دراساتصحيفة البعث

الخاشقجي.. ورقة جديدة لابتزاز مملكة الخطف والقتل!!

علي عبود

لو أتيح للكاتب جان ميشال فولكيه، مؤلف كتاب “السعودية .. الديكتاتورية المحمية”، أن يؤلف كتاباً جديداً عن السعودية هذه الأيام لاختار له عنواناً ينسجم مع ما تفعله مع معارضيها ومواليها على حد سواء: “مملكة الخطف والقتل”!.. وقتل الصحفي السعودي مؤخراً في قنصلية بلاده في تركيا لن يكون الأول ولا الأخير، فتاريخ مملكة القهر التي وصفها فولكيه بالاستبدادية الأشد والأكثر ظلامية في تاريخ البشرية هو تاريخ أسود في الخطف والقتل لكل من يسمع أو يتكلم أو يرى!!.

لقد سبق لمملكة القهر والاستبداد أن خطفت الأمير سلطان بن تركي في الأول من شباط 2016، وذكرت صحيفة غارديان البريطانية أن “الأمير لم يُر في العلن منذ هذا الحادث”، كما تعرّض الأمير تركي بن بندر آل سعود، وهو مسؤول أمني سابق كان مكلّفاً بفرض النظام بين أفراد الأسرة المالكة ذاتها في تموز، للخطف والاختفاء في عام 2015، وتم خطف الأمير سعود بن سيف النصر، وهو من أفراد الأسرة الحاكمة أيضاً في عام 2014، وتم خطف أمير آخر انشق عن الأسرة المالكة هو الأمير خالد بن فرحان آل سعود من روما في عام 2013.

وربما تعد حادثة خطف المعارض اليساري ناصر السعيد الأولى المعروفة بتاريخ آل سعود الأسود، فقد تم خطفه من بيروت في 17/12/1979، وبعد ثلاثين عاماً على اختفائه، نشر مارك يونك، وهو بريطاني عمل حارساً لإحدى عائلات آل سعود، مذكراته، وكشف فيها أن السعيد اختطف من بيروت وأُلقي من طائرة في البحر أو الربع الخالي!.

وفي العام الماضي خطفت مملكة القهر رئيس الحكومة اللبنانية سعد الدين الحريري، وهو “زلمتها” في لبنان، بذريعة أنه عاجز عن مواجهة حزب الله، ولولا الضغط الفرنسي وربما الأمريكي لاختفى الحريري إلى الأبد!!.

وتريد مملكة القهر من خلال هذه العمليات أن تبث الرعب في الموالين والمعارضين، وتطلب منهم أن يكونوا من (الطرشان والخرسان والعميان) وإلا كان مصيرهم الخطف والقتل!!.

وإذا كان مصير الخاشقجي، وهو ضابط مخابرات سابق، ومستشار سياسي وإعلامي للأسرة الحاكمة، سواء تعرّض للخطف وربما للقتل فيما بعد، فهل سيختلف مصير المعارضين السعوديين الفعليين عن مصير الموالين في القادم من الأيام؟!.

كان الخاشقجي موالياً بامتياز لولي العهد محمد بن سلمان يسوّق سياساته في أمريكا والغرب، وعندما توهم البعض أنه غادر السعودية إلى واشنطن ليتحول إلى معارض، أنكر ذلك بشدة وقالها جازماً: معاذ الله أن أكون معارضاً للسعودية!!.

كان الخاشقجي متمرساً بمخاطبة العقل الغربي، وكرّس مقالاته للترويج لسياسات بن سلمان، معادياً لإيران وحزب الله وسورية، كما كان مؤيداً لابن سلمان في حربه على اليمن، وعندما طالب بوقف هذه الحرب في مقال له مؤخراً ليس لأنه ضد هذه الحرب بل لأنها زعزعت صورة السعودية في العالم وبدأت تسيء للمملكة في الغرب وأمريكا!.

ولكون الخاشقجي ضابط مخابرات سابقاً، ومؤيداً لسياسات مملكة الخطف والقتل لم يجرؤ أحد على التعامل مع اختفائه في القنصلية السعودية  كقضية رأي، وإنما كصحفي فقط، وربما لو لم يكن الخاشقجي يكتب في الصحافة الأمريكية لما رأينا هذه الحملة الإعلامية التي تطالب الإدارة الأمريكية باتخاذ موقف حاسم ضد السعودية!.

والسؤال هنا: لماذا تصعيد قضية خطف الخاشقجي في الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا بشكل خاص دون سائر الدول الأخرى؟!.

ليس صحيحاً أن الهدف هو الدفاع عن حرية الصحافة والصحفيين، فالخاشقجي تحول سريعاً إلى وسيلة لتحقيق أهداف أخرى وتصفية حسابات!!.

الصحافة الأمريكية باستثناء “فوكس نيوز” هي على خلاف حاد مع الرئيس دونالد ترامب، ووجدت في خطف الخاشقجي فرصة ذهبية لتوجيه السهام إلى ترامب الذي يبتز السعودية ويحميها، والهدف تأليب الرأي العام الأمريكي ضده قبل أيام من الانتخابات التشريعية كي يخسر حزبه الجمهوري أمام الحزب الديمقراطي، تمهيداً لمحاكمته وعزله، وقد يجدها ترامب من جانبه فرصة لابتزاز مزيد من المليارات من السعودية!.

وبما أن أسرة مملكة الخطف والقتل مستعدة لشراء الأصوات والمواقف، فإن بريطانيا سارعت بدورها للاستفادة من خطف الخاشقجي وكأنها تقول لابن سلمان: اشتر المزيد من الأسلحة البريطانية.. وإلا!!.

طبعاً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المراوغ والأستاذ في استغلال الأحداث سيبتز ابن سلمان إلى الحد الأقصى، ويطلب منه ضخ المزيد من المليارات في الاقتصاد التركي، والتنازل في ملفات أخرى لصالح تركيا، كما سينتهز أردوغان فرصة خطف الخاشقجي لإعادة ما انقطع مع الأمريكان، سواء بالتصعيد أو التهدئة حسب تطور الأحداث والمواقف!.

ونستنتج بسهولة أنه ليس صحيحاً أن تركيا أو أمريكا ومعها الغرب مهتمون بالإجابة عن السؤال: هل قُتل الخاشقجي فعلاً أم مازال حياً؟ بل السؤال بالنسبة لكل من يطالب بكشف ما حدث هو: كيف نستغل الخطف “لشفط” المليارات من مملكة الخطف والقتل وإلا لن تبقى ديكتاتورية محمية من الأمريكان؟!.

بالمختصر المفيد، إن قتل الخاشقجي الذي كان مقرباً جداً من دوائر الأسرة السعودية الحاكمة تحول بسرعة إلى ورقة ابتزاز ووسيلة ضغط فعالة لا أكثر لكل من أمريكا وبريطانيا وتركيا “لشفط” المليارات من مملكة الخطف والقتل!!.