال صارخ على هذا النمط من تجار الحرب.. هذه مجرد عينية، أما الأنماط الأخرى فهي كثيرة.
mahdidakhlala@gmail.com