بعد غناءجوقة شام في قلعة بعلبك..حسام الدين بريمو: القيم النبيلة تتجلى في الفنّ
بعد نجاح حفلها الذي أحيته في قلعة بعلبك مؤخراً تستعد جوقة شام بقيادة المايسترو حسام الدين بريمو لإحياء أمسية غنائية سورية لملحنين سوريين ضمن إطار مهرجان الملحنين السوريين الثاني الذي يقام في 21 من الشهر الجاري في دار الأسد للثقافة والفنون-مسرح الدراما، حيث تقدم الجوقة 13 لحناً غير شائعة لعدد من الملحنين السوريين لأن أحد أهدافها تقديم الفن السوري المغمور.
صدى طيب
ويبيّن بريمو أن جوقة شام عادت مؤخراً من لبنان بعد أن أحيت حفلاً غنائياً في قلعة بعلبك وهي المرة الثانية التي تحيي فيها الجوقة حفلاً لها في بعلبك، حيث أقامت حفلها الأول في قاعة تموز بعلبك وليس في القلعة التي لا تفتح مسارحها للفرق الفنية إلا ضمن مهرجانات بعلبك، لكن وبدعوة من أهالي بعلبك أقامت حفلها الأخير داخل القلعة، وحسب تصريح البعلبكيين تُعدّ جوقة شام أول فرقة فنية تعرض داخل القلعة خارج المهرجانات التي تقيمها عادةً، وقدمت الجوقة -المختصة بأداء التراث بشكله التقليدي دون توزيع صوتي-قطعتين لمحمد عبد الوهاب: “كان أجمل يوم ما شكا لي” و”أنا والعذاب وهواك” قدمتهما كما شعر بهما عبد الوهاب وقبل أن يصوغهما بشكل موقع غير مسترسل، كما قدمت الجوقة “دارت الأيام” لأم كلثوم ووصلة موشحات وقدود لاقت صدى طيباً لدى جمهور بعلبك وبعض أغاني الرحابنة، كما قدمت الجوقة في الحفل أصواتاً جميلة إفرادية من الكورال، وأكد نجاح الحفل برأي بريمو تعطّش أهل بعلبك لسورية، فقابلوا الجوقة بمحبة كبيرة قبل وأثناء وبعد الحفل لا لنوعية ما قدمته الجوقة فحسب وإنما أيضاً لمقدار المحبة التي يكنّها البعلبكيون للإنسان السوري، مشيراً بريمو إلى أن دعوة كانت قد وجِّهت للفرقة من قبل جمعيتين أهليتين هما “ريشة ونغم” والجمعية اللبنانية للتدريب والتطوير، وتم الترويج للحفل من قبل السيدة نبيلة وهبي رئيسة جمعية ريش ونغم لإيمانها بالكورال وقدرته على تقديم ما هو مميز، وقد بذلت جهوداً كبيرة لتذليل كل الصعوبات لتصل الجوقة إلى بعلبك وتقيم حفلها في قلعتها.
كل واحد مغنٍّ
ويشير حسام بريمو إلى أن جوقة شام تأسست بعد فرقة ألوان للأطفال والتي حققت سمعة طيبة في سورية ولبنان، مؤكداً أن نجاح هذه الفرقة كان بفضل أهالي الأطفال الذين كانوا يحضرون أطفالهم في أقسى الظروف التي مرت على سورية، لذلك وعندما طالب الأهالي بتأسيس فرقة ينضمون إليها وافق بريمو دون تردد، فتشكلت فرقة شام التي تضم اليوم نحو 50 مغنياً ومغنية، يتدربون مرتين في الأسبوع، والكورال بالنسبة لهم نشاط يتحقق من خلال الغناء الجماعي، وهو من أجمل الأشياء التي اخترعها الإنسان، والكورال اليوم تجمّع غنائي ليس له أي شروط للانضمام إليه، فالكورال كفيل بتعليم أصول الغناء لمن ينضم إليه، ويؤمن بريمو أن داخل كل واحد منا مغنٍّ لا يحتاج إلا لمن يمسك بيده، موضحاً أن الرسالة التي يسعى إليها من خلال هذا الكورال والكورالات الأخرى هي إدخال الفرح والسعادة لأعضائها وللجمهور عبر الغناء والموسيقا ومن قِبَل هواة لا محترفين، مؤكداً أن ما يقوم به هو رسالة مهمة، وهو اختار هذا الدرب ليؤدي رسالته اتجاه بلده التي يحبها من خلال خدمة المحيط والناس، وهي رسالة وطنية تقوم على ربط الناس ببلدهم.
القيم النبيلة تتجلى في الفن
ويرى بريمو أن هناك أكتر من فائدة لإقامة حفلات خارج سورية، وخاصة بالنسبة لجوقة شام المختصة بالغناء التراثي انطلاقاً من تأكيده على أن الشعوب لا ترتبط ببعضها إلا من خلال معرفة فنون وآداب بعضها، وبالتالي عندما نقدم فنوننا للشعوب الأخرى ويحبونها سيحبوننا، وعندما يسمعون فننا الداعي للسلام والمحبة سيؤمنون بأننا جديرون بالسلام، منوهاً إلى أن كل القيم تظهر من خلال الفن، فما من أمة شريرة تصدّر فناً جميلاً يدعو للحب والسلام، لذلك فإن التعرف على تراثنا هو التعرف على ماهيتنا وهويتنا، خاصة وأن هناك شعوباً مشحونة اتجاه الشعب السوري نتيجة حملات الإعلام المضللة التي صدَّرت صورة مشوهة عنا.. من هنا فإن هذه الحفلات تشكل فرصة ليتعرفوا علينا من خلال الفرقة وما تقدمه من فن راقٍ، إذ من خلالها تتضح الصورة وتصبح ماهية السوري أوضح لدى الآخر، كما تتيح الحفلات خارج سورية –برأيه- فرصة الاختلاط مع الشعوب الأخرى وتعريفها بتراثنا الذي يعكس نفسيتنا وحضارتنا.
وجهات نظر
ويوضح حسام بريمو أن محاولات إعادة تقديم وتجديد التراث من خلال التوزيع قام بها كثيرون، وفرقة قوس قزح تحاول تقديم التراث بأشكال جديدة، ولكنها محاولات يتم طرحها كمختبر، حيث أن هناك نحو 20 شخصاً لديهم مثل هذه المحاولات، والفرقة تتبنى محاولاتهم، مع السعي الدائم إلى استقراء ردود الفعل على ما يتم تقديمه.. من هنا قامت الفرقة بتوزيع نحو 40 أغنية تحت عنوان “وجهات نظر” وهذه المحاولات برأيه تحتاج إلى وقت من أجل تقييمها، منوهاً إلى أن فرقة قوس قزح ليست الوحيدة التي تفعل ذلك، حيث هناك كورال في لبنان وكورال أرجوان في طرطوس، مبيناً أن محاولات إعادة توزيع بعض الألحان كانت خطوة بدأت قبل نحو 20 عاماً وأخذت صدى طيباً آنذاك، أما اليوم فهناك عودة أكثر لسماع التراث كما هو، وفرقة شام المختصة بتقديم التراث كما هو، هي الفرقة الأكثر طلباً لإقامة حفلات لها لأن الجمهور اليوم في ظل ما يحدث من فوضى على الساحة الغنائية بات متعطشاً لسماع التراث الذي يشبهنا، معتقداً أن تجارب التجديد ستجد صدى لها مع الوقت، وهي لا تلغي التراث في عملها، شرط أن لا يُغيَّر اللحن الأصلي أثناء إعادة التوزيع كما فعل بعضهم ممن أساؤوا للترات بذلك.
الغناء بـ 22 لغة
ويذكر بريمو أن جوقة شام التي تأسست عام 2006 هي إحدى فرق لونا للغناء الجماعي التي تضم كذلك جوقة سنا للصغار وألوان للأطفال وورد لليافعين وقوس قزح للمحترفين وأوركسترا ندى وياونا-طير الحمام باللغة الآرامية- للرقص، والفرق جميعاً تتمرن بشكل مستمر، وهي تطور نفسها على نار هادئة، مبيناً أن كل الفرق لديها مشاريعها وتُطلَب لمشاريع عديدة، مشيراً إلى أن مشروعاً كبيراً كان من المقرر تنفيذه في أيلول الماضي إلا أنه تأجل إلى العام القادم وهو مشروع هدفه إظهار اللغة الآرامية التي كانت ومازالت تُستخدَم قبل 3200 سنة وتراثها الذي كُتبت بها أشعار كثيرة واحتفظت بألحان تغنيها الفرقة باللغة الآرامية، وبالتالي يقوم المشروع على تقديم 24 أغنية باللغة الآرامية لألحان تقليدية تعود إلى آلاف السنين، وأخرى جديدة لحنت بالعربية، كما يتضمن المشروع رقصاً شعبياً لفرقة ياونا ينسجم مع ما سيُقدم من أغانٍ، مذكِّراً بأن أحد مشاريع جوقة قوس قزح الغناء بلغات الآخرين لأن ذلك يشكل انفتاحاً على الآخر، خاصة وأن ثقافتنا ثقافة منفتحة ومُحبة، وهذا يتجلى في رغبتنا بالتعرّف على الفنون الأخرى، لذلك تغنّي جوقة قوس قزح بـ 22 لغة، وبالتالي هي منفتحة على العالم، والفرقة تستعين من أجل ذلك بأهل اللغة التي ستغنّي بها، وهو أمر ليس بالسهل إلا أن إيمان أعضائها الكبير بها يذلل كلَّ الصعوبات، ويسعد بريمو وجودُ عددٍ كبيرٍ من فرق الكورال في سورية تعمل بجدٍّ وتسعى دوماً لتطوير نفسها، مذكِّراً أن لمدينة حلب الريادة في مجال تأسيس فرق الكورال كجوقة كوميتس، وكذلك جوقة كنار الأرمنية في دمشق، موجهاً التحية لكل من يسعى لتشكيل كورال، داعياً مجالس المحافظات لدعمها ومقترحاً على الوزارات والإدارات توظيف أرباح المؤسسات التي ستساهم في إعمار سورية لدعم الثقافة، مشيراً إلى ضرورة دعوة فرق كورال المحافظات لتقيم أمسيات لها في دمشق لأن وجودها في العاصمة يزيد من حماسها.
كنوز فنية
ويبين الفنان بريمو أن تراثنا الفني غني جداً، ونحن نمتلك كنوزاً فنية كثيرة، فالتراث اللامادي السوري أضاء الكرة الأرضية، ويجب أن يُحفظ ويُوثّق، وبالتالي فالمطلوب من مؤسساتنا أن تقوم بهذه المهمة من خلال تشكيل فريق عمل يغطّى عمله من قبل جهات رسمية للبحث في القرى والمدن وبشكل علميّ ودقيق، وجمع هذا التراث من الأفواه وليس من المكتبات ليتم تدوين كل الألحان السورية التي تم غناؤها، وكذلك الموسيقا والرقصات والعادات المرتبطة بالفنون، منوهاً إلى الجهود الكبيرة التي بذلها د.سعد الله آغا القلعة على هذا الصعيد.
وأوضح بريمو أن لا طموحاً شخصياً له في تأسيس كل هذه الفرق، وما يعنيه بالدرجة الأولى أن السوريين يجب أن يفرحوا ويغنّوا لبثّ السعادة والفرح والمحبة من خلال الغناء الجماعي، وقد استطاع عبر سنوات عدة أن يستقطب الناس لفرقه عبر الصدق مع الآخرين، وحلمه اليوم يكمن في تشكيل فرقة مسرحية، وقد سعى لذلك، إلا أن التكلفة العالية لتكوينها واستمرارها حال دون ذلك.
أمينة عباس