أطفال الأراكيل ؟!
ألفنا في هذه الأزمة حدوث المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتأقلمنا مع الواقع مهما كانت قساوته، وبشكل أوضح (اعتاد هذا الخد على اللطم كما يقولون)، حيث باتت القدرة على امتصاص الصدمات والأزمات أكثرة قوة وتراجع في عنصر المفاجأة أمام سرعة الانحدار بكل مسمياته واتجاهاته، إلا أن استفحال الأمور وتأزم الأوضاع إلى حد الفلتان يستوجب اتخاذ خطوات فاعلة وجريئة على صعيد الحلول وعدم الاستكانة لما يحدث والعمل بشكل جماعي لإدارة العجلة إلى الأمام.
وطبعاً نحن لا نتجول في الحلقات السوداوية لنرى في النهاية شموع الأمل كما يفعل البعض عبر إشعال شعلة المعرفة النظرية وتعميم أفكار وتجارب سابقة لن تخدم الواقع الحالي، إلا بالتشخيص الممل والمقزز، بل نعمل على وضع لبنة جديدة في مكانها الصحيح داخل معالم المستقبل الذي حان الوقت للتحكم به، فلم يعد مقبولاً السكوت عن الخلل سواء من الجانب الاقتصادي المعيشي لجهة الغلاء وعدم قدرة الدخل على الصمود أمام طوفان الأسعار أو لناحية الظواهر المجتمعية الجديدة خاصة تلك الظاهرة الخطيرة المنتشرة بسرعة بين الكبار والصغار المتمثلة بتدخين الأركيلة التي لا تضلل بدخانها وجلساتها جيل المستقبل بل تدفع به نحو المتاهة.
وما يؤلم حقاً أن نرى أطفالاً في مرحلة التعليم الأساسي وفي مراحل أخرى ومن الجنسين يهربون من مدارسهم ليكونوا زبائن في المقاهي وعلى طاولات تتزين بالأراكيل بكل ملحقاتها (قد تكون المخدرات منها) التي قدمت لهم دون أي اعتبار للقوانين، وهنا نشير إلى أهمية تعديل العقوبات الواردة في المرسوم التشريعي رقم/62/ لعام 2009 القاضي بمنع التدخين وخاصة المادة التي تقول “من يقوم ببيع أو تقديم منتجات التبغ للأطفال واليافعين ذكوراً كانوا أو إناثاً مما يدل ظاهر حالهم بأن عمرهم أقل من الثامنة عشرة، فيعاقب بغرامة مقدارها خمسة آلاف ليرة”.
والسؤال الأهم هنا أين إدارات المدارس من ظاهرة الهروب من المدرسة خاصة أن الحدائق والمقاهي تعج بالطلاب في فترات الدوام المدرسي وهذا إن دل على شيء فيدل على التسيب وعدم متابعة الطلاب بشكل يومي ويترتب عن ذلك من مسؤولية قانونية على تلك الإدارات؟ وأين الجهات المعنية بمراقبة المقاهي وتطبيق القوانين وطبعاً مسؤولية الأهل هنا أكبر في هذه الجريمة المجتمعية كونهم الأكثر قرباً وتواصلاً مع أبنائهم وعليهم تقع مسؤولية متابعتهم ومعرفة تحركاتهم ومدى التزامهم بالدوام المدرسي.
إن الاختلاف اليوم ليس على صحة وسلامة المجتمع وضرورة المحافظة على المنظومة الاجتماعية متماسكة بل الخلاف على كيفية التصحيح وماهية الإصلاح المطلوب في زمن يشهد العديد من التحولات ويبدو أننا بحاجة اليوم إلى فصل سريع ما بين الاستمرار في استخدام الأفكار المعرفية في المعالجة النظرية ومابين فرار تطبيق العقوبات الأشد وتسيير دوريات مشتركة مابين وزارة الداخلية والتربية لمعاقبة المخالفين سواء أصحاب المقاهي أو الإدارات المتسيبة وحتى الأهل الذي يدفعون بأولادهم نحو الانحراف فالواقعية تؤكد الآن انتشار الكثير من الأمراض الاجتماعية المؤثرة سلبياً على البيئة التربوية التي تتعرض اليوم لامتحان البقاء في دائرة القيم والأخلاق.
بشير فرزان