معلم التربية الخاصة بالمعوقين.. مشكلات وهموم.. وآمال لتحقيق واقع مهني أفضل
مهنة التربية والتعليم مهنة سامية، ورسالة إنسانية حمل لواءها المعلم عبر التاريخ، إذ كان للمعلم الدور الأساسي والمحوري في نقل مكونات الحضارة الإنسانية من جيل لآخر، وتهيئة الناشئة لمواجهة تحديات الحياة المقبلة، والنهوض بمجتمعهم، والإسهام في تطويره، وقد حظي المعلم- كأحد أطراف العملية التربوية- باهتمام نظري وتطبيقي في البحوث والدراسات الأكاديمية، وباهتمام الجهات الحكومية، والمنظمات الشعبية لتمكينه من الدور المنوط به لقيادة العملية التعليمية.
معلم التربية الخاصة بالمعوقين كغيره من فئات المعلمين، إلا أن دوره لم يحظ بذلك الاهتمام النظري والتطبيقي، بالتوازي مع بروز الاهتمام العالمي بالأشخاص المعوقين: (إعاقة حركية، إعاقة سمعية، إعاقة بصرية، توحد، صعوبات تعلّم، فرط نشاط مع نقص الانتباه ADHD)، فما هي المشكلات التي يعاني منها معلمو التربية الخاصة بالمعوقين؟ وما هي آمالهم وطموحاتهم التي يصبون إليها لتحقيق أفضل النتائج الممكنة التي يمكن أن تساهم في تمكين الأشخاص المعوقين للوصول بهم إلى أفضل ما تسمح به قدراتهم الخاصة؟.
واقع الحال
وفي سؤال موجّه للآنسة رنيم الأسعد، العاملة في إحدى مدارس الدمج التابعة لمديرية التربية بمحافظة حمص، حول أهم الصعوبات التي تعيق عمل معلم التربية الخاصة لتأهيل الأطفال المعوقين المشمولين بمدارس الدمج، أكدت أن أية محاولة لإثبات هذا الدور ميدانياً لا تتعدى الجهود الفردية لتوسيع الخبرات النظرية والتطبيقية من بعض الزملاء الذين قرروا أن يكونوا متميزين في عملهم، فمعظم معلمي التربية الخاصة هم من حملة الإجازة الجامعية في التربية، أو علم النفس، أو علم الاجتماع، ويحملون خبرات نظرية واسعة ومهمة، إلا أنهم يواجهون مشكلة في عدم القدرة على نقل الخبرات النظرية إلى التطبيق الميداني، وعدم امتلاك الخبرة الميدانية المناسبة، لاسيما تلك المتعلقة بتشخيص بعض الإعاقات النمائية المتداخلة في مظاهرها السلوكية، والعقلية، والأكاديمية: (توحد بسيط، تخلف عقلي بسيط، صعوبات تعلّم نمائية..)، أما من الناحية الإدارية فقد أكدت الأسعد عدم خضوع معلم التربية الخاصة لنظام الساعات أسوة بالمعلم الاختصاصي، ولا لنظام الإداريين أسوة بالزملاء العاملين في الإدارة التربوية، يضاف إلى ذلك النقص الملموس في أعداد المعلمين المختصين برعاية المعوقين من حملة الدراسات العليا: (دبلوم، ماجستير).
عقبات متداخلة
وفي السياق ذاته، فقد أكدت الآنسة رجاء سلوم، معاون مدير معهد الإعاقة الذهنية بدمشق (قدسيا) التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، أن المشكلة الأساسية في تربية الأطفال المعوقين وتأهيلهم وتدريبهم تكمن في نقص أعداد المعلمين المؤهلين من مستوى الإجازة الجامعية فما فوق للتعامل مع مختلف حالات الإعاقة، فمعظم من يعمل لدينا هم من حملة درجة المعاهد المتوسطة، أو الثانوية العامة، ولا يحملون تلك الخبرات النظرية والتطبيقية الكافية حين السعي لفرز حالات الإعاقة العقلية المتداخلة في مستوياتها: (بسيطة، متوسطة، شديدة، مزمنة)، أو الاكتشاف المبكر لها، وذلك رغم الجهود المبذولة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لتأهيلهم أثناء الخدمة، تضاف إلى ذلك الظروف السيئة التي خلّفتها الأزمة السورية، لاسيما ما يتعلق منها بضيق الأماكن: (صفوف، قاعات تدريب، باحات..)، وتخريب وسائل النقل، ونقص التجهيزات اللازمة لتعليم وتدريب الأطفال المعوقين، أو خجل بعض أولياء الأمور، وعدم تصريحهم بوجود طفل معوق في الأسرة، ما يعيق عمل الجهات المعنية عند سعيها لتكوين قاعدة بيانات يمكن من خلالها تحديد الاحتياجات البشرية، والمادية، والمالية اللازمة لتربية وتعليم الأطفال المعوقين.
القطاع الخاص
أما بالنسبة للمؤسسات التعليمية التابعة للقطاع الخاص فقد بيّنت الآنسة بنان كيالي، وهي صاحبة مركز لرعاية المعوقين بمحافظة حلب، أن أهم الصعوبات التي تعيق تطوير أداء معلم التربية الخاصة تكمن في النقص الشديد في أدوات فرز القدرات العقلية، أو التحصيلية، أو السلوكية: (الاختبارات والمقاييس)، والتي لا تتوفر كثيراً في البيئة المحلية، وإن توفرت فهي أجنبية التصميم، وغالية الثمن، وتحتاج إلى ترجمة وتكيف لتناسب البيئة المحلية، كما أن معظم خريجي كليات التربية وعلم النفس يواجهون صعوبة في تطبيق تلك الاختبارات والمقاييس ميدانياً، ويعانون من نقص الخبرة عند محاولة فهم مؤشراتها التشخيصية، أي أن التشخيص الفارقي لايزال غير واضح في أذهان معلمي التربية الخاصة، كما لا يوجد تنسيق بين الأطباء النفسيين ومعلمي التربية الخاصة حين إحالة أي طفل معوق إلى مركزنا من قبل الجهات المعنية، كما أشارت كيالي إلى النقص الشديد والواضح في الكوادر المتخصصة بالعلاج الفيزيائي، وعلاج صعوبات النطق، وأن أعدادهم محدودة جداً في محافظة حلب مقارنة بأعداد الأشخاص المعوقين ممن هم بحاجة لهذا النوع من الخدمات، كما يعاني معلمو التربية الخاصة من ضيق المكان الذي يتيح لهم تطبيق أنشطة حركية وجسدية لتنمية قدرات الأطفال المعوقين لمساعدتهم على نموهم الجسدي السليم، فمعظم مراكز رعاية المعوقين التابعة للقطاع الخاص عبارة عن شقق سكنية مرخصة من قبل الجهات المعنية لمزاولة هذه المهنة، ونحن بحاجة إلى مزيد من التسهيلات من قبل الجهات الحكومية لاستغلال المساحات الخضراء، والحدائق، والملاعب لتنمية مواهب الأطفال المعوقين، وتوفير الدعم المادي والمالي للمراكز التابعة للقطاع الخاص بالتنسيق مع الجمعيات الأهلية والمنظمات الدولية المعنية برعاية المعوقين تحت مظلة حكومية.
وفي إطار البحث في المشكلات المادية والمالية التي تعيق تطوير عمل معلم التربية الخاصة فقد أكد الدكتور عبد الحي المحمود، وهو مدير مركز (الأمل) التابع للقطاع الخاص في محافظة حماة، أنه قبل مزاولته للمهنة في القطاع الخاص كان يعمل في مجال رعاية المعوقين في القطاع الحكومي، إلا أن تدني مستوى الأجور والتعويضات، وعدم تناسبها مع مستوى المعيشة، دفع معظم الاختصاصيين للبحث عن فرص أفضل ضمن القطاع الخاص، لاسيما أن معظم الجهات الحكومية التي تعنى بشؤون المعوقين لا تمنح تعويض (50%) للعاملين في مجال رعاية المعوقين التي وردت في قانون رعاية الأشخاص المعوقين الصادر بالمرسوم رقم (34) لعام (2004)، وأن هذا التعويض منح للعاملين الدائمين فقط، أما العاملون المؤقتون بعقود سنوية أو وفق برنامج تشغيل الشباب، أو العاملون بصفة عقود مؤقتة (3) أشهر، فلم يمنحوا هذا التعويض، كما أكد د. المحمود على غياب الوعي من قبل أولياء الأمور بالحاجات الخاصة لأبنائهم المعوقين، وعدم متابعة تقدمهم التحصيلي، والسلوكي، والعقلي في المنزل، وغياب الوعي بأهمية التعاون مع معلم التربية الخاصة، ما يحول دون تحقيق الأهداف المرجوة بالشكل الأمثل، بالإضافة إلى غياب شبه تام للمراكز الحكومية التي تعنى برعاية الأشخاص المعوقين في منطقة ريف حماة.
الطموحات والآمال
يلاحظ مما سبق أن واقع الحال يشير إلى مجموعة واسعة من المنغصات والمعوقات التي تحول دون تحقيق معلم التربية الخاصة للأهداف السامية التي وجد من أجلها، وهي رعاية الأشخاص المعوقين، وتربيتهم، وتعليمهم، وتأهيلهم بأفضل صورة ممكنة، ومساعدتهم على تحقيق حاجاتهم الخاصة، بما يتناسب مع ما لديهم من قدرات وطاقات، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، وبالمقابل فإن الآمال مازالت معقودة من قبل جميع الأطراف المعنية لبذل مزيد من الجهود لدعم تلك المهنة النبيلة والإنسانية، وهي رعاية الأشخاص المعوقين، لاسيما خلال الأزمة السورية، فالمؤشرات الكمية تؤكد تضاعف حجم المعوقات أمام معلم التربية الخاصة، والتي تحول دون تمكينه من تقديم أفضل ما لديه، وتطوير أدائه، والسعي لحل جميع مشكلاته المعرفية، أو المادية، أو المالية، وتلمّس مشكلاته النفسية والاجتماعية، وبالمقابل فإن المطلوب من معلم التربية الخاصة أن يكون فاعلاً، وليس منفعلاً، من خلال توسيع خبراته ومعارفه النظرية والتطبيقية، وتوسيع دائرة مبادرته لتحقيق التعاون مع الجهات الحكومية المعنية، وأولياء الأمور، ومنظمات المجتمع المدني لتوفير بيئة داعمة للأشخاص المعوقين، والأخذ بيدهم لتحقيق حاجاتهم الخاصة.
حسام سليمان الشحاذه