في وعي البطالة..!
أمّا وقد غدت لوحتُنا المدينيّة تغصّ بالمقاهي والكافتريات؛ التي تعجّ بشبابنا العاطل عن العمل، في استسلامٍ لا واعٍ للظّروف الرّاهنة، وانتظارٍ فطريّ للمجهول، وما يستبطن من عجزٍ غير مُبررٍ عن اجتراح حلولٍ ذات جدوى في تقطيع الوقت؛ غير المكوث في هذي الفضاءات دونما هدف..! فأغلب شبابنا يتقدّم به العمر سريعاً؛ من دون أن يجشّم نفسه عناء التّفكير في تغيير أسلوب حياته الكئيب، أو أن يبحث عن حلٍّ لبطالته..!
ومعظمُهم ينتظر الفوز العظيم بالوظيفة الحكوميّة يوماً؛ على طبقٍ من ذهب؛ مع يقين أنّها ستتأخر كثيراً. في حين يقع البعضُ ضحيّة الإدمان والانحراف، أمّا النّاجون: فقد تاهت ببعضهم السّبل من جرّاء رفاق السّوء إلى منعطفاتٍ أخرى قد تلامسها سوءًا..!؟
كلّ ما يفعله أبناؤنا هو الانتظار؛ ولا شيء سواه؛ فالحلّ المناسب بالنّسبة إليهم هو وظيفة حكومية قد تأتي، أو تتأخر قليلاً، وقد لا تأتي أبداً. ومن الأسباب التي كرّست هذا الاعتقاد: انعدام روح المبادرة والابتكار في ثقافتنا الجمعيّة، والرّكون إلى أنّ الدولة هي الضامن للرّزق، والمسؤول الأوحد عن توفير الشّغل للمواطن..!؟
ولا بدّ ههنا من الاعتراف بأنّنا ساهمنا -كمحيط اجتماعي-من حيث ندري، أو لا ندري؛ في تشكيل هذا الوعي الجمعيّ لشبابنا، عوضاً عن ضرورة عدم الاعتماد على الشّهادة بشكل كلّي، وعدم الوقوف مكتوفي الأيدي في انتظار الوظيفة الحكوميّة، وإن كانت حقّاً محفوظاً للجميع متى تحقّقت شروط شغلها، ولزاماً على جميع الشباب عدم تعطيل إمكاناتهم وقدراتهم وتحنيطها انتظاراً، بدلاً من السّعي الحثيث في تحسين مستوياتهم وفتح مسارب وآفاق استثمار مبتكرة باعتماد التّفكير من خارج الصّندوق، أو باستبدال هذا الصندوق بصندوق آخر، وألا تنحصر رؤيتهم للحياة في زاوية محدّدة مسبقاً، بل عليهم أن يُغيّروا منهجية تفكيرهم، بتجاوز الأفكار المألوفة والقفز فوقها.
ولا ضير من الاستدلال بأنّ الشّخصيات الأكثر نجاحاً في العالم؛ لم تكن أبداً من صفوف الموظّفين الذين تعجّ بهم المكاتب الحكوميّة، وأنّ الذين برعوا في اكتساب ثروات هائلة في عالمنا اختاروا الابتعاد عن الوظيفة باكراً، وأنّ مشاهير العالم جميعاً؛ لم يكونوا أبداً من الموظّفين.!
لنغدو جميعاً أمام السّؤال: لم كلّ هذا الإصرار في مجتمعنا على اختيار ألّا نكون من بين هؤلاء الذين حقّقوا ذواتهم من ريادة وشهرة وثروة بعيداً عن الوظيفة الحكوميّة..؟
وعلينا ألّا ننسى أنّ السّواد الأعظم من الموظّفين الحكوميين حول العالم يندبون حظهم العاثر، الذي ألقى بهم بين المكاتب التي يلفّها الغبار والنّسيان، وجلّهم يتمنى إيجاد مخرجٍ من هذا الفضاء الضّيق الذي اختاره بمحض إرادته، فضلاً عن كونهم يقضون أعمارهم في انتظار الرّاتب الذي لا يكاد يفي بمتطلبات الحيّاة الأساسيّة، في حين ينعم من اختار فضاء العمل الخاصّ بحياة أفضل وأكثر رفاهاً!
والحال أنّ ما تقدّم لا يعفي الحكومة من واجبها العضويّ بضرورة استنفار أذرعها كافةً؛ للتّصدي الحازم والمسؤول للآثار السّلبية للبطالة والانحرافات التي تؤسّس لها، من عملٍ في الأنشطة غير الشّرعية، كالتّهريب والسّرقة وسواها، ويرتّب عليها واجب دراسة واقع سوق العمل بموضوعيّة وجرأة، لتحديد ملامح سيناريو استقطاب هذه العمالة بالسّرعة القصوى، ووضع الآليّات العقلانيّة الكفيلة بامتصاصها.
بقدر ما يستوجب من مؤسسات المجتمع المدنيّ؛ إفشاء ثقافة جمعيّة عمادها: أنّ الخيارات الصّائبة لمستقبل شبابنا؛ تقضي بألّا يهدروا زهوة أعمارهم في انتظار أن يكونوا نزلاء الوظيفة العامّة..!
أيمن علي
Aymanali66@Hotmail.com