فشل الحصار والحلف المنهار
تيسير دبابنة- كاتب في الأردن
لقد سادت حالة من الارتياح مختلف الأوساط الشعبية في الأردن عندما تم الإعلان عن إعادة تشغيل معبر نصيب الحدودي بعد استكمال كافة الشروط الفنية واللوجستية لطي صفحة سوداء عملت عليها أطراف أردنية مرهونة في قراراتها لتوجيهات واشنطن ومخابراتها وبإشراف مباشر من ضباط أمريكيين وبريطانيين وفرنسيين وأردنيين أقاموا معسكرات لتدريب الإرهابيين والمرتزقة في المفرق والأزرق ودعمهم بمختلف أنواع الأسلحة وزجهم عبر الحدود لتنفيذ مخططهم الإجرامي في تدمير سورية، وأطلقوا ما سموه عواصف الجنوب لاجتياح المدن والبلدات من قبل المتوحشين المعبئين بالفكر الوهابي التكفيري الذين قتلوا وشردوا عشرات الآلاف من المواطنين الأبرياء ودمروا البيوت وأحرقوا الضرع والزرع ونهبوا الآثار ونصب أعين مشغليهم احتلال الجنوب والسيطرة على دمشق العروبة وإقامة كيان وهابي جديد يعود بسورية التاريخ والحضارة إلى العصور الظلامية، ولم يخطر بحسبانهم أن ترد عواصفهم عليهم لتكنس مجرميهم عن أرض الجنوب الطاهرة، وتغص مشافيهم في الرمثا وإربد والمفرق ومشافي العدو الإسرائيلي التي أقيمت في الجولان المحتل بآلاف الجرحى الإرهابيين والمرتزقة الذين سقطوا في المواجهة الحاسمة مع أبطال الجيش العربي السوري الذي سطّر ملحمة تاريخية ستبقى خالدة وإيقونة تتوارثها الأجيال.
ومن هنا فإن الصدمة التي لحقت بأزلام واشنطن في عمان وبمشغليهم خربطت حساباتهم وأعمت بصائرهم، فكيف يعيدون افتتاح معبر جابر الحدودي بعد أن عاد معبر نصيب للسيادة الوطنية.
لقد ماطلوا ولم يلتزموا بالموعد الأول الذي تم الاتفاق عليه، وفي الموعد الثاني في العاشر من هذا الشهر الذي أعلنته دمشق تحت حجج واهية للتملص من استحقاق وطني ينتظره شعبنا في الأردن على أحر من الجمر وهم كانوا يعولون أن يبقى المعبر تحت هيمنة الإرهابيين لمتابعة مخططات التدمير والقتل والتهجير..
فتح المعبر ولكن الجانب الأردني فرض شروطاً على المواطنين العرب السوريين بالحصول على موافقة أمنية من قبل الجهات الأردنية المعنية للسماح لهم بالعبور إلى الأراضي الأردنية وهو شرط بالتأكيد وضع بتوجيه من عملوا على حصار سورية وإعاقة عودة العلاقات الطبيعية بين البلدين الشقيقين، وهذا الشرط يثير الاستغراب ويبعث على الدهشة من تصرفات الحكومة الأردنية الذي كان عليها أن تعوض عن الجرائم التي ارتكبها الإرهابيون المدعومون من غرفة “الموك” بحق أبناء شعبنا الشقيق بزيارة سورية وتقديم اعتذارها الشديد عن الويلات التي ساهمت بارتكابها طيلة أكثر من سبع سنوات نشرت الدمار والخراب والقتل والخطف والذبح التي قامت بها عصابات الإرهاب والإجرام المصنعة على يد الإمبرياليين والصهاينة.
ومنذ اليوم الأول لفتح معبر نصيب تقاطرت مئات السيارات والزوار من أبناء شعبنا في الأردن وعبرت الحدود متجهة إلى دمشق قبلة العرب وحاضنتهم بينما لم نر مواطناً سورياً واحداً يجتاز الحدود إلى عمان بفعل قراراتكم الخرقاء التي لا هدف لها إلا مواصلة محاصرة سورية وإرضاء مشغليكم الذين يوجهونكم حسب مخططاتهم الإجرامية ضد أمتنا العربية..
شعبنا في الأردن يدرك أساليب الخداع المكشوفة وعملية بيع الأوهام للهروب من استحقاقات وطنية ومواصلة إسناد المشروع الإمبريالي الصهيوني الذي يستهدف وجودنا بالحروب التدميرية وتخريب مختلف مرافق الحياة اقتصادياً وصناعياً وإنمائياً ومجتمعياً لإيصالنا إلى حافة اليأس والهزيمة النفسية والتاريخ لم يشهد ما تعرضت له سورية العربية من حرب عدوانية وحشية في مداها الزمني وعدد الدول المشاركة فيها… لكن إرادة الحياة والتلاحم السياسي والعسكري والشعبي الذي تجسد في الصمود العظيم السورية ومقاومتها المذهلة لهذا الطوفان الوحشي وهزيمة المشروع الإمبريالي ودفن الأحادية القطبية التي تحكمت بالعالم لعقود وولادة نظام عالمي جديد رغم الأكلاف الباهظة التي تحملتها سورية الحضارة والتاريخ لحماية الأمة العربية وإسقاطها مشاريع الإمبرياليين والصهاينة الذين يواصلون حربهم وحصارهم لسورية رغم فشلهم الذريع.
معاني فتح معبر نصيب- جابر
محمد شريف الجيوسي- الأردن
سُرّ الشعب العربي الأردني خلال هذا العام مرتين، أولاهما بتمكّن الجيش العربي السوري من تحرير جنوب سورية من عصابات الإرهاب على اختلاف مسمياتها، بعد نحو 42 شهراً من الإفساد في الأرض ونشر الخراب، والمرّة الثانية بفتح معبر نصيب جابر، نتيجة تحريره، والذي يعتبر بمثابة الشريان التاجي للشعب الأردني اقتصادياً وسياحياً ومعنوياً واجتماعياً، حيث يصدّر منتجاته منه، وخاصة الزراعية، إلى سورية ولبنان وأوروبا وروسيا وغيرها.. ومن سورية يتسوّق الأردنيون يومياً احتياجاتهم المميزة بجودتها واعتدال أسعارها وقربها جغرافياً، ويقضون بعض وقتهم استجماماً وراحة، ومنهم من يزور أقرباء وأنسباء وأصدقاء وزملاء دراسة.
سورية تعتبر السوق شبه الرئيسة للمنتج الزراعي الأردني، ويأتي بعدها العراق، وفي ظل إغلاق المعبرين تضرّر المزارع الأردني إلى حد كبير، ووقع نحو 20 ألف مزارع تحت وطأة قضايا تنفيذ قضائي، وتحرير الجنوب السوري حقّق أمرين، فمن جهة أبعد خطر تمدّد العصابات الإرهابية الى الأردن وغيره، وأفسح المجال أمام فتح المعبر، من جهة ثانية.
إن لتحرير جنوب سورية وفتح المعبر معاني كثيرة، لعل منها إسقاط الأوكار التي انطلقت منها المؤامرة على الدولة الوطنية السورية، والتي بدأت في حرق المحكمة والأحوال المدنية، ما يعني أن هناك أياد خارجية أرادت أن تعبث بالمواطنة السورية وتزوير الجنسية لإدخال غير سوريين الى الجنوب.. لكن تحرير الجنوب لم يكن كله قتالاً، فحواضن الإرهاب لم تعد كذلك، والعديد من السوريين تصالحوا مع الدولة وعادوا إلى حضن الوطن، ما سهّل عملية التحرير، وبقي المتطرّفون وغير السوريين والذين تمّ نقلهم إلى الشمال، تمهيداً للتصفية الكبرى.
يضاف إلى ذلك أن الميزان التجاري بين الأردن وسورية كان في التسعينيات والعقد الأول من الألفية الثالثة يميل لصالح سورية، لكن كانت نسبة ازدياد الصادرات الأردنية إلى سورية سنوياً أكبر من ازدياد الصادرات السورية الى الأردن.. وكانت الصناعات القطنية والأعمال اليدوية والفواكه المجففة والأقماح السورية في الأردن ذات سمعة طيبة.. وكان الآلاف من الأردنيين يتوجهون إلى سورية بشكل يومي فيما عرف بعضهم بـ “البحارة” من منطقة شمالي الأردن للتبضع لغايات التجارة، فيما البعض الآخر كان يتوجه بشكل منتظم للسياحة والاستجمام والتبضّع، حيث قرب المسافة وجودة المنتج واعتدال الأسعار وحسن المعاملة. وكانت السياحة في الأردن تعتمد على فتح المعبر، فالسائح الخليجي كان يزور الأردن لليلتين أو 3 ليال ثم يتوجّه الى سورية ليقضي أسبوعاً على الأقل ثم يتوجّه للبنان ليقضي عدة أيام ثم يقفل راجعاً.. وبإغلاق المعبر أغلق هذا النوع من السياحة.
بهذه المعنى ففتح المعبر سيكون له نتائج ايجابية على الأردن، وسورية، ولبنان، والمنطقة بعامة، إذ أن سورية الآمنة المستقرة الممتلكة لقرارها السيادي المستقل، كما كانت قبل الحرب العدوانية عليها والحصار، هي مدخل المنطقة إلى الاستقرار، الذي لا يمكن تحققيه دونها، بل والذي سيهيئ المنطقة إلى معادلات سياسية جديدة لصالح شعوبها، بعد إلحاق هزيمة بالإرهاب ومن يقف خلفه، وبالمراهنات على إسقاط الدولة الوطنية السورية، وما يعنيه هذا الإسقاط، لو نجح، من صعود شرائح أكثر تبعية وعمالة للأجنبي وتسخير ثقافات ومقدرات المنطقة وشعوبها له.
ولن يقتصر فتح الحدود مع سورية، ومع العراق قريباً، على الجوانب الاقتصادية بل على نتائجها على السياسات الأمنية والداخلية، حيث ستتكرّس مصلحة الأردن مع سورية والعراق بدلاً من الخليج، المرتهنة مصالحه في أغلبه للغرب.
إن إنجاز تحرير الجنوب السوري، الذي اختار المتآمرون أن تبدأ منه المؤامرة، يحمل معان ومغاز مهمة، وسيمكن من إنجاز معركة الشمال وبعدها شرق الفرات، رغم كل المناورات الأمريكية التركية، وبالتالي فتح كل المعابر العراقية السورية، ما سيعزّز التيار الوطني في العراق بعيداً عن الضغوط الأمريكية والسعودية، كما سيعزّز الإرادة الشعبية في الأردن، ويؤكّد أن أكلاف الصمود مهما تعاظمت تبقى أقل من الاستسلام للأجنبي.
يضاف إلى ذلك أن تحرير الجنوب وفتح المعبر أسقطا موضوعياً فعالية غرفة الموك في الأردن، لكن استمرار وجودها يسيء لوجه الأردن الرسمي ويعرقل استعادة ألق العلاقات الأردنية السورية، علماً أن الشارع الشعبي الأردني أحزاباً قومية ويسارية ونقابات وقوى مجتمع مدني وشخصيات وطنية، عبّر مراراً عن رفضه المطلق لوجود غرفة الموك ولأي دور أردني رسمي في المؤامرة ضد سورية.
لقد حال صمود وانتصار سورية، وبدعم من القوى الحليفة والصديقة والرديفة، في وجه المؤامرة الكونية والحصار الاقتصادي والسياسي والديبلوماسي، من تمدّد الإرهاب إلى خارج حدودها، بل وأسهم في تحقيق معادلة توازن عالمية جديدة، وعرّى الإدارات الأمريكية وكشف الحبل السري الذي يربط بين الإرهاب والرجعية العربية والصهيونية وعواصم الاستعمار القديمة، بخاصة منها لندن وباريس وبون. وبدا العالم أكثر تمحوراً، وإن لم ينته الفرز بعد، لكنه في طريقه للتشكّل على غير صعيد.